الترفاس ثمرة صحراوية تنعش التجارة وتزين الأطباق في الجنوب التونسي!!
17.02.2018
يحرك موسم جني الترفاس النشاط الاقتصادي في الجنوب التونسي بالنسبة للعائلات الفقيرة والعاطلين عن العمل خاصة وأن جمعه لا يتطلب أدوات معقّدة بل يحتاج إلى الصبر والفراسة، فالشخص يقضي الساعات الطوال وهو شبه منحن بحثا عن ضالته، وإذا لم يحظ بثمرة منذ أول وهلة فعليه مواصلة البحث بلا كلل حتى يفوز بما يُوفّر له بعض المال.
بنقردان (تونس) - لا حديث في محافظتي مدنين وتطاوين جنوبي تونس، هذه الأيام، إلاّ عن أسعار “الترفاس” أو الكمأ الذي تحوّل إلى مصدر رزق للمئات من الأسر التونسية وإلى أطباق تزيّن موائدهم، وذلك مع بدء موسم نضوجه في فصل الشتاء.
ويُعرِّفُ خبراء الزراعة “الترفاس” بأنّه “بمثابة ثمار لبعض الفطريات المنتمية إلى العائلة الترفاسية، وينمو في شكل درنات تحت الأرض تبرز كليا أو جزئيا فوق سطح التربة بعد سقوط الأمطار بعمق من 5 إلى 15 سنتيمترا تحت الأرض، ويكون في أحجام متفاوتة”.وتعتبر منطقة بنقردان من أهم مواقع تواجد الترفاس، حيث تتعدد تقاليد استهلاك هذه الثمرة وتختلف طرق البحث عنها وجمعها التي لا يدركها إلا من يتمتع بخبرة ومهارة.
ومنذ أكثر من شهر ونصف الشهر، يقصد المئات من التونسيين الصحراء الواقعة على الحدود مع ليبيا بحثا عن الترفاس الذي بات موجودا بكثرة في المنطقة مؤخرا.
وكغيره من التونسيين بمدينة بنقردان التابعة لمدنين، لم يفوّت الشاب محمد السابق (37 عاما)، على نفسه فرصة جمع هذه النبتة في منطقة “التْويْ” على الحدود الليبية. ويقول محمد، إن “جمع الترفاس يعتبر، منذ القدم، بمثابة التقاليد التي نحافظ عليها في مدينة بنقردان، غير أننا لم نشهد وفرة في نمو هذه الفطريات بهذا الشكل منذ 1996”.
أنواع مختلفة من الكمأ ذات قيمة غذائية عالية
ويضيف أنّ “الترفاس يوجد في أغلب مناطق مدينة بنقردان، ولكنه يتواجد بشكل أكبر على الحدود مع ليبيا، مستفيدا من الطبيعة الجغرافية التي تساعده على النموّ هناك”.
وعن كيفية جمع هذه الفطريات، لفت محمد إلى أنه “لا يمكن رؤية الترفاس على سطح الأرض، ولكن يمكن تحديد مكانه”.
وعادة ما يوجد الترفاس قرب نبتة يصطلح على تسميتها بـ”عروق الترفاس”، وهي نبتة صفراء اللون عادة ما تبرز إلى جانبها شقوق صغيرة على سطح الأرض، وبنبشها يتم العثور على الترفاس.
واعتبارا لقيمتها الغذائية العالية وشدة الإقبال عليها في الخارج كما في الداخل، لكونها من الثمار الطبيعية والبيولوجية التي لا تغرس ولا تزرع، حيث يعتبرها البعض “زبدة الأرض وقوتها”، فإن أسعارها ترتفع كلما كبر حجمها وارتفع عدد تجارها وزاد استهلاكها.
وارتفعت أسعار هذا النوع من الفطريات بشكل لافت هذا العام مقارنة بسابقيه، حيث بلغ ثمن الكيلوغرام الواحد منه نحو 120 دينارا تونسيا (ما يعادل 57 دولارا) للترفاس الأبيض، فيما لم يتجاوز الكيلوغرام الواحد من “الترفاس الأحمر”، الـ60 دينارا (25 دولارا).
لكن، وبسبب وفرة المنتوج تراجعت أثمانه في الأيام القليلة الماضية ليصل إلى نحو 10 دولارات للكيلوغرام الواحد لـ”الترفاس الأحمر” و13 دولارا لـ”الترفاس الأبيض”.
وتنتشر أسواق الترفاس في العديد من محافظات الجنوب الشرقي، وخاصة في مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا، ووسط محافظة تطاوين.
