صناعة الحلي والفضة الأمازيغية مهددة بالانقراض في الجزائر!!
09.02.2018
حرفيو صناعة الحلي والفضة في الجزائر يعانون من وضع صعب، فرضته قواعد منافسة غير نزيهة، بين المنتوج المحلي وبين المنتوج المستورد.
كتب صابر بليدي...الجزائر - على مسافة كليومترين بين سوق “كلوزال”، وبين ساحة البريد المركزي بوسط العاصمة الجزائرية، ترتسم معالم معاناة أحد أوجه الموروث الحضاري والتراثي والاقتصادي، بسبب منافسة غير نزيهة وفرص غير متكافئة، فرضتها تطورات اجتماعية متسارعة، وإهمال رسمي لمورد كان بالإمكان أن يكون ميزة حضارية للجزائر ولشمال أفريقيا.
تنتصب في سوق كلوزال (شارع أرزقي حماني)، عدة طاولات عشوائية محدودة المساحة، لكن الناس تتدافع عليها لاقتناء خاتم فضي لتزيين أحد أصابع اليد، ولا يهم هؤلاء اللمسة الفنية ولا النوعية أو التصميم، ما دام السعر زهيدا وفي متناول الجميع.
وفي ساحة البريد المركزي، التي رخصت بلدية الجزائر الوسطى، بنصب خيام بيع الأغراض الحرفية والتقليدية، تكاد العنكبوت تنسج خيوطها على خيام الحلي الفضية والتقليدية، بسبب عزوف غير معلن للزبائن، لأسباب متعددة ومتشابكة، لكن المنتوج المحلي والموروث الحضاري في النهاية هو الذي يحتضر، ومن ورائه تحتضر مئات العائلات رغم أن الحرفيين يقاومون في صمت الزحف الصيني.
وإذا كان هذا المشهد في العاصمة عينة صغيرة من الوضع العام، فإن إنتاج الحلي والفضة الأمازيغية في البلاد، لا يسر الغيورين على الهوية الوطنية والموروث الحضاري والتراثي، في ظل المعاناة المستمرة للحرفيين، مقابل الصمت المطبق للجهات الوصية، رغم تخصيص الدولة لكتابة دولة للصناعات التقليدية.
ويعاني حرفيو صناعة الحلي والفضة في الجزائر، من وضع مزر، فرضته قواعد منافسة غير نزيهة، بين المنتوج المحلي وبين المنتوج المستورد، ما أدخل هؤلاء الحرفيين في حرب صمود ومقاومة، بدل العمل على التطور والتوسع، فرغم الخصوصيات المميزة فنيا وجماليا التي تؤهل الإنتاج لغزو أسواق السياحة الإقليمية والدولية، إلا أن قواعد اللعبة المفروضة تدفع بالنشاط إلى الانقراض.
وفيما تنهك جهود الحرفيين في البحث عن المواد الأولية، وفي الحفاظ على أصالة المنتوج المحلي، يعبث المقلدون والمستوردون للبضائع الصينية، برزق ومستقبل مئات العائلات في منطقة القبائل التي تحترف صناعة وتحويل الفضة والحلي، ما أحال الكثير على البطالة.
يقول مراد صاحب طاولة عشوائية، في رد على سؤال لـ”العرب”، حول مردود نشاطه، “لا يهمني إلا أن أوفر دخلا في المساء لأعيل عائلتي، وأسلم من مطاردات الشرطة، وأما الإضرار بالمنتوج المحلي، والمنافسة غير الشريفة، فأتركه لأصحابه”. وأضاف، “المنتوج يستورده الكبار والنافذون، لماذا لا يتكلمون عنهم؟ أنا صاحب طاولة صغيرة، أكتفي بهامش ربح صغير، لأن الناس لا يهمهم مصدر الخاتم أو نوعيته، وما يهمهم هو السعر المناسب، رجاء اتركونا، انتهى الحديث، دعونا نسترزق”.
الموروث الحضاري الجزائري يحتضر
وتذكر مصادر متابعة لشأن الأسواق الموازية، أن “مستوردين كبار يمولون السوق بمختلف البضائع، وعبقرية التقليد لدى الصينيين ليست بالشيء الهين، فصورة فوتوغرافية لأي منتوج، تكفي لأن تصلك حاوية بعد أسابيع، بالتكلفة والنوعية والسعر الذي تريد”.
