logo
1 2 3 41134
أفواج سياحية تقتحم صمت أهوار العراق!!
01.04.2017

•يشجع دفء الطقس في هذا الوقت من السنة العديد من العائلات العراقية التي تنتهز فرصة أعياد الربيع على تنظيم رحلات سياحية للاستمتاع بطبيعة الأهوار المنطقة التي شهدت هذه السنة توافد الأوروبيين عليها لاكتشاف ربوعها الخضراء، حيث سحر الطبيعة والتنوع البيئي والإحيائي الذي تزخر به المستنقعات مترامية الأطراف في ثلاث محافظات وبساطة نمط حياة أهلها التي جعلتها وجهة سياحية متفردة.
ميسان (العراق) - تنتعش أهوار العراق اليوم مجددا بالسياح القادمين من داخل العراق وخارجه لمشاهدة سحر الطبيعة والتمتع بأجواء البساطة والمناظر الخلابة وتناول وجبات السمك مع الخبز الخاص مع الأهالي.
لم تغيّره السنوات رغم مرور 25 عاما على آخر زيارة لها لهور الحويزة (380 كلم) جنوب بغداد إذ وجدته البارونة البريطانية إيما نيكلسون مديرة مؤسسة عمار الخيرية كما تركته آخر مرة.
وتصبح الأجواء في الأهوار مناسبة للسياحة ابتداء من منتصف شهر فبراير وحتى نهاية يونيو حيث يكثر تواجد الطيور المهاجرة في هذه الأوقات وتزداد سعة المساحات الخضراء من القصب والبردي، ونسمات الهواء تكون طيبة ونقية تساعد على الاسترخاء.
وتبلغ مساحة هذه المستنقعات المائية الشاسعة التي تمتد بين ثلاث محافظات جنوبية عراقية هي ميسان، ذي قار، والبصرة نحو 16 ألف كيلومتر مربع، وترتفع في فصل الربيع مع غزارة المياه.
تقول نيكلسون لموقع نقاش “كنت متشوقة جدا لزيارة هور الحويزة وتناول السمك والخبز المحلي والتجول في الزوارق بين بركه، واليوم لم يطرأ عليه تغيير سوى حركة بعض الزوارق التي اخترقت سكونه الطويل، وها نحن اليوم نسير فيه وكأن تلك الأيام قد عادت مجددا”.
هور الحويزة الواقع شرق مدينة العمارة والمحاذي لإيران من الشرق يعد الأكبر من بين الأهوار العراقية، وتعد بركة “أم النعاج” البالغة مساحتها 18 كيلومتر مربع من أكبر البرك المائية، وتتضاعف مساحتها بعد أن غمرتها المياه في فصل الشتاء.
سحر الأهوار
تشتهر الأهوار بطبيعتها الخلابة في فصل الشتاء إذ تتكاثر فيها الطيور المهاجرة والقادمة من شمال أوروبا وكذلك شرق القارة الآسيوية وروسيا أيضا، وهي غنية بوفرة السمك المحلي الذي يمثل المصدر الرئيس للحصول على الرزق بالنسبة لأبناء الأهوار، فهم يتناولونه بشكل يومي ويبيعونه في الأسواق أيضا.
عشرة أفواج من السياح قصدوا ميسان خلال الأشهر القليلة الماضية لمشاهدة الأهوار الجنوبية والشرقية بعد شمولها بالحماية الدولية في يونيو 2016، معظمها من العائلات العراقية من وسط وشمال العراق وبعض المغتربين، وكذلك هناك أعداد من السياح الأجانب لم يفصح عن زيارتهم إلا بعد المغادرة لأسباب أمنية.
نصرت كامل (70 عاما) قال “تركت ميسان قبل عشرة أعوام عندما كنت أعمل لواء في مديرية مرور المحافظة، واليوم كلي لهفة لزيارة أهوارها التي سمعت عنها طويلا بأنها مناطق غاية في الجمال، وأول شيء سأقوم به هو أكل السمك الصغير وخبز السياح”.
المساحات المائية الشاسعة والتنوع الإحيائي لتلك الأهوار وأيضا الطريقة البدائية التي يعيشها أبناء تلك المناطق جعلتها محط إعجاب جميع زوارها وروادها من كل المحافظات العراقية، وهناك تنوع آخر هو وجود مناظر جميلة أبرزها المياه الساكنة والطيور البرية والمهاجرة.
