الجبنة مشروب الليل والنهار في منطقة البحر الأحمر!!
22.05.2017
•مشروب “الجَبَنة” يتربع على رأس المشروبات التي يحرص على احتسائها أبناء قبائل مناطق وقرى البحر الأحمر طيلة أيام السنة وخلال شهر رمضان في الإفطار والسحور لاعتقادهم أنها ترويهم من العطش، كما تقدم كمشروب ساخن لضيوفهم في
القاهرة - الجَبَنَة، بفتح الجيم، مشروب رسمي للقبائل المنتشرة في مدن وقرى البحر الأحمر، قريب في مذاقه من القهوة، من الموروثات الراسخة في التكوين النفسي والوجداني للأجيال الجديدة.
من يتجول في المدن الممتدة على السواحل الشرقية لمصر، يلفت انتباهه توافد الأهالي من ذوي البشرة الداكنة على مقاه منتشرة على مسافات ليست متباعدة، لشرب الـجَبَنَة فلا تكتمل جلسات السمر واللقاءات والمصالحات القبلية من دونها.
المترددون على المقاهي لا يلقون بالا للوقت ولا يشعر بعضهم بالجوع، يسرقهم النهار ليدخل عليهم الليل وظلامه، يرتشفون بمزاج فنجان بعد آخر من الجَبَنَة وهو المشروب الوحيد الموجود بالمقهى.
أبوعامر صاحب مقهى لا تتعدى مساحته 7 أمتار مربعة يستوعب عددا محدودا من المفروشات الأرضية المصنوعة من البلاستيك، يقع أمام أحد الأسواق بقرية الزعفرانة بالبحر الأحمر، قال إن الـجَبَنَة ليست نوعا من منتجات الألبان، لكنها مشروب الضيافة المعتمد لدى أغلبية قبائل المناطق الحدودية.
المشروب له طقوس وتقاليد لا تغيب عن المجالس، تظهر بوضوح في دقة وضع الفناجين ولمعانها، ويتم تجهيزه من خلال التحميص اليدوي للبن الأحمر والأخضر، عن طريق وضعه داخل إناء من الخشب يسمى قلاية، وهناك أداة لطحن البن لها قضيب من الحديد.
لم يلجأ أبوعامر إلى الأجهزة العصرية من مواقد تعمل بالغاز، فهو يحمص الجَبَنَة ويعدها على جدار أسمنتي يطلق عليه في الصعيد “كانون”، حفر بداخله مكان بعمق 17 صم مرصوصة بداخله قطع من الفحم النباتي تتحول إلى جمرات ملتهبة بعد ربع ساعة من إشعلها.
تستغرق عملية التحميص بين دقيقتين و4 دقائق، حتى يتحول لون البن إلى اللون البني الغامق أو الأسود، حسب رغبة الزبون، ويضاف إلى البن نكهات مختلفة تتنوع بين أعواد القرنفل الصغيرة أو الهيل أو الزنجبيل المطحون.
بعد تجهيز الخلطة يضاف إليها قليل من السكر وتوضع مع الماء في براد كبير (إناء) على الموقد ومنه يتم ملء إبريق صغير لكل زبون يطلقون عليه أيضا الجَبَنَة وسعره يصل إلى 15 جنيهاً (نحو دولار)، ويكون مستديرا من الأسفل وله عنق مرتفعة رفيعة للاحتفاظ بالحرارة ويد معدنية مصنوعة من الصفيح، ثم يقدم المشروب في فناجين صغيرة مصنوعة من الخزف الصيني الملون.
نار الموقد لا تنطفئ طوال اليوم في المقهى إلا في نهار رمضان، لكن الأهالي يحرصون على أن يوقدوها قبل أذان المغرب وحتى أذان الفجر، لأن المترددين على المقهى يعتقدون أن المشروب يحمي الصائم من الشعور بالعطش في تلك المناطق ذات الطبيعة الصحراوية.
الأدوات المُستخدمة في صناعة المشروب لا تقتصر على المقاهي بل هي جزء أساسي من الأدوات المنزلية ومرافق دائم للأهالي عند الخروج لرعي الجمال أو التنقيب عن المعادن أو صيد الأسماك، ويحرص أهل الفتاة على اقتنائها لوضعها في جهاز العروس “فلا زواج من دون جَبَنَة”.
أوضح جاسم أبوسامي، أحد مواطني قرية واحة الحجاز على البحر الأحمر، أن الجَبَنَة مشروب تراثي له خصوصياته، وأحد عوامل تماسك النسيج المجتمعي، فجلساته مستمرة على مدار اليوم وتُعد فرصة طيبة للتلاقي والتصالح وتصفية النفوس المشحونة وحل المشكلات.
وأشار لـ”العرب” إلى أن المشروب لا يقتصر تقديمه فقط على المقاهي، فعندما تبدأ الشمس في الغروب يبدأ الرجال بالخروج أمام مساكنهم المبنية من طوب اللبن والقش والعروق الخشبية ثم ينصبون الحصر ويضعون أدوات الجَبَنَة على منقد (إناء مقعر من الحديد بداخله فحم نباتي).
تظل النار مشتعلة طوال الليل، وكلما خمدت تم إشعالها من جديد، فلا جلسات تحلو ولا سهر يمتد من دون جَبَنَة، والضيف لا يترك أي قهوة داخل الفنجان لأن ذلك يعد إهانة للمضيف، أما الضيف غير المرغوب فيه فلا يقدم له هذا المشروب.
طرق شرب الـجَبَنَة لدى الرجال متعددة أفضلها الجلوس على الأرض أو على مقاعد قطنية على الأرض مباشرة من دون قوائم، توضع على حصيرة بلاستيكية مزركشة باللون الأخضر غالبا.
وأشار أبوسامي إلى أن أهم ما يميز الـجَبَنَة طريقة شربها، حيث تتم تعبئة من 30 إلى 40 فنجانا بالسكر واستكمال ما مقداره رشفة واحدة وشربها دون إذابة السكر، ورشفة بعد أخرى حتى يفرغ إبريق الـجَبَنَة.
كل فرد من أهالي القرية يشرب نحو 39 فنجانا من الجَبَنَة يوميا وفق طقوس ترتبط بعادات وتقاليد وأساطير أيضا.
حكى إسماعيل الباغي (من القاهرة) تجربته الأولى مع هذا المشروب، وقال لـ”العرب” إن طعمها غريب، وعندما فرغ من فنجانه الأول، ووضعه أمامه ملأه أحدهم له مرة أخرى، وعندما انتهى منه ملأه له آخر مرة ثالثة.
وشعر بتغير في مزاجه، فرفض الفنجان الرابع وعندما سأل عن سبب ملء الأكواب بصفة مستمرة، قيل له “إن الضيف إذا اكتفى من الشرب ولم يقم بهز الفنجان عقب فراغه وقلبه على وجهه فهذا دليل على أنه بحاجة إلى المزيد”.
تناول شريف أبوسامر (شيخ قبيلة في قرية الزعفرانة) رشفة من قهوته ثم أشعل لفافة تبغ بتلذذ، وصرح لـ”العرب” بأن هناك مقاهي أساءت إلى هذا المشروب التراثي ودرجت على دس الخشخاش (نبات منشط ومخدر) في الجَبَنَة لجذب الزبائن.
وحذر من البطالة التي أجبرت الشباب على الإقبال على تلك المقاهي والجلوس فيها ليلا ونهارا لتضييع الوقت، وأعرب عن قلقه من أن يتحول الشباب إلى مدمنين.
كتبت شيرين الديداموني ..المصدر العرب
www.deyaralnagab.com
|