نواكشوط عاصمة مهددة بالغرق!!
09.01.2017
تنتشر المستنقعات والبرك في مناطق واسعة من مدينة نواكشوط بسبب غياب قنوات الصرف الصحي وانخفاض المدينة عن سطح البحر، ما جعل الكثير من الخبراء يدقون ناقوس الخطر محذرين من إمكانية غرق العاصمة الموريتانية، بناء على دراسات معتمدة قدمت العديد من الأدلة على الخطر المحدق.
نواكشوط- تواجه العاصمة الموريتانية نواكشوط خطر الغرق والاختفاء بسبب التغيرات المناخية وهشاشة الشاطئ وانخفاض مستوى المدينة عن سطح البحر، وتشير دراسات حديثة إلى خطر أن تغمر مياه البحر ما يقرب من 80 في المئة من مساحة العاصمة في أفق 2020، فيما تتوقع تقديرات أخرى اختفاء هذه العاصمة تماما بحلول عام 2050، وهو ما أصبح يشكل كابوسا يقلق راحة السكان الذين ظلوا يطالبون الحكومة بالبحث عن الحلول الملائمة قبل الكارثة.
ويحذر خبراء من أن نواكشوط باتت مهددة بأن تغمرها مياه الأمطار الموسمية في ظل أزمة الصرف الصحي وقرب المياه الجوفية من سطح الأرض وأنابيب المياه القادمة إليها من نهر السنغال. ويقول هؤلاء “إن نواكشوط ستشهد موجة من الأمطار غير الاعتيادية في السنوات المقبلة، وهو ما ينذر بخطر غرقها كليًّا بحلول عام 2020″”.
وتقع نواكشوط في مستوى منخفض عن سطح البحر ولا يفصلها عن المحيط سوى تلال ومرتفعات صخرية قليلة بسبب عوامل التعرية واستنزاف الحزام الرملي، وزادت مشكلة تسرب المياه تحت الأرض بسبب عدم وجود شبكة الصرف الصحي ووجود مياه جوفية مالحة من خطورة الوضع حيث أصبحت التربة مشبعة بالمياه فصارت بعض أحياء العاصمة الموريتانية غير صالحة للبناء.
ويؤكد علماء البيئة أنه مع استمرار انتهاك الحاجز الرملي وزحف المياه والاحتباس الحراري، يكون احتمال غمر نواكشوط بالمياه واردا جدا، خصوصا عندما تتعامد الشمس والقمر على البحر، ووجود مد بحري وهبوب رياح غربية إلى شرقية. ومن أكثر المناطق عرضة للغرق، المناطق المنخفضة القريبة من البحر خصوصا مقاطعتي الميناء والسبخة اللتين ستصبحان غير قابلتين للسكن، وحسب الدراسات ستتضرر مقاطعات تفرغ زينه والرياض ودار النعيم بشكل كبير، بينما ستكون مقاطعات عرفات وتوجنين وتيارت الأقل تضررا لوجودها على مرتفع.
وقالت طبارة غاي، وهي أرملة تعيش في حي سوكوجيم بهذه المدينة الساحلية، إن منزل جيرانها انهار في شهر يونيو الماضي، وطالبت بمساعدة عاجلة من الحكومة قبل موسم الأمطار هذا العام، لدفع ثمن مضخات صرف المياه وتكلفة بناء السدود التي تحمي من ارتفاع منسوب البحر. واضطر السكان إلى الفرار في يناير 2011 من منازلهم عندما بدأت المياه تغمر أحياء عديدة، بما فيها سوكوجيم وبغداد وسبخة ولاس بالماس، فانتشرت موجة استياء شديدة بين الأهالي الذين طالبوا الحكومة بتعويضات.
شبكة الصرف الصحي
تفتقد العاصمة نواكشوط إلى وجود شبكة صرف صحي مما جعلها مهددة بالغرق في كل موسم أمطار. ورغم وضع حجر الأساس لبناء شبكة صرف صحي مطلع عام 2015 فإن الأشغال لم تبدأ بعد. وغياب شبكة الصرف الصحي يفتح المجال واسعا أمام مجاري الصرف الصحي المنزلية التقليدية التي يشيدها سكان العاصمة بشكل عشوائي، ويتمثل خطر هذه المجاري في قربها عادة من أنابيب مياه الشرب الأمر الذي يؤدي إلى تسرب الجراثيم والميكروبات الضارة إلى شبكة المياه بعد نزول المطر.
