في يومها العالمي،السعادة في طريقها إلى البلدان العربية!!
20.03.2017
يتمتع السعداء من الناس بصحة أفضل ويكونون في الغالب أكثر قدرة على الإبداع والعطاء، بل إنهم ينجحون في إشاعة جو من السعادة في الوسط الذي يعيشون فيه، فهل يمكن أن يتدرب الإنسان على إسعاد نفسه في عالم غلبت عليه الحروب والمآسي في السنوات الأخيرة؟
حددت منظمة الأمم المتحدة في يوليو 2012 يوم 20 مارس من كل سنة يوما عالميا للسعادة اعترافا منها بأهمية السـعادة والرفاه بوصفهـما قيمتين عالميتين يتطلع إليهما البشر في كل أنحاء العالم، ولما لهما من أهمية فـي ما يتصل بمقاصد السياسة الـعامة.
ومع العودة للاحتفال بيوم السعادة مطلع هذا الأسبوع، يعود السؤال الأزلي الذي يراود الجميع من الفلاسفة مرورا بالأطباء النفسيين وصولا إلى الانسان العادي الذي يعيش بهدف أساسي لا يفارق تفكيره ويتمثل في البحث عن “كيف يكون سعيدا؟”.
وغالبا ما يرتبط شعور الأفراد بالسعادة بمحيطهم وسلوك من حولهم، لكن رغم ذلك يخيل للجميع أنهم يصادفون يوميا العدد الأكبر من أصحاب المزاج السيء في العمل والشارع.
وتعتقد جينا شولر الخبيرة الألمانية في علم تصميم الرسوم البيانية والمواقع الإلكترونية بأن أصحاب المزاج السيء ليسوا بهذه الحالة النفسية السيئة التي يبدون عليها، موضحة “إنهم لا يحتاجون سوى إلى محفزات إيجابية على السعادة”.
وتقوم شولر التي تطلق على نفسها لقب وزيرة السعادة برحلة عبر الكثير من المدن الألمانية.
„يعرف الباحثون السعادة بأنها شعور ذاتي أو شخصي بالراحة والرفاهية يتميز بالمعايشة الكثيرة للمشاعر الإيجابية وندرة المشاعر والعواطف السلبية“
وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للسعادة أطلقت شولر حملة “اكتب نفسك سعيدا” واستطاعت خلال أيام قليلة تشجيع 3700 من النساء والرجال على المشاركة في هذه الحملة.
ويحصل المشاركون في الحملة على عنوان شخص آخر مشارك في الحملة ويكتبون له خطابا شخصيا ويستخدمون في هذه الرسالة الشخصية أسئلة لتحفيزه على السعادة مثل “ما هي أجمل ذكريات طفولتك؟” و”بم تفتخر؟”.
وقالت شولر (30 عاما) إن الصدى الذي أحدثته حملتها هائل، وأوضحت أن أكثر ما يميز هذه الحملة وساعد على نجاحها هو التعرف على شخص غريب “دون أفكار مسبقة ودون تحيز”.
وأضافت “يتطلع الجميع إلى الحصول مرة أخرى عبر صندوق البريد على شيء مكتوب باليد بعد أن كان كل ما يحصلون عليه في صندوق بريدهم فواتير ومطالبات بالدفع”.
بدأت وزارة السعادة والرفاهية التي أسستها شولر كمشروع فني عام 2012 في كلية مانهايم للتصميم، وهو نفس العام الذي قررت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتماد يوم عالمي للسعادة.
وكانت مملكة بوتان جنوب آسيا صاحبة الفكرة حيث أعلنت في سبعينات القرن الماضي إسعاد شعبها هدفا للدولة وأنشأت وزارة للسعادة.
وفي البلدان العربية كانت الإمارات العربية المتحدة السباقة في توفير السعادة لمواطنيها عندما قررت يوم 8 فبراير من العام الماضي إنشاء وزارة للسعادة بهدف مواءمة كافة خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع.
واليوم وتزامنا مع الاحتفال بيوم السعادة، أعلن نائب رئيس الإمارات وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن تأسيس مجلس السعادة العالمي برئاسة جيفري ساكس أستاذ التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا وبعضوية 122 عضوا من مختلف التخصصات.
ويأتي تشكيل مجلس السعادة العالمي نتيجة لحوار السعادة الذي عقد ضمن أعمال القمة العالمية للحكومات التي عقدت دورتها الخامسة بدبي في فبراير الماضي.
وقال الشيخ محمد بن راشد “إن تعاظم التحديات وتسارع وتيرة التحولات والتغيرات على الساحة العالمية، تتطلب من صناع القرار تبني سياسات ومقاربات تفتح نوافذ أمل للناس، ولعل احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمي للسعادة يتحول إلى رسالة للعالم للبحث عن آليات جديدة تحقق الخير للشعوب”.
وكانت الإمارات أول دولة عربية تظهر في ترتيب “أسعد الدول لسنة 2016” حسب القائمة التي أعدها معهد إيرث بجامعة كولومبيا بتكليف من الأمم المتحدة وشملت 157 دولة.
وعلى ضفاف قناة دبي المائية انطلقت السبت مسيرة “رحلة السعادة” بمشاركة وزيرة السعادة عهود الرومي، وعدد كبير من المسؤولين والإعلاميين والفنانين احتفالا بيوم السعادة.
