logo
1 2 3 41134
" الباله": تجارة الملابس المستعملة تزدهر في العراق كساء وموضة!!
05.10.2016

أصبح العراقيون محرومين من ثروات بلادهم في ظل الفوضى العارمة وانتشار الفساد الذي قسمهم إلى قسمين؛ أقلية غنية تنعم بالمال والرفاه، وأغلبية فقيرة تكابد لمواجهة الحياة وتوفير ضروريات الحياة لهم ولأبنائهم، فالتجأوا إلى الأسواق الرخيصة لشراء غذائهم وملابسهم، حتى ازدهرت تجارة الملابس المستعملة التي تقيهم وأطفالهم برد الشتاء.
بغداد - ازدهرت في السنوات الأخيرة تجارة الملابس القديمة أو ما يعرف بـ”البالة” في العراق، فبات العراقيون يقفون لساعات أمام بسطات هذه الملابس يختارون ما يناسبهم من الملابس، ودوافعهم في ذلك مختلفة؛ فمنهم الفقير الذي يبحث عن ثياب تقيه وأطفاله برد الشتاء، ومنهم الميسور والمولع بالموضة والماركات العالمية، فتراه يتنقل من سوق إلى سوق آخر يبحث عن جينز أميركي أو بنطلون “بيار كاردان” أو أحذية رياضية من تلك التي يلبسها الأبطال كماركات “نايك” و”أديداس” و”فيلا”، وغير ذلك من الماركات العالمية.
ويلجأ الفقراء مع بداية كل فصل وكل موسم، سواء كان عيدا أو عودة إلى المدارس، إلى بسطات “البالة” بحثا عن ملابس لأطفالهم تناسب مدخراتهم القليلة التي يحتفظون بها لمثل هذه الأيام، فالملابس الجديدة غالية الثمن وما كان مناسبا منها في الأسعار يكون قليل الجودة بل تكون النسبة الكبيرة فيها من البوليستير.
تقول أم أيوب (45 سنة) إن لها 3 أطفال تحتاج عودتهم المدرسية إلى البعض من الملابس، وبما أن دخل زوجها متواضع، لجأت إلى سوق “البالة” لتبحث عن بنطلونات وقمصان وجوارب لأولادها الثلاثة.
تقول أم أيوب إنها قبل يومين تمكنت من شراء ملابس لطفلها الصغير واعتبرت حالها موفقة في اختياراتها باعتبار أن ما اشترته كان على مقاس ابنها ياسر الذي يدرس بالابتدائي، وأتت هذه المرة وكلها أمل بأن تواصل شراء ما ينقص ملابس طفليها اللذين كبرا وأصبحا يريدان اختيار ما يروق لهما، وذلك ما يعسر عملية البحث معهما عما ينشدانه من ملابس.
وتضيف أن أسواق “البالة” هي أسواق الفقراء بامتياز، وهي رحمة لذوي الدخل المحدود والمعدمين في المجتمع، فالذي لا يملك مالا قط يمكنه أن يتدبر ملابسه من بقايا هذه الملابس التي تلقى مساء.
ويؤكد جاسم ما تقوله أم أيوب من أن سوق الملابس المستعملة هو المتنفس الوحيد للناس البسطاء ممن يعيشون ظروفا اقتصادية صعبة لا سيما الشباب والعاطلين عن العمل من الأسر الفقيرة.
وتعتمد شركات كبيرة في جمع بضاعتها من الملابس القديمة على الفائض من الألبسة واللوازم عن حاجة المستهلكين من ذوي القدرة الشرائية العالية في البلدان الصناعية المتقدمة، ويتم استيراد تلك الملابس بعد جمعها وتغليفها وإدخالها إلى العراق لتباع في بغداد والمحافظات.
ويقول تاجر الملابس المستعملة، حسن، إن الملابس التي تستورد عن طريق تجار بغداد تكون من مناشئ عالمية. وأكد أن تجارة “البالة” تزدهر في الشتاء، مشيرا إلى أن لكل محل زبائنه الخاصين الذين يواظبون على شراء البالات.
