"سوق الظلام" في مسقط يضيء الجوانب الساحرة من التراث العماني!!
11.03.2017
لكل عاصمة عربية أسواقها القديمة المشهورة لأنها تعرض في دكاكينها تجربة الشعوب في الصناعات التقليدية والهدايا والتذكارات التي تشتهر بها، وسوق مطرح في سلطنة عمان يحمل أسماء متعددة ويختصر بين جدرانه تاريخا حافلا من التراث والفنون والخصائص العمانية التي تجتذب السياح من الخليج والغرب بمميزاته المعمارية وبضاعته من البخور والعطور واللبان والسيوف والفضيات.
مسقط- من زار سلطنة عمان ولم يدخل سوق مطرح التراثي بعالمه الذي يشبه عالم ألف ليلة وليلة وسحره الشرقي كمن لم يزر مسقط قط، هكذا يقول العمانيون عن السوق الذي يحمل في طياته صفحات من التاريخ، ففي ثناياه وفوق كل مصطبة من مصاطب دكاكينه حكايات وقصص.
تنتهي، السبت، فعاليات عرض المنتوجات الحرفية العمانية المطورة بسوق مطرح والتي أقيمت تزامنا مع احتفالات الهيئة باليوم الحرفي العماني، والتي ساهمت في حركية السوق وتدفق الزوار والسائحين.
ومازال السوق الذي يعتبر من أهم المعالم الحضارية في العاصمة مسقط ومن بين أشهر الأسواق التقليدية والأثرية في الخليج، ضمن روزنامة أي زائر وسائح لمسقط، إنها زيارة للتاريخ وتنفس عبق الماضي ومحاولة استعادة تفاصيل المكان.
يقول سعود بن هلال البوسعيدي وزير الدولة ومحافظ مسقط إنه “بفضل خصائصه الفريدة فإن سوق مطرح يحتفظ بالطراز المعماري العماني، ويتشابه مع الكثير من الأسواق التاريخية في البلدان العربية من حيث الشوارع الضيقة والمحلات المتلاصقة وعدم وجود تخطيط عمراني”.
ويشير البوسعيدي إلى أنه على الرغم من العقود الطويلة التي تركت بصماتها على مباني السوق، “إلا أنها لا تزال تنبض بملامح التاريخ العماني وأصالته، وتمثل قيمة أثرية عالية يستفيد منها العديد من الباحثين والسائحين؛ خاصة أن السوق يتسم بتغطيته بالأخشاب المزخرفة والمنقوشة يدويا بشكل رائع”.
عبق الشرق
يعد سوق مطرح نموذجا للأسواق العربية القديمة إذ يتميز بممراته الضيقة والمتعرجة والمسقوفة بالخشب والحجارة، وترتفع الحوانيت التي تتوزع على جانبي الأزقة عن الأرض بدرجات صغيرة.
وترتبط نشأته بتكون التجمعات السكانية والتجارية حول ميناء مطرح القديم، حيث يأتي ذكر سوق مطرح في الكتب التاريخية باسمه العام أو بأسماء أقسامه الفرعية، مثل سوق الحلوى وسوق الحدادين وسوق الثياب وسوق الظلام.
ويرجع السبب لإطلاق تسمية سوق الظلام إلى كثرة الأزقة والسكك التي كانت تصطف عليها المتاجر، بحيث تحجب عن هذه الأزقة أشعة الشمس خلال النهار وتتضاعف العتمة في الأيام الغائمة، فيحتاج حينهـا الزائر إلى ضوء مصباح لكي يحدد خطواته.
وبني السوق من الطين وسعف النخيل ثم قامت بلدية مسقط بتجديده وتزيينه بزخارف مستوحاة من التراث العماني مستخدمة خامات من البيئة المحلية ليحافظ على طابعه الشعبي المميز.
