logo
1 2 3 41135
العنبر يفوح من أحشاء الحيتان في سلطنة عمان!!
07.01.2018

العنبر الحقيقي الذي يأتي من البحر أصبح نادرا، لكن الصيادين مازالوا متعلقين بأحلامهم في الحصول على نصيبهم من الكنز الثمين الذي يلفظه حوت العنبر.
مسقط - تعيش في المياه العمانية الجنوبية الدافئة والغنية بالمصائد والتيارات البحرية التي يوفرها المحيط على مدار العام، عدة أنواع من الحيتان، وأشهر هذه الحيتان حوت العنبر، الذي سمّي كذلك نظرا إلى المادة التي تستخرج من أحشائه وتستخدم في صناعة الطيب والعلاج منذ أزمنة بعيدة.
ويعيش الصيادون في سلطنة عمان يحلمون بنصيبهم من عنبر الحوت لأنه مادة باهظة الثمن، حتى إذا حصل الصياد على شيء من هذا الكنز البحري فإنه ينسيه عناء الصيد بقية حياته.
والحصول على عنبر الحوت لا يعتمد على مهارة الصياد ولا على معرفة صيد حوت العنبر، غير أنه حاليا عندما يخرج حوت العنبر إلى الشاطئ يعيده الصيادون إلى المياه، لأنه حيوان نادر ومهدد بالانقراض كما كشفت ذلك دراسة نشرها عالم البحار الفرنسي فرنسوا سارانو في مجلة لوبوان الفرنسية خلال الشهر الماضي والتي تفيد بأن حوت العنبر الضخم، الذي يبلغ طوله 20 مترا ووزنه 50 طنا، مهدد بالانقراض.
ويستخرج العنبر أيضا من مصادر نباتية، إذ تستخلص أنواع من المستحلبات الراتنجية (إفراز عضوي) من أشجار ونباتات في عدة دول، مثل الهند وإيران والسودان وكوريا ونيوزيلندا، وتستخدم في صناعة الصابون ومواد الوقاية ومرطبات الجسم والعطور.
ويصنّع العنبر من مركّبات كيميائية، لكن صيادي السلطنة كانوا ينتظرون فرصتهم للحصول على عنبر الحوت لأنه أشهر أنواع العنبر وأفخرها وأغلاها في السوق ومنه تستخلص مادة العنبر.
ويعود اكتشاف مادّة العنبر إلى بداية الألفية الأولى قبل الميلاد على يد الأفارقة، كما عرفه الصينيون في نفس الفترة وعزوه إلى أسطورة التنين لديهم، حيث ظنوا أن العنبر هو لعاب التنين، وفي القرن العاشر الميلادي أشار ابن حوقل في كتبه إلى أهمية العنبر وفوائده المتعددة.
وتمّ استخدام العنبر في روما والشرق الأدنى لغاية صنع العطور والأدوية، أمّا سكان قارة آسيا فقد استعملوه في الطبخ.
ومازالت كيفية خروج العنبر من أمعاء الحوت مثار جدل، فالبعض يعتقد أن سببه مرضي، نتيجة تجمد الشمع داخل الأمعاء، والبعض يقول إن حوت العنبر يتغذى على شجرة تسمى العنبر، وهذا ما يعتقده كثيرون، ومنهم سكان جزر فرسان السعودية في البحر الأحمر الذين اشتهروا منذ القدم بجمع العنبر والاتجار به.
ويرجح علماء البحار أن حوت العنبر يفرز مادة شمعية من أمعائه للتخلص من المادة السوداء في الحبار، وهو طعامه المفضل، ويدللون على ذلك بوجود قطع من هذه الرخويات القشرية داخل العنبر الذي يعثر عليه في بعض الأماكن.
والعنبر مادة لها خاصيات الشمع، رمادية اللون أو بيضاء أو صفراء أو سوداء، وكثيرا ما تجمع أكثر من لون، وأفضل العنبر تقليدياً وتجارياً الأشهب وهو يحتوي على مركب الأمبيرين الذي يستخدم كمثبت للعطور الغالية الثمن.
