logo
1 2 3 41134
سيدات العسل… فلسطينيات يساعدن أسرهن ويغيرن مجتمعهن!!
05.09.2016

رام الله ـ من هبة أصلان – تعتبر المشاريع النسوية الصغيرة فرصة للتمكين الاقتصادي للنساء الفلسطينيات وخاصة الريفيات منهن، ومساحة يكملن فيها دور أزواجهن، ويكسرن حواجز اجتماعية تقليدية، ليصبحن سيدات أعمال يعتمدن على أنفسهن في ظل غياب الدعم الحكومي.
لم يكن لدى “أم محمد” الكثير من الوقت للحديث، فقد كانت منشغلة بحفل تخرج ابنها من الثانوية العامة بعد أن حصل على على نسبة 99 في المائة، وتم قبوله لدراسة هندسة الحاسوب في إحدى الجامعات الفلسطينية. وهكذا سيزيد العبء المادي عليها فأولادها الذين يدرسون بالجامعة أصبحوا الآن ثلاثة، لكن تربية النحل وإنتاج العسل جعلا هناك بصيص أمل لدخل مادي إضافي يعينها ويعين عائلتها.
تتشارك “أم محمد” مع خمس نساء أخريات في تربية النحل على تلال قرية كفر مالك شمال شرق مدينة رام الله، حيث وزعن صناديق الخلايا بالقرب من نبتة “الكُميلة” المغذية للنحل في رحلة بحثه عن الرحيق. واليوم وبعد خمس سنوات على بدء المشروع، زاد عدد الخلايا من خمسا وعشرين خلية ليصبح الآن اثنتين وأربعين، تنتجن بالمتوسط 100 كيلو من العسل في موعدي القطاف الشتوي والصيفي.
تتفاوت كمية إنتاج هذا المشروع النسوي من العسل لارتباطها بعوامل مختلفة منها ما يتعلق بالمناخ. فالنحل يحتاج لمناخ معتدل يمكنه من الطيران لمسافة خمسة كيلو متر يبحث فيها عن الرحيق بين الأزهار، وهي أقصى مسافة يمكن للنحل أن يصلها قبل العودة إلى الخلية الأم.
كما تتأثر عملية الإنتاج بالأمراض، التي قد تصيب النحل وتقضي على الخلايا ومنها مرض “الفاروا”، والأعداء التي تهاجم الخلايا مثل حشرة “الدبور”، التي تقتل النحل للحصول على العسل.
جدوى اقتصادية
يرتبط سعر العسل بالجودة، فمثلا عسل “السدر”، الذي يقطف في فصل الشتاء يعتبر الأغلى ثمنا، ويصل سعر الكيلو الواحد منه إلى 38 دولاراً. في حين تبيع النسوة كيلو واحد من عسل “الكُميلة”، الذي يقطف صيفا بـ 25 دولاراً، وتستخدمه الأسر الفلسطينية كعلاج و مُحْلٍ للمشروبات الساخنة والحلوى المختلفة.
يساعد هذا الدخل الإضافي صاحبات المشروع بالمصاريف العائلية، وتتذكر “منتهى”، وهي مسؤولة المشروع، كيف مكنتها أول عملية قطاف للعسل من دفع تكاليف دروس التقوية لابنتها في المرحلة الثانوية وشراء بعض الأدوات المدرسية لباقي الأبناء. أما “رحمة” فاستطاعت أن تضيف العائد المادي إلى مبلغ كانت قد ادخرته لشراء جهاز تلفاز وثلاجة. والنسوة سعيدات بهذا الدخل الإضافي لأسرهن، في ظل نسبة بطالة بين الإناث في الأراضي الفلسطينية تخطت حاجز الـ 40 في المائة، وفقاً لآخر أرقام صدرت في حزيران/ يونيو الفائت، عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
كسر لتابوهات إجتماعية
تعلمت “منتهى بعيرات” (38 عاماً) قيادة السيارة في عمر تعتبره متأخرا، كما تعرضت لانتقادات من حولها، لكن السيارة كانت أحد أهم عوامل استمرار المشروع، الذي مكنها أيضا، من السفر إلى الخارج. فالمشروع تنفذه مؤسسات شريكة إسبانية وفلسطينية ولبنانية، لذلك سافرت منتهى بالطائرة لأول مرة، وتقول ضاحكة: “كان شعورا جميلا، في البداية، ترددت لكن زوجي وأبنائي شجعوني”.
