"المطيرجي" يفوز بسمعته في العراق!!
05.04.2017
تربية الحمام هواية قديمة في العراق تجتذب الكثير من العشاق وسط نظرة سلبية من المجتمع تجاه مربي الحمام أو كما يصطلح عليه باللغة الدارجة العراقية “المطيرجي”، وازدادت انتشارا بفعل الحروب التي ساهمت في ارتفاع نسبة البطالة، فاختار العديد من العراقيين هذه الهواية مهنة لهم يكسبون منها رزقهم، حتى أن النظرة إلى المطيرجي بدأت تتغير من قبل جيرانه الذين كانوا ينبذونه.
كتب فيصل عبدالحسن..يتحول الحلم بالطيران لدى الكثير من الأطفال والمراهقين وحتى كبار السن في الوطن العربي كما في العراق بالتدريج من حلم إلى واقع يبدأ باقتناء الطيور بشتى أنواعها وأصنافها.
ولا يرتبط عمر معين بممارسة هذه الهواية، فكل الأعمار مهيأة لهذا النوع من الحلم الذي يتحول بالتدريج لدى الكثير من العراقيين من هواية محببة إلى النفس إلى عمل يدر على صاحبه مالا يعيش وعائلته منه.
ومعظم الذين ربُّوا الطيور واعتنوا بها في العراق، ممن لم ينالوا قسطا وافرا من التعليم جعلوا هذه الهواية مهنتهم التي يعيشون منها عندما كبروا.
ولهؤلاء (المطيرجية) ــ كما يسميهم العراقيون ــ في بغداد أسواقهم المعروفة في (بغداد الجديدة) و(سوق الغزل) وسط بغداد و(الكرادة) و(الشعب) و( الشعلة) و(العبيدي) وغيرها. وفي هذه الأسواق تجد مختلف أنواع الطيور، طيور زينة بألوانها الزاهية وأصوات هديلها المميز، صقور وببغاوات ولقالق، وحمام زاجل، وبلابل، وغيرها.
مقداد حسين (35 عاما) أحد مربي الطيور يقول "كنت أحبُّ الطيور منذ الطفولة، وانتقل لي هذا الحبُّ من خلال تربية أخي الكبير جاسم للطيور فوق سطح بيتنا، بمختلف أنواعها، المسكي والمدنفش واللأورفلي وغيرها. وكنت أراه يمضي الساعات، وهو يراها تحلق في السماء على شكل مجموعات، وهي تحطُّ بعد أن تتعب في الخُمِّ. ولكن نظرة المجتمع المُحتقرة للمطيرجي في تلك الفترة، وعدم قبول شهادته في المحاكم، والإدانة من قبل الجيران للذي يربي الطيور جعلتني أبتعد عما أحببته في طفولتي، ولكن الآن اختلفت الأمور، فلم تعد المحاكم ترفض شهادات المطيرجية كما في السابق، وصار الناس يهتمون بشؤونهم فقط وصاروا أكثر تفهما لحاجة الإنسان إلى العمل في الظروف الراهنة، حتى لو كانت تربية الطيور وبيعها، لسد حاجة الحياة".
ويضيف حسين بأسى وهو ينظر إلى حمامة زاجلة في قفصها “شاءت الأقدار أن أفقد قدمي في تفجير إرهابي في بغداد الجديدة قبل ستة أعوام، وحالما تماثلت للشفاء لم أستطع الاستمرار في عملي كعامل بناء وأنا بقدم مقطوعة، لذلك عدت إلى هواية الطفولة؛ تربية الطيور”.
ويقول “استثمرت رأسمال صغيرا في تربية الطيور وبيعها. وبالفعل استطعت أن أوفر لعائلتي موردا ماليا مهما خلال فترة قصيرة جعلنا نواصل الحياة”.