وبدأت مؤخرا مصطلحات السعادة والفرح تقترن ببعض المؤسسات في بلدان عربية، حيث أصدر وزير الصحة السعودية وفيق ربيعة قرارا بتعيين مديرة عامة للتواصل الداخلي بالوزارة، حصلت على لقب “مديرة السعادة”، لتتولى مهمة ترتيب الرحلات والبرامج الترفيهية لموظفي الوزارة وذويهم، حسبما ذكرت وسائل إعلام سعودية.
وبدأت بالفعل سلوى العمران أول مديرة سعادة بوزارة الصحة السعودية، عملها في محاولة إدخال روح البهجة إلى نفوس العاملين وذلك من خلال تنظيم أول رحلة بحرية السبت.
يشغل البحث عن السعادة فلاسفة وعلماء دين وأدباء منذ الآلاف من السنين، ولكن هناك أيضا تزايدا في أعداد الشركات والسياسيين الذين اكتشفوا الرفاهية والراحة والرضا كقيم ومبادئ هامة “فلم يعد هذا الموضوع قاصرا على فئة بعينها من الناس” حسبما رأت شولر التي ترى نفسها رسولا للسعادة وتؤكد دائما أنها ليست باحثة.
أما عالم النفس الألماني توبياس رام من جامعة براونشفايج للعلوم التطبيقية، فإنه يبحث عن السعادة في إطار مشروع علمي، حيث يطور أسلوبا تدريبيا خاصا على السعادة يستخدمه المعلمون يسعى من خلاله لمساعدة الإنسان على تجنب ما يعرف بالإرهاق الذهني في الوظيفة وجعل هؤلاء المربين أكثر إبداعا.
ويتعلم هؤلاء المدرسون في دورات خاصة زيادة نسبة “الاستعداد للسعادة” وذلك من خلال الحرص على إدراك ما هو جميل والشعور بالشكر والمنة لما هو إيجابي وكذلك عقد النية أكثر في القيام بأعمال صالحة.
وأثبت الباحثون الآن صحة المقولة القديمة “الإنسان هو من يصنع سعادته بنفسه” حيث أظهرت دراسات دولية أن الاستعداد الفطري للإنسان ليكون سعيدا يتوقف في 50 بالمئة منه على عوامل بداخله في حين أن 10 بالمئة منه فقط تتوقف على ظروف حياته “فالحصول على سبيل المثال على وظيفة جديدة، أو سيارة جديدة أو جهاز تلفاز جديد لا يساهم في تحقيق السعادة بعيدة المدى” حسبما أوضح رام، في حين أن المساحة الشخصية التي يستطيع الإنسان من خلالها إسعاد نفسه تبلغ 40 بالمئة.
وجُرب هذا التدريب على السعادة المخصص للمعلمين في دورات لمدة أربعة أسابيع شارك فيها أكثر من 150 طالبا.
ويفضل رام في بداية الدورة توزيع كراسة تتضمن تدريبا على السعادة بعنوان “ثلاثة أشياء جيدة”، حيث يطلب من كل طالب “أن يسجل على مدى 14 يوما ثلاثة أشياء جيدة عاشها في يومه وأن يرفق هذه الأشياء الثلاثة مساهمته الشخصية التي قدمها لإنجاح هذه الأشياء بما في ذلك الأمور الصغيرة مثل الاستمتاع بالشمس أو مراقبة السناجب أثناء تسلقها الأشجار”.
واكتشفت مجموعة أخرى من الباحثين أن هذا التفكير والتأمل المسائي يؤثران بشكل إيجابي على النوم نفسه.
يعرف الباحثون السعادة بأنها شعور ذاتي أو شخصي بالراحة والرفاهية يتميز بالمعايشة الكثيرة للمشاعر الإيجابية وندرة المشاعر والعواطف السلبية. ولقياس درجة هذه السعادة ترجم الباحثون المؤشر المعترف به عالميا للتجارب الإيجابية والسلبية (SPANE) إلى اللغة الألمانية.
وحسب رام فإن أولى النتائج التي وجدها الباحثون لدى هؤلاء الطلاب تشير إلى أن هذا التدريب يمكن أن يكون مستداما. ومن المنتظر أن تبدأ أواخر أبريل المقبل تجربة رائدة مع معلمين بمدرسة ثانوية بمدينة براونشفايج الألمانية.
وبينما انطلق الباحث رام في تجاربه من الاعتماد على الفرد، فإن يوهانيس هيراتا يركز على المجموع المجمل، حيث يعتقد البروفيسور هيراتا أستاذ العلوم الاقتصادية بكلية أوسنابروك الألمانية، بأنه من الممكن نقل نموذج “إجمالي ناتج السعادة القومي” من مملكة بوتان إلى ألمانيا أيضا، وقال إن ذلك يعني وضع الاقتصاد في خدمة إسعاد البشر.
وأضاف الخبير الاقتصادي هيراتا “أنا على قناعة بأنه سيكون من المفيد لنا أن نعمل أقل في وظائف تتطلب دواما كاملا، وربما كان من الأفضل لنا خفض عدد ساعات العمل إلى 30 ساعة أسبوعيا. عندها سيكون لدينا وقت أكثر من أجل أبنائنا ومن أجلنا نحن أنفسنا وسنستطيع التغلب بشكل أفضل على الكثير من متطلبات الحياة مما سيخفض الضغوط النفسية التي نتعرض لها”.
كما شدد هيراتا على أن خفض الإنسان استهلاكه الشخصي جراء تراجع دخله بسبب خفض عدد ساعات عمله ستكون له نتائج إيجابية على البيئة أيضا.
www.deyaralnagab.com
|