logo
1 2 3 41134
موجة الحر في العراق.. أغسطس اللاهب يصل في يونيو!!
28.06.2017

قدر العراقيين حرارة الصيف اللاهبة التي بدأت مبكرا هذا العام، وإذا كان ميسورو الحال قادرين على الاحتماء منها بمكيفاتهم ومبرداتهم، فإن عامة الناس يتحايلون على ابتكار وسائل تحميهم من الحرارة المتواصلة في الليل والنهار، وإذا كان الصيف يزعج الجميع فإن تجار الثلج والماء والعصائر يستقبلونه بفرح، فكلما ارتفعت درجة الحرارة ازدهرت تجارتهم.
بغداد- مع حلول فصل الصيف في كل عام، يميل العراقيون إلى اللهاث خلف أخبار هيئة الأنواء الجوية في ظل أزمة الكهرباء التي غالبا ما تتحالف مع الحر الشديد وتزيد من ارتفاع درجاته الخانقة قبل أن يصل يوليو الذي “ينشف الماي بالكوز” وأغسطس اللاهب الذي يحرق المسمار بالباب.
وتوقعت هيئة الأنواء الجوية والرصد الزلزالي، أن “طقس الأربعاء سيكون في المناطق كافة صحوا وحارا، ودرجات الحرارة مقاربة في المنطقتين الشمالية والوسطى وترتفع قليلا في المنطقة الجنوبية لتصل إلى 50 درجة في بعض أقسامها”.
وابتكر العراقيون جملة من الحلول لمواجهة موجة الحرارة تبدو غريبة لكنها تفي بالغرض، فلجأ أصحاب سيارات الأجرة إلى نصب مبردات هواء فوق سياراتهم حتى لا تتقطع سبل رزقهم ولا يهجرهم زبائنهم.
ومن الشباب العاطلين عن العمل من نصب دوش حمام في الشارع يغتسل فيه المواطنون لقاء أجر زهيد، يقول راضي إن مشروعه البسيط انطلق عندما دفع له شخص إكرامية بـ500 دينار لقاء اغتساله في الدوش، لكنه لا يحدد سعرا معينا، فكل يعطي في حدود إمكانياته.
شاب آخر ابتدع فكرة المسبح المفتوح وهو عبارة عن مجموعة من المسابح البلاستيكية نصبها في إحدى الساحات وجهزها بالمياه العميقة، وخصصها للهو الأطفال لقاء ألف دينار لساعتين من اللعب والسباحة، وهي فكرة أحبها الأطفال كما نالت استحسان الأولياء الذين أثنوا على نظافتها وتعقيمها.
وحتى لا تتعطل الحركة في أسواق بغداد من شدة الحر، لجأ بعض التجار إلى تركيب مراوح تبث رذاذ الماء لتخفيف وطأة الحر على المارة ومنحهم بعض الانتعاش ليواصلوا تسوقهم.
وللعراقيين وسائل وطرق تقليدية لتخفيف وطأة الحر من خلال تبريد الماء واعتماد “الحب” وهو عبارة عن آنية من الفخار مخروطية الشكل مصنوعة من الطين، ولا تزال بعض العائلات الفقيرة تستخدمه بعد أن أعلن الثلج عن ارتفاع أسعاره وسط الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي.
ويستخدم العراقيون الأواني الفخارية التي تحافظ على برودة الماء فيها، إذ لا فائدة من وجود مبردات الماء والثلاجات في ظل انقطاع التيار الكهربائي. كما صاروا يمتنعون عن الخروج من البيت هربا من الحرارة. ومن أبرز وسائل مواجهة الحر سابقا استعمال المراوح اليدوية المصنوعة من سعف وخوص النخيل والتي كانت لا تخلو منها أيدي أصحاب المحال والباعة والأهالي وخاصة في وقت القيلولة.
ويتروّح التجار في المحال والدكاكين والسراديب بمروحة “السقف” التي تصنع من قطع القماش بعد ربطها بحبل يسحب بواسطة اليد. كما استعملوا ستائر العاكول المصنوعة من صفين من سعف النخيل.