صاحب أحد الزوارق النهرية وهو دليل سياحي يتحدث قائلا “أقوم بنقل السياح طول النهار منذ الصباح حتى عودتهم مساء”، مشيرا إلى أنه يعرف كل خفايا الأهوار ومناطقها المشهورة بسحر جمالها كما يتحدث إلى السياح عن طيور المنطقة وأنواعها ومواعيد هجرتها وعودتها إلى مناطقها الأصلية.
نجوى إبراهيم (40 عاما) عراقية مقيمة في الإمارات العربية المتحدة تقول “دفعني فضولي والشغف بسحر الطبيعة إلى زيارة الأهوار لما تتمتع به سمعة طيبة حول طبيعتها الخلابة التي لم يتدخل الإنسان في تكونها أو التلاعب بها، وكذلك للتعرف على أهلها عن قرب؛ كيف يأكلون؟ كيف يعيشون؟ ما نوع ملابسهم أو طعامهم؟ كل تلك التفاصيل حثتني على زيارة هور أم النعاج.
وأضافت “هناك من يرغب في زيارة الجبال أو المدن حديثة الطراز، لكن الأهوار لها سحرها الخاص، وما وجدته كان جميلا لولا نقص الخدمات، وافتقارها إلى الطرق المعبدة أو حتى زوارق سياحية بدل زوارق الصيد الموجودة، فضلا عن غياب المرافق السياحية المتكاملة كالفنادق والمطاعم وسواهما من المعالم التي تجعل من تلك المناطق قبلة للسياح، فأمني نفسي بأن أجدها في أفضل حال في الزيارة القادمة”.
ويقول حمزة قاسم، وهو ناشط من ميسان، “شهدت ميسان توافد الكثير من المجموعات السياحية التي تنظمها شركات السياحة في بغداد وبأعداد لم تشهدها المحافظة من قبل، حتى أن أغلب فنادق المدينة امتلأت بالكامل”.
ويحب أبناء المنطقة تشبيه أهوارها بمدينة فينيسيا الإيطالية العائمة فوق المياه، وينضم هؤلاء إلى سفرات شبه يومية إلى عمق هور أم النعاج وتكون الرحلات في أوجها يومي الجمعة والسبت وهي العطلة الرسمية في البلاد.
الوضع الأمني
مهدي اللامي مدير شركة ميسان، وهي إحدى الشركات التي تقوم بتنظيم رحلات إلى الأهوار، يقول “أعتقد بأن شركتنا هي أولى الشركات التي دخلت إلى عمق الأهوار مع مجاميع من العائلات العراقية وبعض المغتربين، وإلى غاية الآن أحرزنا دخول عشرة أفواج كل فوج يتراوح بين 50 و150 سائحا”.
ويضيف “هناك صعوبات تواجه عمل السياحة في الأهوار أبرزها الوضع الأمني، إذ يعد هور الحويزة محاذيا لإيران وهذا الأمر دفع السلطات إلى إغلاق بعض المنافذ لمنع السياح من التوغل إلى ذلك العمق وتحديد تواجدهم في مناطق معينة”.
الوضع الأمني ذاته كان وراء عدم الإفصاح عن زيارة مجموعة من السياح الأجانب من فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا، إذ يعتقد هؤلاء السياح بأن هناك صعوبات أمنية تحول دون زيارتهم للأهوار فضلا عن تحذير سفاراتهم لهم من السفر ودخول تلك المناطق النائية.
ويقول علي كرم رئيس لجنة السياحة في مجلس محافظة ميسان، إن “الحكومة المحلية أصبحت تعي تماما رغبة المواطنين في مشاهدة الأهوار، مع وجود عائق هو محاذاة الأهوار الشرقية للحدود مع إيران وهذا ما يدفع قيادة الحدود إلى تدقيق أسماء الراغبين في السياحة في تلك المناطق”. ويضيف “نقوم حاليا بتوفير الحماية الكافية للوفود الأجنبية والمحلية الراغبة في زيارة الأهوار وهناك تسهيلات مناسبة تقدمها الحكومة للشركات السياحية”.
الأسباب التي تدفع السياح إلى زيارة مناطق الأهوار مختلفة لكن تجمعهم رغبتهم في التعرف على المكان ومشاهدة الطيور البرية وجمال سكون المياه وممارسة الحياة البدائية البسيطة وأكل السمك المسكوف (وهو السمك البني أو الشبوط المعد على الفحم) والخبز المحلي.
