طريق الفلفل في القيروان أحمر قان!!
06.11.2017
يعرف الشعب التونسي أنه من أكثر الشعوب استهلاكا للوجبة الحارة، لذلك اهتم بزراعة الفلفل بأنواعه وجعل منه بهارا ضروريا في مطبخه، فجففه وطحنه وجعل منه معجون هريسة يستعمله في كل الأكلات والسندويتشات، واشتهرت المنطقة الفلاحية في محافظة القيروان بالفلفل.
القيروان (تونس)- على امتداد البصر تنتشر العشرات من النساء وسط الحقل الأخضر بمنطقة “بوحجلة” في محافظة القيروان (وسط)، يلتقطن حبات الفلفل الأحمر القاني، ويلقينها في أكياس صغيرة بين أيديهن. وعندما يمتلئ الكيس بالفلفل تحمله هؤلاء النسوة ويتوجّهن بخطى متثاقلة تنوء بحملهن نحو نقطة تجميع المحصول في طرف الحقل.
تنتج الأراضي الخصبة لمحافظة القيروان (وسط) أنواعا من الغلال والخضراوات، غير أنّ الفلفل اكتسح صدارة الترتيب، وخصوصا الفلفل الأحمر الذي أضحى مركزا تدور حوله العديد من الأنشطة الزراعية والتجارية والتصنيعية وحتى الصناعات التقليدية. وتتوزع أكبر مساحات إنتاج الفلفل الأحمر وأشهرها في منطقة “بوحجلة” الواقعة على بعد 30 كلم جنوب المحافظة.
وبحلول الخريف من كلّ عام، تحتفي “بوحجلة” على طريقتها الخاصة بالفلفل الأحمر، حيث تقيم مهرجانا لـ”فيلم الأنثروبولوجيا”، نظرا للبعد الثقافي للفلفل والمتصل بالعادات والتقاليد، منها عادة “العولة” (ادّخار مواد غذائية تُعدّ في البيت)، عبر تجفيف الفلفل وحفظه بطريقة تقليدية طبيعية، واستعمال منتوج الفلفل لتحضير أطباق متنوعة من المطبخ التونسي المعروف بنكهته الحارة.
أما عملية قطف حبات الفلفل، فتبدأ مع شروق الشمس وتنتهي عصرا، غير أنّ يوم العمل بالنسبة للنساء يبدأ قبل ذلك بكثير، وتحديدا منذ الفجر، حيث يجهزن أطفالهن لإرسالهم إلى مدارسهم، ثم يغادرن المنازل على متن شاحنات صغيرة تقل الواحدة منها العشرات من النساء دفعة واحدة، بينهن فتيات وعجائز وأحيانا بعض الرجال.
وتقضي النساء يومهن منحنيات الظهور، في حركة شبه آلية لا تعرف الفتور، وهن يقطفن حبات الفلفل، ويجمّعنها في أكياس.
ورغم جهودهن، إلا أن يوم عملهن الشاق ينتهي بحصولهن على أجرة ضعيفة لا تتجاوز الـ10 دنانير (ما يعادل نحو 4 دولارات). ومع ذلك، تشكّل تلك الأموال القليلة دخلا يؤمّن لهن بعض احتياجات أسرهن، كما قالت بعضهن.
بنظرات لا تعرف الكلل، يتابع سالم الرمضاني، صاحب الحقل، حركة النساء وهن يجمعن الفلفل، كما يحرص على توزيعهن إلى مجموعات بين خطوط شجيرات الفلفل. وتحدّث الرمضاني عن اهتمام المزارعين بقطاع الفلفل، وتعويلهم على هذا النشاط الذي يعطي إنتاجا وافرا ويشغّل عددا كبيرا من اليد العاملة.
ولفت إلى أنه يخصّص كامل أرضه البالغة مساحتها 8 هكتارات لزراعة الفلفل الأحمر. وتابع “نزرع مساحات كبيرة والإنتاج وافر، لكن هناك صعوبات كبيرة يواجهها المزارع، منها صعوبات مناخية وأخرى متصلة بأسعار الترويج في ظل طفرة الكميات في زمن قصير”.
وأشار إلى أن المزارعين يقومون بتوجيه الإنتاج نحو مصانع التحويل المتمركزة أساسا في محافظة نابل (شمال شرق)، بينما لا يوجد سوى عدد قليل من هذه المصانع في القيروان.
ولا توجد في منطقة بوحجلة المنتجة للفلفل أي مصانع تحويلية، فيقود الإكتفاء ببيع المنتوج إلى تراجع الأسعار وبالتالي تراجع أرقام معاملات وأرباح المزارعين، وهو ما نجمت عنه في مرحلة موالية احتجاجات واسعة بهذا الشأن.
