أزمة سكر.. حياة المصريين بلا طعم!!
20.10.2016
يعاني المصريون اليوم من أزمة السكر المدعّم؛ إذ أصبحت العائلات الفقيرة لا تحصل إلا على ما يكفيها من هذه المادة الضرورية خاصة للأطفال وسط تبادل للتهم بين التجار والمواطنين، هذه الأزمة تسببت في موجة غضب عارمة لدى العامة، خلفت أيضا موجة سخرية لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
القاهرة – لم يحدث قط أن مثل اقتراض حفنة سكر من الجيران مشكلة كما هو الحال الآن في مصر، فقد اختفى السكر تماما من متاجر التجزئة بأنحاء البلاد لتتحدث وسائل الإعلام عن أزمة وتزيد الدولة وارداتها من السكر بوتيرة سريعة رغم النقص الحاد في الدولار وارتفاع الأسعار العالمية وسط غضب المصريين العاجزين عن شراء السكر غير المدعّم، وسخرية لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتستهلك مصر نحو ثلاثة ملايين طن من السكر سنويا، لكنها تنتج ما يزيد قليلا فحسب على مليوني طن لتسد الفجوة عن طريق الاستيراد عادة في الفترة بين يوليو وأكتوبر عندما تتراجع الإمدادات المحلية.
هناك من التجار من قال إن ارتفاع أسعار السكر عالميا- وزيادة الأسعار بنسبة 50 بالمئة على مدى العام الماضي- وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء جعلا سعي الكثير من المستوردين للحصول على السكر مكلفا وخطيرا في الأشهر الأخيرة.
وقال مالك محل بقالة خاص في القاهرة يدعى حسين محمود إن ما بين عشرة وعشرين شخصا يأتون إلى محله يوميا يسألون عن السكر، مضيفا “آخر مرة كان عندي فيها سُكر في بقالتي هي أول سبتمبر، بعد ذلك انقطع السكر عن السوق نهائيا، وأحيانا أضطر إلى جلب السكر لزبوني من مكان آخر”.
وقال صاحب متجر يدعى أحمد محمد إن آخر مرة تلقى متجره فيها إمدادات سكر مضى عليها شهر ونصف الشهر.
وتحدد الحكومة كمية السُكر المدعّم التي يمكن بيعها في المنافذ للمواطنين شهريا. وقال مصري يدعى أحمد محمد علي إنه استشاط غيظا عندما دخل أحد هذه المنافذ الحكومية التابعة لوزارة التموين أمس الأول (الثلاثاء) ولم يُسمح له سوى بالحصول على كيلوغرامين فقط من السكر. وأضاف علي “يا سادة إن السكر موجود في الداخل، أتساءل كم يستحق الفرد الواحد من كيلو سكر؟ أنا لي عائلة متكونة من ثلاثة أفراد، أعطني حقي من السكر المدعّم حتى لا أضطر إلى شرائه من مكان آخر بـ12 أو 14 جنيها”.
ولا يوجد خيار أمام المستوردين سوى اللجوء إلى السوق السوداء للحصول على الدولار حيث تقنن البنوك الإمدادات الشحيحة من العملة الصعبة ليدفع التجار بذلك 15 جنيها أو أكثر مقابل الدولار مقارنة بسعر الصرف الرسمي البالغ 8.8 جنيه. وبسعر صرف كهذا فإن المزيد من التجار يقولون إنه لم يعد باستطاعتهم شراء السكر.
وقال أصحاب محال وتجار سلع ومنتجو أغذية تتطلب صناعتها استعمال السكر إنه في غياب واردات مُستقرة اختفت جميع إمدادات السكر. وأضافوا “الناس يحتاجون إلى السكر ليشربوا الشاي، أصبحنا عاجزين حتى عن شرب الشاي”.
وقال أصحاب متاجر أخرى في القاهرة إنهم يحصلون على جزء محدود من احتياجاتهم مع نفاد السكر في غضون ساعة على وصوله حيث يتنافس العملاء في الحصول على عبوات السكر التي تضاعف سعرها في الأسابيع الأخيرة. وقال مصري يدعى صبحي فؤاد “لا يوجد سكر، نحن ‘غلابة’ وفقراء، ألا يوجد شيء للفقراء؟”.