على مر العصور، كان أهل ظفار في سلطنة عُمان يجمعون العنبر من السواحل، وليس بالبحث عنه في أعماق البحر، فالعثور عليه دائما مصادفة، وذلك ما حصل مع البحار خالد بن سلطان السناني في أكتوبر من سنة 2016، الذي عثر مع رفيقيه خالد وراشد سلطان السناني على قطعة كبيرة من عنبر الحوت تزن 80 كغ وتبلغ قيمتها حوالي 3 ملايين دولار.
وقال خالد أثناء رحلتهم اليومية لصيد سمك التونة قبالة ساحل “القريات”، وهي منطقة في شمال شرق عمان، “شدتنا رائحة العنبر غير المرغوب فيها وتعتبر كريهة، وتعززت القناعة المسبقة لدينا بأن العنبر يصدر رائحة كريهة في بداية ظهوره، إلا أنه سرعان ما يتغير لاحقاً خلال يومين أو ثلاثة، ومن ثم سارعنا في العودة إلى الشاطئ في مشهد كنت أنتظره منذ صغري، ولم نصدق الأمر من شدة الفرح”.
وفي واقع الأمر، يعتبر السناني محظوظا جدا لرصده هذه المادة الثمينة على سطح الماء، ففي أكثر الأحيان يظهر العنبر على الشاطئ بعد ظاهرة المد والجزر، هذا الحظ ينتظره صيادو السلطنة وقد لا يأتي.
وللعنبر استخدامات متنوعة، بعضها بالتجربة والبعض نتيجة معتقدات ربما بنيت على معلومات غير دقيقة أو خرافات، فهو يستخدم لعلاج الصداع والتسمم ونزلات البرد وأوجاع الظهر والخدر والربو والشلل النصفي ولدغات الأفاعي والثعابين والعقارب، ويعتبره بعض المتطببين التقليديين مفيدا للمعدة والأمعاء والكبد والمثانة.
وفي ظفار، يستخدم العنبر لزيادة الوزن عند الأطفال، لا سيما أولئك الذين يعانون من الهزال، كما استخدم منذ القدم لعلاج انتفاخ البطن والتخمة.
وهناك من يخلط العنبر بالعسل اعتقادا بأنه ينفع في تقوية الجسم ويزيد قوة الذكورة، ويذكر تجار العنبر أنه غالبا ما يأتي إلهم زبائن يبحثون عن العنبر لعلاج أمراض مستعصية مثل السرطان.
وأشارت دراسات غذائية إلى أن إضافة العنبر إلى الزعفران يجعله مادة مقوية جنسيا، محذرة من أن تعاطيه بكثرة قد يؤدي إلى الإصابة بأعراض سلبية مثل الصداع والوهن والأرق، ويمكن أن يضر بالصحة إذا أضيف إلى الطعام بكميات كبيرة، دون معرفة المقدار المناسب.
ومازال العنبر من العطور الفاخرة، فضلا عن استعماله مثبتا للعطور، ولئن حلَّت الأصناف المستخلصة من النباتات والأشجار محل العنبر الحيواني، فالثابت أن بعض أبناء ظفار مازالوا ينقبون في السواحل بحثا عن هذه المادة الغريبة الغالية والخارجة من جوف الحيتان.
وفي السنوات الماضية، تراجعت كميات العنبر البحري الذي كان ولا يزال أغلى من الذهب ويتحدد سعره وبيعه بالغرام.
وفي صلالة يزنه التجار بريال ”ماريا تيريزا” الفضي، ويعادل سعر الريال الواحد نحو 60 ريالا (155.8 دولار) بالعملة الحالية.
ويعلق أحد التجار على ذلك بقوله، ”العنبر الحقيقي الذي يأتي من البحر أصبح نادرا، والموجود لدينا لا يتعدى بضعة غرامات”، مضيفا أن السوق الوحيدة لهذه المادة حاليا هي سوق دبي، بعدما كانت الهند في الماضي أكبر أسواق العنبر!!


www.deyaralnagab.com