ووفق الرمضاني تصل كلفة الكيلوغرام الواحد من الفلفل إلى نصف دينار (0.24 دولار)، وتتضمّن مصاريف الماء والكهرباء المستخدم لتشغيل مضخات الآبار، إضافة إلى البذور والأدوية واليد العاملة والنقل.
أما في نقاط تجميع الفلفل فيتم بيع الكيلوغرام الواحد منه بأقل قليلا مما ذكر، دون أن يحدد المزارع رقما دقيقا في ذلك، لأنه غالبا ما لا يخضع السعر النهائي لقاعدة محددة.
وعلاوة على ما تقدّم، لفت الرمضاني إلى وجود صعوبات أخرى تتعلّق بالكوارث الطبيعية، والتي في حال وقوعها، فإن المزارع يفقد محصوله دون الحصول على دعم وتعويض حكوميين.
ودعا الرمضاني وزارة الزراعة ببلاده إلى تخصيص اعتمادات مالية للدعم والتعويض، في حال وقوع أضرار ناجمة عن التقلبات المناخية، مشدّدا على أنه وبقية المزارعين غالبا ما “يسارعون” إلى جمع الصابة قبل نزول الأمطار.
على طول الطريق الرابطة بين مدينة القيروان ومنطقة بوحجلة، تتراءى عناقيد الفلفل مثل عقود اللؤلؤ، متدلّية على واجهات المحلات التجارية والمنازل، لتستقطب اهتمام المسافرين، في لوحة تترجم اهتمام سكان المنطقة بهذه الزراعة.
فهناك يتّخذ الفلفل الأحمر أشكالا مختلفة تلبّي مختلف الأذواق؛ حيث يعرض للبيع أحمر طريا أو مجفّفا تحت أشعة الشمس، أو مطحونا في أكياس وعلب. وتبرع نساء بوحجلة في هذا النشاط الذي تحوّل من بعده المنزلي الضيق ليكتسي طابعا اقتصاديا واسعا، وفق تقدير السيدة جميلة التي تنتقي حبات الفلفل الطري، تمهيدا لتنظيفها وتجفيفها ثم رحيها.
وتتنوع أصناف معالجة الفلفل بين تحويله بطريقة تقليدية إلى معجون “الهريسة” الشهير في تونس، حيث تضاف إلى دقيق الفلفل البهارات وزيت الزيتون، أو رحيه جافا ويوضع في علب وأكياس.
ويتم عرض المنتجات التقليدية للبيع على رصيف الطريق الرابطة بين القيروان ومدن الجنوب التونسي، حيث يعرض التجار وحتى السكان منتوجهم في نقاط بيع متلاصقة، وسط إقبال واسع من طرف المسافرين الذين باتوا يقصدون تلك الطريق خصيصا لابتياع الفلفل الأحمر بكافة أشكاله.
تقدّر المساحة الجملية لزراعة الفلفل بالقيروان وحدها بـ6 آلاف هكتار، من مجموع 20 ألف هكتار مخصصة للخضروات بالمحافظة، وفق عبدالجليل العفلي المندوب المحلي للتنمية الزراعية بالمحافظة (حكومي).
وبخصوص ارتفاع أسعار الفلفل بالأسواق المحلية، أرجع العفلي السبب إلى كثرة الوسطاء وعدم نقل المنتوج مباشرة إلى الأسواق، ما خلق نوعا من المضاربة والاحتكار بسبب توجيه الفلفل الأحمر، حصريا، للتصنيع.
من جانبه، اعتبر المولدي الرمضاني، رئيس فرع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بالقيروان أنّه “يتم تصنيع كميات كبيرة من معلّبات هريسة الفلفل وتصديرها إلى العديد من البلدان الأوروبية والآسيوية”. كما رأى أنّ “طفرة إنتاج الفلفل في فترة قصيرة تضع المزارع بين رحمة الوسيط والصناعيين، ما يؤدي إلى انخفاض السعر”.
وتوجد وحدات صناعية صغيرة لتحويل الفلفل وتعليبه، غير أنّ طاقة استيعابها تظل محدودة مقارنة بكميات الإنتاج، ما يدفع المزارعين إلى نقل منتوجهم إلى محافظات أخرى.
ولفت الرمضاني إلى أنّ “المجال مفتوح للاستثمار الصناعي بمحافظة القيروان، لمضاعفة طاقة التصنيع وتوفير مواطن شغل إضافية”. وبخصوص تعويض الخسائر الناجمة عن العوامل الطبيعية، قال مندوب التنمية الزراعية بالقيروان، إن وزارة الزراعة لا تقدم تعويضا.
وأضاف أنها دعت المزارعين إلى تأمين حقولهم قبل أن تقدّم مقترحا في موازنة 2018 لإنشاء صندوق لمواجهة الأضرار الناجمة عن العوامل والكوارث الطبيعية، تموّله الصادرات الزراعية للبلاد!!
www.deyaralnagab.com
|