ويدرك الزائر جمال أرضية السوق بالأحجار الصغيرة المصفوفة بعناية والسقف الذي يبدو لوحة موزاييك بروح التراث العماني تفتح فسحة تصوير طويلة لاقتناص تلك الزخارف والتشكيلات التقليدية الشرقية. ويختلط جمال العمارة بروائح العطور والبهارات ورائحة القهوة الزكية التي تفوح من إبريق “المقهوي” المتجول في أرجاء السوق الضيق.
وتزداد أجواء السوق سحرا برائحة اللبان التي تفوح من مادته الخام أو المحروق في المجامر وبحكم المساحات الضيقة، ليصبح السير في الزحمة متعة تزيدها الحلوى العمانية الشهيرة لذة.
وتختلف المتاجر والمنتجات في سوق مطرح، حيث يمكن العثور على ملابس الرجال والنساء فضلا عن التوابل والمواد الغذائية ومتاجر الذهب والفضة والهدايا التراثية المتنوعة، ويوجد بالسوق أيضا عدد من المطاعم التقليدية.
ويقول محمد علي الذي يملك متجرا لبيع الفضيات، إن المنتجات المعروضة في متجره صنعت باستخدام مواد محلية وتوجد أيضا مجموعة من المنتجات المستوردة من شرق آسيا وأفريقيا. وتجذب سمعة السوق كمكان لبيع المشغولات التقليدية والتحف القديمة الجيدة هواة جمع تلك الأشياء من مختلف دول العالم.
السائح الإيطالي رينو يقول “إنه من الصعب على زائر السوق أن يختار بين الأشياء المعروضة”، مضيفا “ما رأيته أحببته كثيرا لأنه مشوق لا يمكنني وصفه بالضبط، ولكنه يعطيك انطباعا جيدا.. خصوصا عندما تتجول في السوق توجد أشياء كثيرة لتراها، اتخاذ قرار لشراء شيء ما ليس سهلا”.
أما السائحة الإيطالية لينا فتقول “هذا السوق سوقي”، مشيرة إلى أنها أتت إلى السوق للمرة الأولى منذ ثلاثين عاما، لافتة إلى أنه منذ ذلك التاريخ وهي تعود إليه في كل زيارة لعمان. وتعبر بالقول “أجد فيه كل ما أحتاجه لزينتي الخاصة أو لتزيين المنزل”.
وقال السائح النمساوي إستراوش جون إن “المنتجات الحرفية العمانية تحمل العديد من الدلالات والمفردات الجمالية الجاذبة والتي تجعل الإقبال عليها مميزا وعن قناعة تامة، حيث أنها تبرز خصائص الصناعات العمانية والتي تميزها عن المنتجات الأخرى، كما يمكن اقتناؤها كتحف وهدايا ترمز إلى السلطنة وموروثاتها العريقة”.
مشاهير في أروقة السوق
تشتهر عمان بموسم السياحة الشتوية الذي تتكاثر فيه الوجوه الشقراء التي تتوافد بكثرة على سوق مطرح، وتحمل الحافلات المجموعات السياحية بموازاة الطريق البحري للوصول إلى بوابة حديثة أقيمت على المدخل البحري للسوق.
تفاصيل سوق مطرح جعلت الزوار والسائحين يعودون في كل مرة لأخذ صور تذكارية، فهذه البقعة التاريخية تختزل الكثير من الحكايات وتفاصيل حياة الإنسان اليومية. يقول التاجر محمد خان إن “سوق مطرح بات معروفا لدى السياح، إذ تم تضمينه بين المواقع التي يتوجب على السياح زيارتها عند إقامتهم في عمان”، مضيفا “نرى هنا سياحا من كل بلدان العالم، فهم يقبلون على شراء الصناعات التقليدية، خصوصا التحف التراثية والخناجر العمانية”.
ويضيف “تتزايد أعداد السياح الذين يزورون السوق عاما بعد آخر، لكن حركة السياحة تزدهر خلال إجازات الأعياد، إذ أصبح السوق مرادفا لزيارة العاصمة مسقط”. ويضيف خان “إن هذا المكان التاريخي يشرح لزواره تفاصيل عديدة، إذ يرصد بشكل ملموس التطور الذي شهدته البلاد على مر السنوات، فهو مزار سياحي تراثي قبل أن يكون سوقا تجاريا شعبيا”.
