العنب المصري كخدود البنات تغنت بجماله شادية!!
25.10.2017
•في تاريخ المصريين، لم تحظ فاكهة بمصر بتقدير وتكريم كاللذين حظي بهما العنب (الكروم) بمختلف أنواعه، حيث اختصوه بالكثير من أغنياتهم وزرعوه في كل مكان، وحتى أمام البيوت كبديل عن أشجار الزينة، كما برع أدباؤهم في وصفه وتصويره كرمز للثراء والجمال.
كتب محمد عبدالهادي.. تتنوع أصناف الكروم في مصر ما بين الأبيض والأسود والأحمر والأصفر، وكل حَبّة تُعرف بخصائصها فتأخذ طريقها إلى فم آكليها، فالأصفر لن يغادر الحدود، بينما الأبيض والأحمر سيلتهمهما الأوروبيون، وهناك جزء آخر سوف يشق طريقه شرقا متجها إلى الصين (للمرة الأولى).
وتتوزع في خطوط طويلة منتظمة، أشجار الكروم في الحقول والمزارع المصرية، أفرعها مثبتة على أسلاك وزوايا حديدية ترفعها عن الأرض لتمنحها رؤية ضوء الشمس حتى يحل موعد حصاد القطوف، والذي يتباين وفقا لأنواعها، ثم توضع في صناديق بلاستيكية تأخذ طريقها لكل من أراد تذوق حلاوتها في محطتها النهائية.
ويعتبر العنب من أقدم أصناف الفاكهة الأجنبية التي دخلت مصر، إذ يوجد بها أكثر من 3 آلاف صنف منه أصولها أوروبية وتختلف باختلاف حجم الحَبّة ولونها وشكلها الخارجي وطول العنقود وحجمه وطبيعة توزيع حباته ومدى احتواء هذه الحبات على بذور، أما بالنسبة للأصناف المحلية فلا يوجد منها سوى ثلاثة أصناف فقط كانت تزرع قبل غزو الأصناف الأجنبية ولا تزال موجودة حتى الآن لكن على نطاق ضيق.
وقال محمد محمود مدير معهد بحوث البساتين التابع للمركز القومي للبحوث بالقاهرة، إن معظم الكروم الموجودة بمصر من أصول مستوردة، لكن هذا لا يمنع من وجود أصناف محلية جيدة مثل “ثدي العنزة” و”الفيومي” و”مطروح الأبيض والأحمر”، لكن إنتاجيتها أقل من المستورد، كما أنها لا تلقى ذات القبول من الجمهور ما دفع المزارعين إلى هجرها.
يفضل المصريون دائما العنب الأصفر صغير الحجم (الذي يسمونه “البناتي”)، إذ يعتبرونه أفضل عنب يوضع فوق المائدة، ومع ذلك فإن هذا النوع لا يلقى ذات القبول عند الأجانب، خصوصا في الاتحاد الأوروبي حيث يفضلون عليه أكثر الأعناب البيضاء ذات العنقود المتوسط والحب الكبير إلى جانب الأصناف الحمراء والسوداء الخالية من البذور.
وأوضح محمود لـ”العرب” أن مركز البحوث الزراعية في مصر واتحاد مصدري الحاصلات الزراعية يتولان حاليا مهمة تجميع الحقول الصغيرة التي لا تتجاوز فدانين فأكثر في مزرعة تعاونية، بحيث يتم توجيهها لاشتراطات التصدير للخارج، وبدأت التجربة بمشاركة الجمعية الإنجيلية في المنيا (بجنوب مصر).
وقررت الصين أخيرا فتح أسواقها أمام العنب المصري الذي يعتبر (حسب أرقام وزارة الزراعة المصرية) ثاني أكبر محاصيل الفاكهة إنتاجا بمصر بعد الموالح، ويستحوذ على 20 بالمئة من إجمالي المساحة المزروعة بالفاكهة والبساتين.
ويرى محمود أن أهمية هذا القرار تنبع من الاشتراطات الصعبة التي تطلبها الصين، إذ أنها خالية من ذبابة الفاكهة وتحرص بشدة على عدم دخولها إليها مع أي حاصلات زراعية، وقام مسؤولوها بزيارة المزارع المصرية التي ستصدر إليها للتأكد من خلوها جميعا من أي أمراض، وبالتالي فالقرار قد يفتح شهية دول أخرى للاستيراد من مصر.