وقال تجار إن جهة تابعة لوزارة التموين اشترت نحو 225 ألف طن من السكر في أغسطس من المصانع المملوكة للدولة والمخصصة لمنافذ البيع الحكومية. ويعاني القطاع الخاص من صعوبة شراء كميات كافية منذ ذلك الحين.
وقال تاجر، في إشارة إلى متاجر التجزئة التي تديرها الحكومة وتبيع السكر المدعّم، “كل السكر يجري تخصيصه لبرنامج الدعم الحكومي ولا شيء يذهب إلى القطاع الخاص”، مضيفا “إحدى الشركات عرضت علينا (تجار التجزئة) شيكا مفتوحا وقالت افعلوا كل ما يلزم للحصول عليه” (يقصد السكر).
وقال إنهم في نهاية المطاف لم يتمكنوا من العثور على السكر. وطرحت الهيئة المصرية العامة للسلع التموينية عدة مناقصات لشراء السكر على مدى الشهرين الماضيين واشترت نحو 250 ألف طن.
وطلبت المناقصة الأخيرة للهيئة سكرا أبيض بدلا من السكر الخام بهدف تجاوز شركات التكرير المحلية وتوجيه السكر مباشرة إلى رفوف متاجر التجزئة.
وقال التجار إن هذا يوفر الوقت لكنه يضيف ما بين 80 و100 دولار كعلاوة سعرية للطن.
وقال وزير التموين محمد علي الشيخ الأسبوع الماضي إن لدى مصر مخزونا كافيا من السكر لتغطية الطلب لمدة أربعة أشهر لكن مدير أحد متاجر التجزئة التي تديرها الحكومة قال يوم الثلاثاء إن مخزون السكر لديه نفد منذ أربعة أيام.
شر البلية ما يضحك
انتشرت التغريدات والتعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول أزمة السكر حيث تداول البعض على تويتر عددا من الكاريكاتيرات التي تظهر نملا يبحث عن السكر في البلاد معلقين “النمل في مصر، بعد غلاء السكر، لا يعرف كيف يؤمن مخزون الشتاء، فقرر أن يهاجر من البلد، لكنه يخاف من الغرق في البحر إن هاجر في مركب شراعي”.
وعلى غرار أحد المشاهد من فيلم “أبو علي”، حينما هاجمت الأم، التي قامت بدورها الفنانة نادية عراقي، قائلة “مين اللي أكل الجبنة؟”، غرّد حساب على تويتر يسخر من أزمة السكر، من وحي المشهد، قائلا “مين اللي حط 3 معالق سكر، ده الكيلو بـ 12 جنيه”.
ودعا البعض إلى ترشيد استهلاك السكر وعبر البعض بطريقة ساخرة في فيسبوك قائلا، “بدل ثلاث معالق سكر حط ملعقة واحدة… السكر كله نفس الطعم”، كما قامت جمعية “مواطنون بلا غلاء” بحملة لترشيد استهلاك السكر تحت شعار “ملعقة سكر كفاية”.
وقال ناشط على صفحته في الفيسبوك، في حوار متخيل بين بائع ومشترٍ للسكر، “بكم كيلو السكر يا حاج؟”، فيرُد البائع “قبل السؤال أم بعده؟”.
غضب في المدن والقرى
سادت حالة من الاستياء والغضب بين الكثير من المصريين، وقال أنيس، من سكان القاهرة، إنه اعتاد خلال الشهور الماضية على شراء كيلو السكر من التموين بخمسة جنيهات ومن المحال التجارية بستة جنيهات، لكنه فوجئ في نهاية الأسبوع الماضي بارتفاع سعره إلى أكثر من عشرة جنيهات مع امتناع عدد كبير من أصحاب هذه المحال عن البيع بحجة عدم توافره في السوق ومواجهتهم صعوبات في الحصول عليه من “تجار الجملة”.
وأعرب محمد إبراهيم، من قرية الكفر القديم ببلبيس، عن سخطه من موجة الغلاء التي تسبب فيها جشع التجار ودفعت البسطاء إلى قاع السّلّم الاجتماعي، مطالباً المسؤولين بالتصدى لهذه الموجة وذلك بتفعيل دور الرقابة التموينية والمؤسسات الرقابية على الأسواق، بالإضافة إلى التركيز على دور الجمعيات الاستهلاكية التي تستطيع ضخ سلع غذائية بكميات كبيرة وجودة عالية وبأسعار منخفضة، من أجل خلق سوق منافسة في الأسعار والتصدي لظاهرة جشع التجار.