ويقوم مكتب الصرف الصحي في العاصمة بجهود بدائية لمواجهة هذا الوضع الكارثي في كل سنة، تتمثل هذه الجهود في تحريك العشرات من الشاحنات لشفط المياه عن الشوارع الرئيسية، إلا أن سكان العاصمة يؤكدون أن تلك الجهود غير كافية. وقالت صحيفة الغارديان إن نواكشوط لا توجد بها أنابيب لتصريف المياه، فيما تقع معظم أجزاء المدينة عند مستوى سطح البحر أو تحته ولا يحميها من أمواج المحيط سوى كثبان متآكلة. وأشارت الصحيفة إلى أن دراسات محلية ودولية حذرت في العقد الماضي من مغبة ابتلاع المحيط للعاصمة.
الحكومة تتقاعس في اتخاذ إجراءات لإنقاذ المدينة
ويقول مختار الحبيب -من سكان نواكشوط- وهو يقف في بركة ضحلة داخل الحائط المحيط بمنزله “أنفقت كل ما أملك لبناء منزلي، لكن غياب الصرف الصحي يهدد المنزل ومنازل الجيران بالغرق، إن مستوى المياه الجوفية ارتفع أكثر من العادة هذه السنة والمراحيض تغمرها المياه، باختصار المياه تغمرنا من جديد”. ويجعل عدم وجود شبكة للصرف الصحي تربة نواكشوط مشبعة بالمياه، وضخ مياه الصرف في الأرض يؤدي إلى تآكل القشرة الجبسية الفاصلة بين التربة وبحيرات المياه الجوفية في الأعماق، ومع مرور الزمن يؤدي هذا الوضع إلى خروج المياه إلى سطح الأرض.
ويؤثر هذا الوضع على مقاومة المدينة للمد البحري المتوقع حيث البنايات ضعيفة بسبب التربة المشبعة بالمياه العذبة ومياه البحر وبقايا الفضلات البشرية، وتؤدي صعوبة امتصاص مياه الأمطار وتجمعها في المناطق الأكثر انخفاضا إلى تراكم البرك المائية وتشكل طبقة ملحية تسبب انهيار البنايات. ويعلل الخبراء غمر العاصمة نواكشوط بالمياه بفعل تزايد السكان إلى نحو 800 ألف نسمة والتساقطات المطرية السنوية المعتبرة، إضافة إلى مياه الشرب التي تضخ عبر الأنابيب من السنغال.
وتقول أمنية أبوكوراه، وهي منسقة مشروع التعاون الدولي الألماني لتغير المناخ في نواكشوط، “لا أعتقد حقيقة أن نواكشوط تحتاج إلى قنوات تصريف العواصف المطرية، إنما هي تحتاج إلى قنوات صرف صحي وتخطيط عمراني أفضل وضبط منطقة سواحل المحيط”. وتضيف “نحن نتحدث عن أيام ماطرة قليلة في السنة، لكنها في تزايد والمشكلة في كمية المطر الكثيرة التي تتهاطل في فترة وجيزة، وبما أن مستوى المياه الجوفية عال فإنه لا مجال لتسرب مياه الأمطار إلى باطن الأرض”.
الحلول العاجلة
يقول الباحث في مجال البيئة محمد عالي ولد صيبوط “أصبح البحر مصدر خوف وقلق في نواكشوط بعدما كان مصدر ثراء وسعادة، فموارد الصيد التي تمثل أكثر من 12.5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام وتعيل أعدادا هائلة من الصيادين التقليديين، لم تعد تشكل أهمية بالنسبة إلى الموريتانيين بسبب خوفهم من زوال العاصمة أو تضررها من تأثيرات التغيرات المناخية، وخير دليل على ذلك اختفاء المصطافين من الشاطئ وقلة المتنزهين على ضفافه”.