طيور الحب
الكثير من الشباب يتجولون في سوق الطيور، أحدهم كان يبحث عن إناث طيور الحبِّ، فمحمود (22 عاما) يربي في قفصه أربعة طيور منذ سنة، وظنها في البداية إناثا وذكورا، لكن اتضح له في ما بعد أنَّ الطيور الأربعة ذكور.
يقول ضاحكا "كانت في الصباح بدلا من أن تطلق زقزقة لطيفة تؤنسني، أراها كئيبة وغير نشيطة ولا تأكل كثيرا، ويبقى (حب الدخن) الذي أضعه لها فترة طويلة دون أن تأكله، فاستشرت صديقا لديه خبرة بطيور الحبِّ، فطلب مني أن يراها وحين رآها في القفص ضحك من قلة خبرتي وقال طيورك جميعها من الذكور، وعليك أن تشتري لها إناثا لتتم سعادتها وتواصل حياتها الطبيعية".
ويضيف محمود “المشكلة التي واجهتني في السوق أن سعر أنثى طيور الحبِّ ارتفع فجأة وصار يفوق سعر الذكر بمرتين، فأقل سعر وجدته لأنثى هو عشرة آلاف دينار ما يعادل 8 دولارات، والمبلغ الجملي لأربع إناث يساوي أربعين ألف دينار، وهو مبلغ كبير لا أستطيع دفعه مرة واحدة، لذلك سأشتري اثنتين فقط وهذا للأسف ما أستطيع شراءه الآن، لكن سأعمل لجمع مبلغ إضافي لأشتري الأنثيين الباقيتين”.
حنون كاظم (40 عاما) صاحب محل لبيع الطيور يقول “منذ أكثر من عشرين عاما تمتهن أسرتي في هذا الدكان الصغير بيع الطيور، وقد ورثت الحرفة عن والدي، وكان معروفا بسوق بغداد الجديدة بـ(كاظم كروان) لتخصصه ببيع طائر الكروان الصحراوي”.
ويضيف “كان والدي من موردي الصقور، وكان لدينا زبائن من الخليج العربي، من البحرين والإمارات والسعودية والكويت. ولدينا الآن من الطيور، العقاب النساري، والحدأة، والحمام والفواخت، وطيور الحب، والوقواق وغيرها”.
ويقول حنون إن ثمن الطيور ارتفع فجأة في السنتين الأخيرتين، فطائر الشاهين بلغ سعره 3.5 مليون دينار (2700 دولار)، أما الزاجل والأزرق فتتراوح أسعارهما بين 700 و900 ألف دينار (بين 540 و690 دولارا)، لذلك أصبح الإقبال على بيع طيور الحب التي يعتبر سعرها مناسبا.
„معظم بائعي الأعلاف والحبوب في بغداد لا يبيعون عبوات الغذاء وفق الشروط الصحية المعروفة دوليا، والتي تنص على نسب معينة لغذاء الطيور، لكل عمر من أعمارها“
ويستطرد ضاحكا “كأن الشباب يفتقدون الحب فيجدونه في تربية طيور الحبِّ. ومتوسط سعر الطائر الأخضر الذكر 5 آلاف دينار (4 دولارات)، والأنثى نبيعها بـ10 آلاف دينار(8 دولارات)”.
وأضاف “زبائننا هذه الأيام معظمهم من الشباب ومن المربين المحترفين للطيور، ونحن ندخل كوسيط بين المشتري والبائع ممن لا دكان لديهم. ولدينا عناوين وأرقام هواتف معظم بائعي الطيور في بغداد وبعض المحافظات، وحالما يأتي زبون يرغب بشراء طير معين من فصيلة معينة فإننا نتصل بالبعض ممن نتعامل معهم من مُرَبِّي الطيور لتوفير الطلب أو ليرشدنا لمن لديه النوع المطلوب. وحين نتمم عملية البيع ننال 2.5 بالمئة من ثمن البيع من البائع ومثلها من المشتري”.