وتضيف المصادر، “المنتوجات الصينية والتركية دمرت كل الحرف المحلية، بما فيها تلك التي كنا نعتقد أننا أصحاب حصريون فيها، كالأواني الفخارية والحلي الفضية والأدوات التقليدية، المنتجة في المدن والمناطق الداخلية، كمنطقة القبائل، التي كانت الممون الأول بمثل هذه الأغراض”.
وفي خيام ساحة البريد المركزي، أخرج رضا يايسي، رئيس فيدرالية الحرفيين، نفسا عميقا، يترجم ركاما من المعاناة، لما علم بهويتنا والغرض من تواجدنا في خيمة لبيع الحلي والفضة، واختصر مقدمته بالقول، “الكلام كثير والفعل قليل، اليوم نحن هنا وهناك، لكن غدا لا أعتقد ذلك”، في إشارة إلى مخاطر الانقراض التي تهدد الحرفيين.
ويضيف، “صناعة الحلي الأمازيغية، مهددة بالانقراض، بسبب تراكم العديد من العوامل والأسباب التي دفعتها إلى صفوف خلفية في الأسواق المحلية، والانسحاب من الأسواق الإقليمية والدولية، وعلى رأسها غياب الحماية والدعم اللازم من طرف الهيئات الوصية، فهي ليست مجرد نشاط صناعي وتجاري فقط، بل موروث ثقافي وحضاري يعكس الشخصية الوطنية”.
ويتابع، “السوق مضطربة والحرفيون هم أول ضحايا رواج التجارة الموازية، التي ينشطها بارونات فاعلة تشتغل على الربح والدخل وليس على القيم، فيكفي وصول حاويات مقلدة للميناء لنصاب بالركود والانكماش، ولولا مثل هذه المعارض لصار أصحاب هذه المهن في عداد الفقراء والمعوزين”.
وتشكل المواد الأولية، عائقا كبيرا في نشاط حرفيي الحلي الأمازيغية، بسبب اضطراب سوق الفضة والمرجان، ما يضطرهم للجوء إلى السوق السوداء للتزود بالمواد المذكورة، ممّا يؤثر على أسعار المنتوج، ويجعل أسعاره غير تنافسية مع الحلي المقلدة والمستوردة من الصين وتركيا.
ولم تعد الوكالة الوطنية لتحويل وتوزيع الذهب والمواد الثمينة، قادرة على تلبية طلبات الحرفيين، ما أعاق كمية المنتوج، وأدى إلى شيوع المضاربة بمادة الفضة والمرجان في السوق الموازية، خاصة في مواسم الصيف، حيث يكثر الطلب على الحلي الأمازيغية، بسبب تمسك عرائس المنطقة بالتزود بها للتزين بها حفلات الزفاف.
وللتغلب على هذا العائق يرى رضا يايسي، أن “الفيدرالية اقترحت إنشاء مخزون استراتيجي للمواد الأولية، يضمن للحرفي الاستمرارية في العمل، وينظم نشاط السوق الذي يسجل انسحابا تدريجيا للحرفيين بسبب العراقيل اليومية”. ويرى حرفي آخر أن “ممارسة هذه الحرفة تزداد تعقيدا، والمحافظة عليها باتت مغامرة حقيقية، بسبب الظروف العسيرة التي تفرضها السوق، التي تئن من شح المواد الأولية، فضلا عن التقليد الذي أغرق السوق المحلية”.
ويضيف، “مادة المرجان تعاني من الندرة والاضطراب وعدم التقنين، حيث بلغ سعرها الألف دولار، بعدما كان لا يتعدى سقف 400 دولار للكيلوغرام، وأن حظر صيد المرجان في السنوات الماضية أضر كثيرا بالنشاط”.
وأمام هيمنة التقليد والغش الممنهج، يرى مسؤول محلي عن القطاع في محافظة تيزي وزو، أن “أفضل طريقة للتغلب على زحف المنتجات غير الأصلية هي تنظيم معارض دورية تساهم في تسويق المنتوج التقليدي ناهيك عن التأطير الترويجي الذي تضمنه الغرفة الصناعية”. ويضيف، “لا بد للحرفيين من تسجيل منتوجاتهم في المعهد الوطني للملكية الصناعية، أو ديوان حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، لحماية نماذجهم وتصميماتهم وإبداعاتهم من التقليد والغش، من طرف ممتهني الاستيراد”.
**المصدر : العرب
www.deyaralnagab.com
|