لكن فرحة المزارعين المصريين لم تكتمل بعد أن عرفوا أن الصين قصرت وارداتها على 15 مزرعة فقط هي التي ثبتت مراعاتها الاشتراطات المطلوبة، والتي تتعلق بنمط الأسمدة ومتبقيات المبيدات بالثمرة، وهي اشتراطات غير متوافرة في معظم المحافظات التي تزرع العنب خصوصا في دلتا نهر النيل التي يأتي محصولها دائما متأخرا في النضوج، إذ يبدأ إنتاجها في أغسطس.
وأكد عبدالحميد الدمرداش رئيس المجلس التصديري للحاصلات البستانية، أن العنب في مصر ينضج في أوقات متباينة وفقا لنوعه، لكن ذروة الموسم تكون خلال الفترة من منتصف مايو وحتى منتصف يوليو، وهي الفترة الصالحة للتصدير إلى السوق الأوروبية التي تبدأ أعنابها في النضوج خلال النصف الثاني من يوليو.
ويُسمح بموجب اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية بدخول العنب المصري إلى دول الاتحاد الأوروبي دون فرض رسوم جمركية أو ضرائب خلال الفترة من آخر مايو حتى نصف يوليو من كل عام، وذلك لخلو الأسواق الأوروبية من العنب في تلك الفترة، وهي تشترط أوزانا معينة للعنقود واللون ومتبقيات المبيدات الحشرية.
ويعاني مزارعو العنب من انخفاض العائد على زراعته، إذ تترك الحكومة عملية الشراء في يد التجار الذين يشترون المحاصيل بأسعار مخفضة لا تكاد تغطي تكلفة المحصول، ما دفع الكثير من مزارعي دلتا نهر النيل إلى التوقف عن زراعته لصالح محاصيل الحبوب.
وأضاف الدمرداش لـ”العرب” أن أذواق الدول هي التي تحدد نوعية المحاصيل التي تستوردها، فالصين ستستورد نوعية “ريد غلوب”، وهي أعناب حمراء ذات بذور، موضحا أن بعض المستهلكين يفضلون الأعناب مرتفعة الحلاوة والبعض الآخر يفضل النوعيات ذات الحموضة الأعلى.
وتقدر وزارة الزراعة كمية العنب المصري المصدرة سنويا بنحو 110 آلاف طن، وتأتي بريطانيا في المرتبة الأولى في استيراد العنب المصري بنسبة تصل إلى 24 بالمئة من إجمالي ما يتم تصديره، مقابل 18 بالمئة لصالح هولندا، و12 بالمئة لروسيا، و8 بالمئة لألمانيا، و7 بالمئة للسعودية.
قال حسين حناوي رئيس المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، إن تعويم الجنيه وانخفاض العملة المحلية ساهما في زيادة صادرات مصر من الفاكهة، وإن مصر تتسم بتنوع محاصيلها من العنب، إذ تصل أنواعها لقرابة ثلاثة آلاف صنف من أصل عشرة آلاف موجودة بالعالم، جميعها لها أسماء أجنبية لا يعرفها أغلب المستهلكين الذين يكتفون بالتمييز بينها وفقا لمعالمها الشكلية فقط، والتي لا تتعدى ما إذا كان شكل العنقود مخروطيا أو مفرودا، علاوة على لون الحبة وشكلها.
وتعتبر التربة الصفراء هي الأجود لزراعة العنب لذا تكثر زراعته في المناطق المستصلحة بمصر بجانب محاصيل المانغو، لكن عدم مراعاة اشتراطات درجة الحرارة في زراعة الأشجار يُعرّض أعنابها للون البني بسبب حرارة الشمس.
وأشار حناوي لـ”العرب” إلى أن درجة الحرارة عامل رئيسي في عملية إنضاج العنب، ويحب توزيع شجيراته عند الزراعة وفقا لدرجة الحرارة، وعادة ما تُفضل زراعته من الشمال إلى الجنوب حتى تتعرض الثمار للشمس لأكبر فترة ممكنة أثناء النهار لتبكير نضج الثمار وتحسين صفاتها بالمناطق المعتدلة، أما في المناطق التي تشتد بها الحرارة صيفا فيفضل أن يكون الاتجاه من الشرق للغرب، حتى يمكن تظليل الثمار لمنع تعرضها لحرارة الشمس.
كما تجب مراعاة أن تكون خطوط الأشجار في اتجاه مواز للجهة التي تهب فيها الرياح، حتى تمر الريح بين صفوف الأشجار ولا تضربها، علاوة على تنظيف أسفلها من الحشائش لمنع إصابة المحصول بالحشرات والأمراض.