بائع بخور عماني في سوق مطرح تحدث عن زيارة السياح للسوق وأشار إلى أن “سياحا مشهورين ونجوما زاروا سوق مطرح، كان من بينهم وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري في نوفمبر 2014 حين ترك المحادثات الماراطونية مع نظيره الإيراني وخرج في جولة داخل سوق ‘مطرح’ بالعاصمة مسقط، حيت زار عددا من البازارات المخصصة لبيع الهدايا التذكارية والتحف العمانية”.
وفي نفس العام، زار الأمير البريطاني هاري حفيد ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية سوق مطرح، وشارك في رقصة تقليدية يستخدم فيها السيف. وتجول الأمير في ثاني أيام زيارته التي استمرت ثلاثة أيام في منطقة سوق مطرح بالعاصمة، حيث استعرض منتجات وصناعات يدوية تقليدية.
ولا تقتصر زيارة المشاهير للسوق على رجال السياسة والدبلوماسيين، فنجوم الفن والغناء والكتاب والرسامون يتوافدون على السوق ليلهمهم في أعمالهم الفنية وليعيشوا تجربة واقعية لما اطلعوا عليه في الكتب عن أسرار الشرق وسحره.
ويطول ذكر الفنانين الذين وقعوا
أصبح السوق منذ قديم الزمان إلى عصرنا الحاضر جزءا مهما في حياة العمانيين ففيه يجدون فرصة تجمعهم دون سابق موعد للتحاور في شتى الأمور، بالإضافة إلى الهدف الأساسي لتوجههم إليه وهو التسوق وشراء ما يحتاجون إليه. ورغم زحمة السوق العماني، لا يزال الحنين يشد كبار السن إلى المطرح الذي عملوا فيه العشرات من السنين، فوجدوا لهم فسحة يقضون فيها وقتهم ويتذكرون ماضيهم.
يقول أخطر بن رسول بخش البلوشي صاحب محل تحف وهدايا “عمر محلنا يتجاوز 75 عاما وقد ورثناه عن آبائنا وأجدادنا وهو من أقدم المحلات في السوق، نبيع فيه الفضة والخناجر والتحف والهدايا”، مشيرا إلى أن ذلك جعل الكثير من الزوار من ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا إلى جانب الزوار العرب يأتون لزيارته في كل مرة.
ويقول التاجر علي اللواتيا “إن السوق أصبح جزئية من حياة المواطن، الصغار والكبار الرجال والنساء يعرفون هذا السوق”، مشيرا إلى أن الكل يذهب إليه في أيام الأعياد وفي الأيام العادية على حد السواء، وذلك لما يختزنه من بضائع وسلع لا يجدها في الأسواق الأخرى.
وأوضح أن ما يميز سوق الظلام عن الأسواق الأخرى بسلطنة عمان، أنه كان بجانب المكان الذي ترسو فيه السفن التجارية القادمة من الهند لتفريغ البهارات والملابس والأرز وغيرها من السلع والبضائع، بالإضافة إلى شحن المنتجات العمانية من البسور والبخور والتمور والليمون المجفف وبضائع أخرى.
ويواصل كبار السن سعيهم للمحافظة على توازن السوق وثرائه صامدين في وجه موجة القادمين من الدول الآسيوية، يبيعون الملابس الرجالية والعطور والفضيات.
بهذه المعالم التاريخية وخصوصية التراث العماني إضافة إلى شتائها الدافئ وطبيعتها الساحرة، تستطيع سلطنة عمان أن تكون رائدة في المجال السياحي خاصة وأن السياح بدأوا يتجهون إلى السياحة البيئية والثقافية كبديل لسياحة النزل الفخمة والشواطئ.
www.deyaralnagab.com
|