ويشير إلى أن سبب ذلك هو تشييد العاصمة نواكشوط عام 1957 في منطقة صحراوية منخفضة تطل على المحيط الأطلسي، وبفعل عوامل التعرية واستنزاف الكثبان الرملية لغرض البناء تضاعف خطر أن تغمرها مياه المحيط، وتقاعست السلطات عن تنفيذ توصيات الدراسات التي أجريت في هذا المجال، حتى أصبحت العاصمة الآن معرضة لتهديد جدي بالغمر البحري يتضاعف سنة بعد أخرى.
بنية تحتية هشة
ويرى الباحث أن الحل يكمن في تأسيس شبكة للصرف الصحي وتقوية الحاجز الرملي ومنع استغلاله والاهتمام بالدراسات العلمية والمؤشرات البيئية واتخاذ إجراءات فور ظهور نذر الكارثة كترحيل السكان نحو مناطق أكثر أمنا. ودعا أحمد جام رئيس “جمعية نافوري” التي تسعى إلى المحافظة على التنوع البيولوجي والتنمية المستديمة، إلى البحث عن حلول جذرية للمشكلة وتأمين العاصمة من خطر الفيضانات وأمواج المحيط الأطلسي خاصة خلال موسم الأمطار، حيث أن خطر الغمر البحري والفياضانات يتزايد ويهدد عدة أحياء في العاصمة.
ويقول أحمدو ولد الناجي -باحث في مجال البيئة- إن احتمال غمر نواكشوط بالمياه وارد جدا إذا استمر المسؤولون في تجاهل هذا الخطر مع استمرار تأثير عوامل مناخية كالاحتباس الحراري وتقلص الحاجز الرملي، ويشير إلى أن صور الأقمار الصناعية تظهر أن ساحل مدينة نواكشوط تعرض خلال فترات زمنية مختلفة لعوامل التعرية مما أدى إلى اختفاء الحاجز الرملي من بعض المناطق وردم كبير للشواطئ.
ويضيف أن “الاستغلال المفرط لرمال البحر في أعمال الإنشاءات، تسبب في فتح نحو 18 ثغرة في الكثبان الرملية الساحلية المحيطة بنواكشوط مما يعني أن غمر الشاطئ وتقدم البحر باتجاه العاصمة ليس سوى نتيجة للتأثير البالغ والعميق للعوامل الطبيعية والبشرية”. وإضافة إلى احتمال تدفق المحيط الذي يهدد بغمر مدينة نواكشوط، يرى الباحث أن الغرق أيضا يهدد نواكشوط من الداخل بسبب تشبع تربتها بالمياه الجوفية المالحة وانعدام الصرف الصحي السليم.
ويدعو الباحث السلطات إلى تدارك هذا التأخر والعمل على وقف كل الممارسات التي تعجل بوقوع الكارثة وتضعف مقاومة المدينة للمد البحري المتوقع، بإحداث شبكة مجارٍ ووقف استنزاف الرمال من الشاطئ وإعادة بناء الحاجز الرملي وتوعية السكان بالخطر المحدق بهم لإشراكهم في عملية إنقاذ نواكشوط من الغرق. وقد شرعت الحكومة الموريتانية في تنفيذ برنامج خاص لحماية نواكشوط من المد البحري عن طريق استصلاح الشاطئ ووقف زحف الرمال، وبناء شبكة صرف صحي واستعادة الكثبان الساحلية وزراعة حزام أخضر من النباتات الواقية، وإنشاء شبكات الإنذار المبكر، وتشجيع البحوث والدراسات في هذا المجال.
وتؤكد وزارة البيئة الموريتانية أن برنامج حماية نواكشوط من المد البحري وزحف الرمال، يواصل تشجير الآلاف من الهكتارات، لكن رغم هذا الجهد المبذول من قبل الحكومة هناك مخاطر ما زالت تهدد العاصمة الموريتانية، إذ أنه بحسب دراسات علمية عديدة تبدو العاصمة الموريتانية نواكشوط مهددة بالاختفاء في غضون السنوات القادمة.
www.deyaralnagab.com
|