وعن سبب ازدهار بيع ملابس “البالة” في الشتاء يقول حسن، “في الصيف يحتاج الإنسان إلى قميص وبنطلون فقط، أما في الشتاء فتزداد الحاجة إلى الملابس الأخرى مثل البلوزات والسترات والجاكيتات والمعاطف، وهو ما توفره البالات بسعر زهيد، فشراء معطف وسترة جديدين قد يكلفان 150 ألف دينار رغم النوعية غير الجيدة عادة، لكن قد يجد المرء في سوق الملابس المستعملة نوعية أفضل بسعر 25 ألف دينار.
وعلى أحد البسطات تُقلب أم حسن الملابس المكدسة على أسرة حديدية في محل صغير وهي تحاول إقناع صاحب المحل ببيعها ثلاث قطع من ملابس أطفال بـ12 ألف دينار، لكنه ظل يصر على عدم بيعها بأقل من 15 ألف دينار بحجة أن الملابس التي اختارتها جديدة تماما، قائلا “هذه ملابس أوروبية وليست تركية، فالسترة التي اخترتها وحدها تستحق 10 آلاف دينار”.
أم حسن اعتادت على شراء ملابس أطفالها من أسواق الملابس المستعملة، تقول “عائلتي مكونة من خمسة أفراد، منهم طلاب في المدارس ويحتاجون إلى ملابس مدرسية وحقائب وأحذية، وحين ننزل إلى الأسواق تفاجئنا الأسعار الخيالية، فنضطر إلى التوجه إلى سوق البالة لنجد حاجاتنا فيها”.
وتضيف “أصبح سوق الملابس المستعملة ملاذا للكثيرين ممن عصفت بهم ظروف الحياة الصعبة، ويوجد في سوق „البالات“ جميع ما يحتاج إليه المواطن من ملابس وحقائب وأحذية، وهي تحمل ماركات عالمية وبأسعار تتراوح بين الألف دينار والخمسة آلاف دينار”.
موضة ووجاهة
لا يقتصر رواد سوق “البالة” على ذوي الدخل المحدود من العائلات العراقية، بل هنالك أيضا من هم من ذوي الدخل الجيد ويترددون باستمرار على السوق لشراء الملابس ذات الماركات العالمية.
ويتردد على هذه الأسواق الكثير من الشباب الذين يبحثون عن موديلات حديثة من الملابس والأحذية الرياضية من الماركات العالمية، وائل (22 عاما)، طالب في الجامعة يقول، “إن سوق الملابس المستعملة يجذب الكثير من الشباب الذين يرغبون في اقتناء ملابس مستوردة ولا تسمح لهم إمكانياتهم الاقتصادية بشراء الجديد منها إن وجدت، لذلك يبحثون عن الموديلات المواكبة للموضة في ملابس "البالة”.
وائل يعرف أغلب التجار الذين يعملون في السوق، ويعرف متى سيعرضون سلعا جديدة، ويكون حاضرا في ذلك اليوم ليفوز بأجود أنواع الملابس، بل هو يخصص ميزانية لذلك ويقضي معظم أوقات فراغه في السوق ليقتنص الفرص.
يقول وائل إنه في الكثير من الأحيان يعجب أحد أصدقائه بما اقتناه كآخر بنطلون جينز اشتراه، فيعرض عليه شراءه. وكان وائل غالبا ما يربح من القطع التي يبيعها ما يمكنه من شراء قطعة أخرى، وهو يخطط ليكون له زبائن دائمون من عشاق الملابس وميسوري الحال الذين يدفعون دون تذمر.
ويعرف وائل ما يريده أصدقاؤه، فيذهب إلى تاجر أحذية وحقائب وقد صار في ما بعد من أصدقائه، ليختار حذاء أو حذاءين رياضيين من ماركات عالمية مثل “أديداس” و”نايك”، يتراوح سعرها بين 10 و15 ألف دينار ليبيعها بضعف الثمن أو أكثر، لكن وائل يحرص على أن تكون كل الملابس التي يشتريها على مقاسه ليس خوفا من كسادها في حال عدم بيعها، بل لأن لبسها هو الواجهة الأولى لعرضها.