ويقول “إذا كان الطير من الأنواع الزهيدة الثمن، فنترك أمر إكراميّتنا إلى البائع والمشتري، كما أننا ننشر بين الحين والآخر معلومات عن أثمان بيع وشراء الطيور من خلال صفحة في الفيسبوك وبهذه الطريقة نستطيع أن نضمن عددا لا بأس به من الزبائن يوميا”.
في أسواق الطيور يغطي هديل الحمام وزقزقة العصافير على أصوات المتحدثين والبائعين في نقاشهم مع المشترين، ليس كل زائري السوق يأتون لشراء الطيور فبعضهم يأتي ليتمتع برؤية ألوان الطيور وأنواعها ومتابعة أصواتها وألحانها.
يقول أبوجميل (55 عاما) صاحب محل لبيع أقفاص الطيور وحُبوبها “منذ سنتين وأنا وابني مهند نعمل بهذا الدكان، فقد تخصّصنا ببيع الأقفاص والمواد الغذائية الخاصة بالطيور، وأثمان الأقفاص تبدأ بألف وخمسمئة دينار للقفص الصغير الذي ينقل فيه الزبون ما يشتريه من طيور السوق ليوصلها إلى قفصه الرئيسي. ولدينا أنواع مختلفة من الأقفاص منها الكبيرة التي يصل سعرها إلى عشرة آلاف وعشرين ألف دينار”.
ويضيف “نبيع غذاء الطيور أيضا، وبالطبع غذاء الحمام يختلف عن غذاء طيور الحبِّ، وكل نوع له غذاء معين، فالحمام والطيور الكبيرة لها طعام مكون من الشعير منزوع الغلاف والذرة والفول السوداني والأرز والسمسم وفول الصويا والقمح، وهذه تكون بنسب معينة حسب عمر الطير”.
ويوضح قائلا “عندما يكون الطائر صغيرا يحتاج حبوبا صغيرة وسهلة الهضم، ومعتدلة الدهون. ولطيور الحبِّ غذاؤها المكون من الذرة، الشوفان، القرطم، القمح، الأرز، بذور الكتان، بذور اللفت، فول الصويا، الشمر، وبذور عباد الشمس. وطيور الحبِّ تعشق عباد الشمس وتفضلها على غيرها من الحبوب”.
غذاء خاص لكل طير
يقول الطبيب البيطري بكر صالح حول تغذية الطيور “يوجد في العراق أكثر من 400 نوع من الطيور بعضها مستقر في البيئة العراقية خصوصا في الأهوار، والآخر يأتي في المواسم ليستقر لفترة في مناطق وسط العراق ليتكاثر ثم يهاجر من جديد”.
ويضيف أن “الكثير من الأمراض التي تصيب الطيور التي تُربى في البيوت تكون بسبب جهل المُربّي بنوعية غذاء هذه الطيور. البعض لا يعرف أن الحبوب التي تقدم للطيور إذا كانت رطبة، فإنها تتسبب بموتها بسبب النسبة العالية من الفطريات التي تنشأ عادة في هذه الحبوب. وهناك أطعمة تتسبب في قتل طيور الحب فورا، كالأفوكادو، والشكولاتة، وبذور التفاح، والآيس كريم”.
وينبه البيطري قائلا “لا أكتم سرا حين أقول إن معظم بائعي الأعلاف لا يبيعون عبوات الغذاء وفق الشروط الصحية المعروفة دوليا، والتي تنص على نسب معينة لغذاء الطيور، لكل عمر من أعمارها، ولكل نوع منها، وهناك نسب متعارف عليها، التي يجب أن تحتوي على البروتينات 17 بالمئة والدهون 4 بالمئة والألياف 3 بالمئة والكالسيوم 1.2 بالمئة والفسفور 0.8 بالمئة. ولذلك تمرض الكثير من الطيور وتموت بعد فترة من شرائها. وبالطبع هذا يمثل خسارة غير مقبولة لمشتريها”.
www.deyaralnagab.com
|