توجد للكروم سوق رائجة بين المطربين والفنانين، حيث استقطب ذلك المحصول الصيفي شهية مطربين كبار للغناء عنه على شاكلة “يا عنب بلدنا” لشادية، و”على بيّاعين العنب” (على بائعي العنب) التي غناها كل من محمد رشدي وسلوى العاص وفاطمة عيد وليلى حسين وماهر العطار، و”ورق العنب” لشريفة فاضل، و”يا لعنب الله يبارك” لمطربات فريق الثلاثي المرح.
كما اهتمت الأعمال السينمائية المصرية بالعنب أيضا، حتى أن بعضها حمل اسمه، مثل فيلم “العنب المر” لأحمد مظهر، بجانب “أصدقاء الشياطين” بطولة فريد شوقي والذي بدأت أحداثه بأغنية عن العنب، و”بيت العز” لزكي رستم والذي كانت أغنية فايزة أحمد عن شجرة العنب أشهر من الفيلم ذاته، وأخيرا فيلم “ليلة من عمري” لعماد حمدي والذي تم تصوير أغلب مشاهده في مزرعة للعنب قرب الإسكندرية (شمال مصر).
ويُرجع صُناع السينما هذا الاهتمام إلى أهمية الأعناب لكونها أكثر الفاكهة ارتباطا في الوجدان بالعالم الآخر ودخول الجنة وفوائدها الصحية المتعددة، علاوة على ارتباطها بطقوس في الحصاد شبيهة بحصاد القطن من حيث احتياجه لأعداد كبيرة للحصاد والتعبئة، كما أن الفلاحين كانوا ولا يزالون يعتمدون على عائد بيعه في تجهيز العرائس وشراء مستلزمات الزواج كالقطن تماما، ما جعل الفن يركز عليه مثله مثل القطن تماما.
ويساهم العنب في علاج العشرات من الأمراض، كالربو والصداع النصفي والإمساك وعُسر الهضم وتهيج المعدة، كما أنه يساعد في خفض فرص الإصابة بالأزمات القلبية واضطرابات الكلى والوقاية من سرطان الثدي وسرطان القولون والمستقيم.
عرف قدماء المصريين زراعة العنب، وإن كانوا قد اهتموا أكثر بتوثيق مراحل تحويله من فاكهة إلى نبيذ بالمقابر، خصوصا مقبرة “بتاح حُتُب” بجانب مقبرتين من عهد الأسر الخامسة والسادسة والثانية عشرة والتي رصدت مراحل تطور صناعة الخمور والبيرة على حد السواء.
وقال الباحث الأثري أحمد صالح إن المصريين من أقدم الشعوب التي عرفت زراعة العنب وتقدموا في صناعة الخمور التي كانت تُجمَع من حقول مناطق وسط مصر حاليا، ويتم عصرها بالدهس بالأرجل، ثم وضع الخميرة على عصيرها وتركها في أوان مثقوبة من الأعلى عدة أيام لتتخمر.
وكان الخمر يقدم للضيوف في أباريق كبيرة تنتهي بطرف رفيع ومصفاة تُمسك باليد لتصفية الشراب، وعندما كان أحد المدعوين يفرط بالشراب كان الخدم يضعونه على سرير بزاوية الغرفة حتى يستعيد وعيه مرة أخرى.
وأضاف لـ”العرب” أن أفخم أنواع الخمور وأغلاها كانت من كروم منطقة “الواحات” غربي مصر، موضحا أن كل إبريق من الخمر كان يُكتب عليه اسم المنطقة التي تم جلب الكروم منها واسم مُصنعيها ووقت صناعتها حتى يعرف مستهلكوها مدى جودتها.
وظلت الصناعة الفرعونية للخمور على نفس طريقتها حتى دخول الرومان إلى مصر، الذين أدخلوا تطورات عليها في ما يتعلق بطرق التصنيع، حيث صنعوا البيرة أيضا بطرق لا تزال متبعة حتى الآن في الكثير من المصانع التقليدية بالخارج بتخمير رقائق الشعير.
واختفت صناعة الخمور المحلية بعد دخول الإسلام لمصر، لكنها عادت مع الاحتلال البريطاني، ثم اختفت مجددا بعد ثورة يوليو، ومنذ عام 2000 بدأ مصنعان محليان مملوكان لمستثمرين أجانب إنتاج نبيذ العنب باسم “كروم النيل” و“جناكليس” لخدمة القطاع السياحي بعد ارتفاع الرسوم الجمركية على النبيذ المستورد بنسبة 3000 بالمئة.
*المصدر: العرب
www.deyaralnagab.com
|