يقول فاضل صاحب محل ملابس وأحذية، “زبائننا ليسوا من الفقراء فقط، بل الكثير من الأغنياء يرتادون السوق بحثا عن الملابس المميزة والأحذية المختلفة، خاصة الشتوية التي تمتاز بنوعياتها الجيدة التي لا تجد مثيلا لها في الأسواق الحديثة”.
ويضيف “زبائني معظمهم من متوسطي الدخل وجيده، يوصونني بترك قطع محددة لهم مسبقا، والبعض يطالبنا حين نأتي بـ”بالة” جديدة أن نتصل به قبل عرضها ليختار أفضلها”.
وصارت للفاضل قائمة بأسماء حرفائه وأرقامهم يتصل بهم كل ما يأتي بجديد من الملابس المستعملة، فيدعو أولا الموظفين والمحامين والأطباء الذي يبحثون عن بدلات فخمة وبسعر يحدده ليضمن الثمن الذي اشترى به “البالة”، وبعد ذلك يدعو الشباب المغرمين بالموضة والملابس الشبابية، وفي آخر المطاف يعرض ما تبقى من البالة على البسطات لعامة الناس.
تقول رائدة، وهي طالبة في كلية الفنون في بغداد، “نحن نتردد على سوق الملابس القديمة باستمرار خاصة في موسم الشتاء، ونبحث عن الملابس المميزة ذات التصاميم المختلفة والنوعية الجيدة التي لا يمكن أن نجدها في أسواق الملابس الجديدة، خاصة وأنها تعرض تصاميم متشابهة بحكم استيرادها من قبل تاجر واحد أو اثنين يجلبان ذات الملابس وذات الموديلات”.
وتقول مرام “تجار الملابس المستعملة صاروا يعرفون الماركات العالمية، وأصبحت أسعار بعض الملابس أحيانا أغلى من مثيلاتها الجديدة، لكن الفارق أن تصاميمها مميزة وهي لا تتشابه مع بعضها، وحين يرتدي المرء شيئا منها يعرف أنها قطعة منفردة، وأن غيره لن يرتديها، بالإضافة إلى النوعية التي تعتبر أفضل بكثير”.
ملابس معقمة
تسعى البعض من الدوائر الصحية إلى منع استيراد الملابس المستعملة بعد كشف حالات إصابة بأمراض جلدية بين المواطنين بعد ارتدائهم لهذه الملابس، لافتة إلى أن بعض “البالات” يدخل العراق دون الخضوع للفحوص اللازمة للتأكد من خلوها من الأمراض الجلدية المعدية.
يقول أبو صالح تاجر ملابس مستعملة “إن إشاعات الإصابة بالأمراض المعدية يروجها التجار الكبار وأصحاب المحلات التجارية الكبيرة التي تدفع باتجاه منع „البالات“ لأن تجارتهم أصابها الشلل نتيجة بحث الناس عن كل ما هو رخيص وجيد ومناسب، ثم إن معظم الزبائن يعقمون ويغسلون تلك الملابس بالماء الساخن قبل استعمالها”.
ويقول تاجر مجاور لأبي صالح “الملابس تأتي معقمة ولا خوف من ارتدائها، والإقبال يكون كبيرا عليها في الشتاء خاصة للطبقات الفقيرة والمتوسطة، فكساء خمسة أطفال من عائلة واحدة سيكلف الموظف راتبه الشهري كاملا، لكن كساءهم من سوق „البالة“ لن يكلفه أكثر من 60 أو 80 ألف دينار”.
ويقول أبو صالح إن “السوق مر في السنوات الماضية بكساد، والكثير من التجار أغلقوا محالهم، لكن الأزمة الاقتصادية أنعشت السوق مجددا، فالزحام خلال العام الحالي أكبر بكثير مقارنة بالأعوام الماضية، كما أن الزبائن من الميسورين مازالوا يحرصون على زيارة السوق بحثا عن الملابس والأخذية وعن الأفرشة والأغطية والستائر المميزة التي تباع كلها هنا”.


www.deyaralnagab.com