واهتم العراقيون في معمارهم بالوسائل التي تقاوم الحر، يقول الباحث جبار عبدالله الجويبراوي “إن من وسائلهم الأخرى في مكافحة الحر، هي أن المعمار العراقي كان أول ما يبدأ به هو تعيين مواقع واتجاهات الرياح والشمس ليكون البيت بعيدا عن التعرض لمواجهة الشمس صيفا، وبعيدا عن سموم الرياح، حيث تحدد كل العوامل المناخية والفنية فيه، من ذلك جعل جدران البيت سميكة لكي لا تتأثر بأشعة الشمس المحرقة، ووضع الزجاج الملون الغامق على الشبابيك بغية تخفيف حدة الحرارة وجعل سقوف الغرف عالية حتى لا تتسرب إليها أشعة الشمس”.
وتابع الجويبراوي “إن البنائين القدماء استخدموا الطابوق لمقاومة الحرارة، ولهذا نجد المساكن القديمة مكشوفة مما يساعد على دخول الهواء في أرجاء الدار، واستعملوا للظلال الشبابيك الخشبية ذات الزخرف التجميلي (الشناشيل)، كما أن الأسواق القديمة التي لا تزال ماثلة ليومنا هذا، كانت مبينة بنفس الأسلوب وتتميز بالتهوئة الجيدة التي راعى فيها البناء القديم عملية التهوئة الذاتية والتخفيف من شدة الشمس. وهذا هو سر إبداع المعمار العراقي حيث لا تزال تلك الأسواق تؤرخ لإبداع بنائيها وفطنتهم وذكائهم والتزامهم بالوسائل اللازمة لمقاومة الظروف الجوية المختلفة”.
مهن تنتعش
مصائب قوم عند قوم فوائد، هكذا تعبر العرب عن الذين يستفيدون من أزمات الآخرين، فمع بداية فصل الحرارة الذي انطلق مبكرا في العراق انتعشت مهن عديدة منها تجارة أحواض السباحة البلاستيكية التي ازداد الطلب عليها مع عطلة الأطفال كما سعرها، فقد ارتفع سعر الحوض متوسط الحجم من 5 آلاف إلى 7 آلاف، بينما وصل سعر الحوض الكبير إلى 15 ألف دينار في بعض المناطق الملتهبة.
بائعو الثلج هم أيضا يعيشون موسمهم خاصة في المناطق التي تشهد انقطاعا مستمرا للتيار الكهربائي، ويكسب العشرات من الشباب العاطلين عن العمل لقمة عيشهم من حرارة الصيف اللاهبة، حيث يشترون قوالب الثلج ويبيعونها للمواطنين في سيارات حمل وعربات تجوب الشوارع والأزقة في مختلف مدن البلاد.
ويجد آخرون في بيع الثلج فرصة لجمع المال، إذ يشتري بعضهم عربات حديدية تجرها الدراجات النارية، والتي بدأت تنتشر خلال السنوات القليلة في البلاد لسهولة حركتها وسط الزحام المروري، والتجول في الأزقة الضيقة التي يتعذر على سيارات الحمل الدخول فيها.
يقول أبوجاسم الذي يعمل في بيع الثلج صيفا “مهنة بيع الثلج ازدهرت في الآونة الأخيرة مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي، وبحث المواطنين عن بدائل لتبريد مياه الشرب التي لا غنى للجميع عنها في درجة حرارة شديدة”.
ويوضح أن “فرصة الصيف ثمينة بالنسبة للباحثين عن عمل، فتجارة بيع الثلج ازدهرت، فالمعامل تعمل بكل طاقتها ليلا ونهارا لتوفير احتياجات الناس من قوالب الثلج الضرورية جدا لتبريد مياه الشرب في المنازل”.
ولجأ أحمد عمر وهو صاحب بسطة خضار في السوق إلى استعمال رشاشات الماء بحثا عن البرودة في ظهيرة الصيف الحار، وقال “في العراق نخترع كل شيء”. وتزدهر في الصيف تجارة الماء البارد والمثلجات والمشروبات الغازية التي يقبل عليها العراقيون خاصة في الشارع لإطفاء عطشهم.