وخلقت هذه الأسواق حركية اقتصادية كبيرة في المنطقة التي تشكو من كساد تجاري منذ فترة بحكم الأوضاع السائدة على الحدود مع ليبيا، وتداعياتها على التجارة بين البلدين.
ويعود محمد السابق ليقول إن “إيرادات معظم سكان بنقردان وتطاوين تتأتى من التجارة مع ليبيا، لكن وبفعل التضييقات المفروضة من قبل السلطات الليبية على التجار التونسيين شهدت التجارة في المنطقة حالة من الركود”.
ووفق الشاب، فإن هذا الركود يفسّر توجه عدد كبير من الشباب إلى جمع الترفاس وبيعه، خصوصا وأنّ الكثير من التجار التونسيين والأجانب يقبلون على شراء هذه الفطريات وتصديرها إلى أوروبا ودول الخليج. وأفادت مصادر متطابقة بأنه تم تصدير كميات وافرة من هذه الثمرة خلال شهر يناير الماضي إلى دول الخليج وأوروبا بأسعار تراوحت بين 60 و100 دينار للكيلوغرام الواحد.
ومع انتشاره بكميات كبيرة، بات الترفاس الوجبة المفضلة لسكان الجنوب التونسي وزوّارهم، حيث يقبلون على استهلاكه مشويا أو مسلوقا، كما يمكن استخدامه بدل اللحم في تحضير العديد من الوجبات المحلية.
ويصنف الترفاس ضمن الثمار النبيلة نظرا لقيمته الغذائية والصحية وخاصة لأمراض العيون والسكري والمساعدة على الهضم، إلى جانب أهميته كمنشط جنسي للرجال.
وتحتوي حبة الترفاس على 20 بالمئة من البروتينات و12 بالمئة من المواد النشوية و1 بالمئة من الدهون، وثلاثة أرباعه (75 بالمئة) من الماء، كما تحتوي على معادن مشابهة لتلك التي يحتويها جسم الإنسان مثل الفوسفور، الصوديوم، الكالسيوم والبوتاسيوم.
كما تحتوي الثمرة النبيلة على فيتامين “س” وهي غنية بالفيتامين “ب”، إلى جانب كميات من النيتروجين والكربون والأكسجين والهيدروجين، وهو ما يجعل تركيبة الترفاس شبيهة بتركيبة اللحم. وطعمه مطبوخا يشبه طعم كلى الضأن، إضافة إلى رائحته المحببة وطعمه الشهي، خاصة المشوي مما يغري الكثيرين بالإقبال عليه مهما ارتفع ثمنه.
ويقول الباحث التونسي محمد النفاتي إن “للترفاس منافع صحية عدة، حيث يستعمل كدواء لأمراض العيون، إضافة إلى كونه يقوي مناعة الإنسان”.
ويقوم باحثون تونسيون بمعهد المناطق القاحلة بمدنين بإجراء اختبارات علمية على الترفاس، للدفع نحو بعث مشاريع التحكم في هذه الفطريات، وإنتاجه في غير الفصول المعتادة. وتعود وفرة الترفاس هذا العام إلى كميات الأمطار الغزيرة التي هطلت على مناطق الجنوب التونسي.
وبحسب الأرقام الرسمية لـ”خلية الإرشاد الفلاحي” بمدينة بنقردان (حكومية)، فقد سجلت كميات الأمطار هذا الموسم، إلى حدود شهر يناير الماضي، نزول 330 ملليمترا مقابل 160 ملليمترا في الفترة نفسها من العام الماضي.
ومن جانبه اعتبر النفاتي أنّ “الترفاس ينتشر بشكل خاص في المناطق المتاخمة للصحراء بشمال أفريقيا وغرب آسيا وشبه الجزيرة العربية”.
وفي تونس، ينمو هذا النوع من الفطريات في شتاء السنوات الممطرة جدا وخاصة عند نزول الأمطار في بداية فصل الخريف بالمناطق الجنوبية للبلاد، كما ينمو بأحراش الوسط وغابات الشمال الغربي، وتستمر ثماره في النضج حتى نهاية أبريل.
وأضاف النفاتي أنه “تبيّن أن التربة الخالية من الفسفور وذات الحموضة الضعيفة، والتي تضمّ نسبة قليلة من المواد العضوية هي الأنسب لنمو هذه الفطريات”.
ولـ”الترفاس” أنواع مختلفة باختلاف اللون والحجم، ويوجد نوعان رئيسيان ينبتان في منطقة الجنوب التونسي ويعرفان في هذه المناطق باسم “الترفاس الأحمر” و”الترفاس الأبيض”.
www.deyaralnagab.com
|