السجاد العراقي يضيع في بلاده بين طيات نظيره الإيراني والتركي!!
09.11.2017
يتراجع بيع السجاد اليدوي العراقي في الأسواق العراقية، بعد أن أصبح الناس يفترشون بيوتهم بسجاد إيراني أو تركي تغريهم ألوانه الزاهية وموديلاته الحديثة وأسعاره الرخيصة. وساهمت أعمال العنف المنتشرة والقتال المستمر في كامل أنحاء البلاد في إهمال الصناعات اليدوية، لذلك بات وجود هذا النوع من المفروشات العراقية نادر الوجود في الأسواق، فلا أحد يسأل عن السجاد البابلي أو الفلكلوري، وإذا لم يتمّ تدارك هذا الموضوع بتشجيع التجار لعرض السجاد العراقي وشرائه من الحرفيين وتوفير الدّعم للعاملين فيه، فإن هذه الصناعة سيكون مصيرها الموت.
بابل (العراق)- يعاين حمد السلطاني المارة أمام متجره لبيع السجاد التقليدي العراقي الصنع، في ظل مرقد الإمام الحمزة بمحافظة بابل الأثرية وسط العراق، آملا في عودة الروح إلى هذه التجارة المهددة بالاندثار.
الزائر الوحيد الذي استقبله السلطاني (32 عاما) في هذا اليوم كان الشيخ حازم الحيالي، أحد زعماء العشائر. يقول الحيالي الذي يرتدي عباءة سوداء مطرزة بخيوط ذهبية ويضع شالا أخضر حول عنقه، إن السجاد الأجنبي المستورد لا يغني البتة عن السجاد التقليدي العراقي.
ويشير إلى أن السجاد الذي يغزو الأسواق المحلية منذ سنوات عدة، رخيص الثمن لكنه ذو نوعية رديئة. يضيف الحيالي أنه لا يمكن أن يتخيل لثانية واحدة أن يكون ديوانه، قاعة استقبال الضيوف التقليدية لدى زعماء العشائر، من دون سجاد طويل مستطيل الشكل ومزخرف بأشكال هندسية، سواء أكانت متعددة الألوان أم متدرجة في خليط بين العاجي والبني.
ويؤكد زعيم العشيرة قائلا “يمكننا الحكم على ديوان بجمالية سجاده”، مشيرا بيده التي يرتدي فيها خواتم بأحجار كريمة إلى السجاد المعلق على الجدران والممدد في أرض المتجر.
ويستذكر الحيالي بلحيته التي لم يتمكن الشيب بعد من إخفاء سوادها، كيف كانت “أمهاتنا وجداتنا يفرشن البيت” بهذا السجاد الطويل، بعضه على الأرض والبعض الآخر يعلق على الجدران على شكل مستطيل ناقص ضلع.
ويستخدم هذا النوع من السجاد أيضا لصنع سروج للإبل بجيوب كبيرة، وعادة ما يتم نسجه بأنامل نساء ماهرات من الأرياف، يطلق عليهن اسم “الحواكة”.
وترتبّ قطع السجّاد بواسطة آلة يدويّة تسمّى “السدّة” أو “الجومة”، وهي عبارة عن 4 أوتاد من الخشب تدقّ وتثبت في الأرض بإحكام، وتربط بالحبال لتبدأ عمليّة النسج بواسطة مشط تمسك أسنانه، حيث تتحلى النساء بقدرة أكبر من الرجال على الصبر والتحمل والإحساس بالجمال في نسج السجاد.
يقول السلطاني الذي ورث تجارة السجاد عن والده، “إن بعض قطع السجاد قد قل بيعها اليوم، أو تستخدم للديكور فقط”. من جهة ثانية، يتحدث مهدي صاحب البالغ 70 عاما والذي يمتهن هذه التجارة منذ نصف قرن، بإسهاب عن السجاد وأنواعه.