ويعيش أهالي محافظة الإسكندرية حالة من الغضب الشديد، بسبب نقص المعروض من الحصص التموينية لمادة السكر، حيث التزم عدد كبير من البقالين التموينيين في المحافظة بصرف كيلو سكر لكل فرد من أفراد البطاقة التموينية، وبعضهم أشار إلى أنه لم يتمكن من صرف سوى نصف الكمية.
وقالت سناء، ربة منزل مقيمة بمنطقة العصافرة، “لدي 5 أبناء مقيد منهم 3 فقط بالبطاقة، وهناك آخرون غير مقيدين، ولا أدري ماذا أفعل لإدراجهم في البطاقة التموينية، وفوجئت خلال الشهر الجاري بعدم صرف سوى 3 أكياس سكر، ولم أصل إلى حد صرف كيلو عن كل فرد بالبطاقة بدعوى عدم توافره، ما يعني أني سأحتاج إلى شراء السكر بالأسعار المرتفعة، وهذا يمثل عبئًا ثقيلا على ميزانية العائلة”.
وقال هاشم، عامل، “تسلمت كيلو سكر عن كل فرد بالبطاقة التموينية، ولكنه بالطبع لا يكفي لشهر كامل”، مشيرًا إلى أنه مستعد لأن يتحمل الصعوبات الناتجة عن الأزمات، إلا أن تزامنها مع حلول عيد الأضحى وبدء الموسم الدراسي مثل عبئًا إضافيّا على دخل الأسرة الذي هو محدود بطبعه”.
وفي الدقهلية رفع بقالون شعار “مفيش سكر لحين تسلم الكمية من وزارة التموين” كتعبير عن غضبهم على الأوضاع الحالية التي اجتاحت كافة أرجاء المحافظة، بحسب مصطفى راضي رئيس نقابة البقالين بالدقهلية.
وأضاف أن منتوج السكر غير متاح بالبطاقات التموينية منذ 3 أشهر ولكن الشهر الجاري صار العجز كبيرا حيث وصل إلى 95 بالمئة والمشاجرات مستمرة مع البقالين.
وفي أسيوط وقعت اشتباكات بين البقالين والمواطنين نتيجة اعتقاد المواطنين أن البقالين يبيعون البضائع في السوق الحرة لتحقيق مكاسب إضافية، ولكن هذا الاعتقاد من جانب المواطنين غير صحيح بالمرة، وفقا لما صرح به ميلاد، تاجر تموين في أسيوط.
وفي مدينة دشنا وقراها، طالب المواطنون بتدخل الرقابة التموينية لحل مشكلة الارتفاع الجنوني الذي شهده سعر كيلو السكر في السوق المحلية، ووضع حد لجشع التجار ومنعهم من احتكار السلع الاستهلاكية.
تقول إجلال، ربة منزل، إنها اعتادت خلال الفترة الماضية على شراء كيلو السكر الحر بـ5 جنيهات، إلا أنها فوجئت بارتفاعه ليصل إلى أكثر من عشرة جنيهات، لافتة إلى رفض البقال التمويني صرف الحصص المقررة للمواطنين، بحجة حصوله على كميات قليلة من جهة التوريد.
وقال الخبير زهدي الشامي، إن محافظة مثل دمنهور لا يوجد بها سكر في محلات السوبر ماركت، رغم أنها عاصمة إقليمية، ومع ذلك لا يوجد تحرك من الحكومة لتوفير سلعة أساسية للمواطنين، موضحا أن الأزمة تجاوزت السعر المرتفع، بل وصلت إلى حد اختفاء المعروض من السكر في البعض من المناطق، وارتفاع الأسعار يؤكد أن كبار تجار الجملة هم السبب وليس تجار التجزئة، ويجب على الدولة التدخل لمراقبة نشاطهم.
وقالت وزارة التموين في يونيو إن احتياطيات السكر كافية لتلبية الطلب لمدة عام. وفي أغسطس تراجعت الحكومة قائلة إنها تحتاج إلى 500 ألف طن لتلبية الطلب حتى فبراير، وهو بداية موسم الحصاد القادم.
www.deyaralnagab.com
|