معاناة مستمرة
يعاني العراقيون من نقص دائم في الكهرباء وانقطاعه المتواصل منذ العشرات من السنين، إذ يحصل سكان بغداد على أقل من 10 ساعات من الكهرباء يوميا، مما يعني أن شبكة الكهرباء في البلاد لا يمكنها دعم أنظمة تكييف الهواء لكي يمكن الاعتماد عليها، كما أن انقطاع الكهرباء يتسبب في انقطاع المياه.
وتحذر وزارة الصحة المواطنين من مخاطر ارتفاع درجات الحرارة والتعرض بشكل مباشر لأشعة الشمس، وتنصح باللجوء إلى مناطق الظل وارتداء أغطية الرأس الواقية من أشعة الشمس للذين تتطلب أعمالهم التواجد في المناطق المكشوفة.
ويقول المواطن محمود إسماعيل “الآن نجتمع أنا وأولادي في غرفة واحدة بشكل منتظم وكأننا قطار، حيث لا يستطيع أحدنا حتى المشي ولا بد من القفز حتى نعبر، وهذا كله جراء وجود التبريد في مكان واحد”. أما محمد الرفيعي فيقول “بسبب الحر الشديد لم أستطع أن أنام ساعة واحدة، وفي الصباح ذهبت إلى عملي، ووقعت على ملفات مهمة بالغلط”، مبررا ذلك بالحرارة الشديدة وعدم وجود التبريد الكافي للنوم متهما السلطات المعنية بعدم الاهتمام بصحة المواطن.
وأضاف “شراء المولدات أرهقني فقد بت أقتطع من قوت عائلتي لأوفر مصاريف المولد، فحرارة الصيف شيء لا يمكن احتماله وبخاصة للأطفال”. وتقول الشابة مها “اشتريت العديد من المروحيات اليدوية ‘مهفة’، لأنها الوحيدة التي تستمر من دون توقف، فالمهفة تجلب البعض من الهواء المنعش”.
ويقول زهير الزيدي “اضطررت إلى عمل حوض كبير في المنزل من أجل التغلب على حرارة الصيف بسبب عدم وجود الإمكانيات لتشغيل أجهزة التكييف، وذلك لاعتماد أغلب المنازل على مولدات الطاقة الكهربائية الأهلية، والتي تعمل بشبكات توزيع غير نظامية، وذلك دفعنا إلى إيجاد وسيلة أخرى”. ويقول الأخصائيون إن ارتفاع درجات الحرارة يعرض الأشخاص للعديد من المشكلات من بينها فقدانهم الكثير من السوائل مما يؤدي إلى هبوط ضغط الدم.
وقال الدكتور عبدالخالق النعيمي أخصائي الأمراض القلبية إن “موسم الصيف بدرجات حرارته العالية يعرض الأشخاص للعديد من المشاكل، فالتعرض لدرجة الحرارة المرتفعة يؤذي الأشخاص كبار السن، فكلما تقدم عمر الإنسان قلت قابلية جسمه للتعامل مع الحرارة، وهناك عدد من الأمراض التي قد نتعرض لها بسبب ارتفاع درجة الحرارة تتمثل خاصة في ضربات الشمس”.
وأضاف النعيمي “يفقد الجسم الكثير من السوائل بسبب التعرض للحرارة الشديدة خلال فصل الصيف، مما يؤدي إلى هبوط ضغط الدم، فالجفاف الذي قد يحدث خلال فصل الصيف يؤدي إلى الإغماء والإجهاد، وفي بعض الأحيان قد تقل قدرة الجسم على التعرق.
والجدير بالذكر أن هناك بعض الأدوية تقلل من قدرة الجسم على التعرق مما قد يصيب الجسم بالأمراض، فدرجة الحرارة المرتفعة قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والإسهال المزمن وأمراض الرئة، لذلك ينصح بضرورة شرب لترين من الماء يوميا لتجنب الأضرار التي قد تحدث خلال فصل الصيف”.


www.deyaralnagab.com