ويشير الناشط البيئي أحمد صالح إلى أن أهوار ميسان غنية بكل شيء بل قد تكون متفردة بطبيعتها، لكن ينقصها الاهتمام الحكومي وتوفير الخدمات المناسبة التي يحتاجها السائح.
ويقول “يتوجب توفير بيئة مناسبة للسياحة كتدريب مجموعة من الشباب كأدلاء سياحيين داخل تلك المناطق وإنشاء بعض المرافق السياحية كمحطات انتظار أو استراحة وأيضا توفير زوارق سياحية خاصة بتلك المناطق لمساعدة السياح على مشاهدة المكان بشكل أفضل”.وافقت منظمة اليونسكو في يوليو 2016 على إدراج الأهوار والمناطق الأثرية في العراق على لائحة التراث العالمي بعد تصويت جميع الأعضاء بالموافقة.
عودة الحياة إلى الأهوار وإدراجها على لائحة التراث العالمي لا يكفيان كما يرى الناشطون البيئيون وعدد من أصحاب الشركات السياحية، إذ يدعون إلى “إقامة بنى تحتية ومنتجعات سياحية لاستقطاب السيّاح من مختلف العالم”.
يشير المهندس الاستشاري والناشط البيئي جاسم الأسدي إلى أنه لا تتوافر حاليا أي بنى تحتية في الأهوار، مضيفا أن قانون الاستثمار العراقي عقيم وطارد، على خلاف ما هو موجود في إقليم كردستان على سبيل المثال، والتي تشكل السياحة جزءا مهما من دخلها.
ويشير الأسدي إلى أن المنشآت السياحية هي أحد مرتكزات خطة الإدارة التي يجب تنفيذها لتفعيل السياحة في الأهوار من أجل استقطاب رؤوس الأموال العالمية لتشارك في تنمية مستدامة، وتتضمن هذه الخطة بناء بنى تحتية، والمحافظة على الأنواع المهددة من الحيوانات والطيور والبيئات النباتية.
ويقول رئيس منظمة العراق لتنمية وتطوير السياحة والآثار مهند الساعدي إن “العراق يمتلك مناطق بيئية وسياحية جميلة تحتاج إلى دعم دولي لتطويرها واستثمارها جيدا”.
ويذكر الساعدي أن “شركات السياحة تعد برامج خاصة بالأهوار”، مشيرا إلى أن “المناظر الجميلة في الأهوار لا تكفي ولا بد أن تكون هناك بنى تحتية سياحية لجذب السيّاح الأجانب”.
ويقول العاملون في القطاع السياحي إن شركات السياحة العراقية قادرة على استضافة السيّاح الأجانب والمحليين وتنظيم جولات لهم في الأهوار، لكن يجب أن تعمل الحكومة على إقامة مقومات سياحية كاملة قرب الأهوار وتوفير الزوارق النهرية.
ودعوا إلى تشكيل مركز متخصص للشرطة النهرية لتأمين الحماية للسياح الأجانب والمحليين ومرافقتهم ضمن جولاتهم السياحية من خلال إعادة السرية الثانية العسكرية للأهوار والتي تمتلك زوارق متخصصة للغرض.
وينتقد هؤلاء تجاهل الحكومة الحالية لقطاع السياحة وما يتطلبه من اهتمام على مستوى البنية التحتية وخاصة في منطقة الأهوار التي يمكن أن تكون وجهة سياحية عالمية لما تتميز به من طبيعة متميزة.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن الأهوار مقصد سياحي مهم وثري، يمكن أن تحقق الحكومة من خلاله موارد مالية لدعم خزينة الدولة، لكن حتى الآن لا تعير الدولة للقطاع السياحي في الأهوار الاهتمام الذي يستحق.
وقال مصدر مسؤول إن “غياب الدعم الحكومي وعدم إيلاء الاهتمام الكافي بالأهوار يعطيان صورة سيئة، لا سيما بعد إدراجها على لائحة التراث العالمي”.
ويضيف أنه “من الممكن أن تستثمر الحكومة أموال السياح منخلال بناء منتجعات وأماكن ترفيهية واستراحة، ما سيشكل موردا ماليا سواء للدولة أو للحكومة المحلية”.!!


www.deyaralnagab.com