ويستخدم صاحب خلال حديثه مصطلحات قديمة بعيدة عن فهم الجيل الحالي من الشباب، مكررا أوصافا تركية للأشكال والألوان كانت شائعة في البلاد إبان الاحتلال العثماني. ويستذكر صاحب الوجه الأسمر بجلابيته التقليدية داخل منزله الصغير في أحد الأزقة الواقعة في منطقة زراعية “سابقا كان الأجانب يأتون إلينا ليطلبوا السجاد”.
ويشير التجار في المنطقة إلى أنها كانت تزدحم بالمشترين من السعودية والكويت وأوروبا. يقول المسؤول السابق في دائرة الآثار العراقية فلاح الجباوي “نقصد بـ’سابقا’، أي قبل الغزو الأميركي” للعراق في العام 2003.
ويضيف أنه في تلك الحقبة “كانت تأتي يوميا نحو عشرين مجموعة من السياح لزيارة المواقع الأثرية” في بابل والمناطق المحيطة. وتحولت تلك المواقع الأثرية العراقية اليوم إلى مناطق مهجورة تماما وخالية من السياح، نتيجة أعوام من النزاع وعدم الاستقرار.
ويتحسر صاحب، الذي أفنى حياته في العمل على نماذج وتصاميم من حضارات مختلفة مرت على المنطقة، قائلا “الآن لا يوجد إلا العراقيون”. لا تنتهي أشكال السجاد وتصاميم السجاد، من الدوائر إلى المربعات، برسوم حيوانات أو زهور، تعود إلى العهد البابلي والهيمنة الآشورية، فيما تشير تصاميم أخرى إلى نجمة داود أو الصلبان، وأخرى ما زالت مستخدمة حتى الآن في مساجد، تسمى بالطراز الإسلامي.
الحال نفسها في المنازل، إذ تحتفظ أعداد كبيرة من الأسر العراقية بسجاد ورثته عن أهلها، كما أن العديد من المسؤولين الحكوميين خصصوا صالات للضيوف مزينة بسجاد عراقي تقليدي. تضاف إلى ذلك الفنادق الكبيرة في بغداد بصالاتها المفروشة بسجاد عراقي تقليدي المماثلة لمضافات زعماء العشائر.
لكن أكثر ما يبحث عنه الزبائن اليوم في العراق هو السجاد الصناعي بألوانه الزاهية، والذي غالبا ما يكون مستوردا من تركيا وإيران وسوريا. يؤكد السلطاني أن أسعار هذه الأنواع أقل من نصف سعر السجاد العراقي التقليدي، مشيرا إلى أن النساء اليوم يشترين سجادا جديدا ويرمين القديم.
ويضيف أنه في الماضي “كان بالإمكان شراء سجادة ثم بيعها بعد سنوات أو استبدالها بأخرى”، لافتا إلى أن بعض السجاد في متجره عمره أكثر من نصف قرن وحصل عليه من بعض العائلات.
ويوضح السلطاني أنه بات مستعدا اليوم لبيع أي منها بـ25 ألف دينار (عشرون دولارا)، بعدما كان يبيع أيا منها وبكل سهولة بـ125 ألف دينار (100 دولار) قبل بضع سنوات.
لم تعد الحرف اليدوية اليوم مصدرا للعيش، ففي حي صاحب ذي الطرقات الترابية المحفورة، حيث تعيش نحو ثلاثين إلى أربعين عائلة امتهنت حياكة السجاد كمصدر عيش، تعيش قلة قليلة منها على مردود لا يتخطى مئة دولار شهريا.
ورغم أن صناعة السجاد اليدوي والحرف التقليدية الأخرى مصدر للفخر باعتبار أنها من تراث أرض العراق، إلا أنها صارت مهملة، كما يؤكد صاحب قائلا “لا الدولة ولا القطاع الخاص يدعم النساجين”.
www.deyaralnagab.com
|