تردد مربيات النحل كان بسبب تعرض مشروعهن لانتقادات وربما سخرية من المجتمع المحيط. فهن متزوجات ولديهن أسر، وكانت هناك أسئلة تلاحقهن مثل: كيف لهن أن يخرجن بأوقات مبكرة جدا أو متأخرة ليلاً، ويسافرن وحدهن ويلتقين مع أغراب؟ لكن النحل والعسل ورغبة النسوة بالتعلم جعلتهن ينجحن في تغيير نظرة مجتمع بأكمله.
دور في استقلال النساء اقتصاديا
كثيرا ما وقع على كاهل المرأة الفلسطينية عبء مسؤوليات الأسرة، في ظل ظروف اقتصادية وسياسية صعبة. وتقول دعاء وادي المديرة التنفيذية لمنتدى سيدات الأعمال الفلسطينيات إن المشاريع الصغيرة، مهما كان حجمها، تساعد الأسر الفلسطينية في التزاماتها المادية وتحسين وضعها الاقتصادي كما تخفف من حدة البطالة.
مشروع مربيات النحل الفلسطينيات ليس الوحيد في الأراضي الفلسطينية؛ فقد سبقه خلال العقد الأخير مجموعة كبيرة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة المدرة للدخل. حيث تستفيد النساء الفلسطينيات من خيرات الأرض ومن التراث التقليدي لفلسطين، فتنشط مشاريع التصنيع الغذائي والمطابخ المنزلية ومشاريع التطريز الفلسطيني التقليدي وغيرها من المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية.
وتؤكد دعاء وادي على الدور الكبير الذي تلعبه المشاريع الصغيرة والمتوسطة في استقلالية النساء اقتصاديا ومساعدتهن على أن يصبحن صاحبات قرار، خاصة وأن معظم الأموال، التي تجنيها تلك النسوة يقمن بصرفها على أولادهن وبيوتهن، فتعين زوجها في مصاريف المنزل، لكنها تصبح صاحبة سلطة وقوة أكبر.
التمويل الخارجي وضعف الدعم الحكومي
يندرج مشروع مربيات النحل في كفر مالك، ضمن مشروع تبادل الدراية والمعرفة بين النساء الريفيات في دول حوض البحر المتوسط، والممول من الاتحاد الأوروبي. وبحسب ناصح شاهين، من مؤسسة الإغاثة الزراعية الفلسطينية، والمنسق للمشروع، فإن تربية النحل مشروع تم تنفيذه في قرى كفر مالك ودير بلوط وفي قطاع غزة واستفادت منه 20 امرأة، استطعن تحسين دخلهن ودخل أسرهن.
وتنشط في الأراضي الفلسطينية المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي أمست المرأة، في العقد الأخير، محور اهتمامها، ويبرز فيها دور المؤسسات الأجنبية، وذلك ضمن إستراتيجية أوسع تستهدف قضايا النوع الاجتماعي وتمكين المرأة والتركيز على مختلف الأدوار، التي تقوم بها وتثقيفها اقتصاديا من خلال تدريبات ذات صلة ومكثفة.
وبينما تنشط الجهات الأجنبية في هذا المجال، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع الخاصة بالنساء، نجد أن دور الحكومة الفلسطينية محدود ومتأخر. ويفند وليد عرسان، مدير دائرة النحل في الإدارة العامة للإرشاد والتنمية الريفية في وزارة الزراعة الفلسطينية، هذا الرأي، مشيراً إلى مشروعين اثنين بدأت الوزارة العمل فيهما مؤخراً، وتستهدف من خلالهما 200 مستفيد من مختلف المحافظات الفلسطينية.
تركنا “سيدات العسل” في كفر مالك يقمن على أمر النحل في الخلايا. فصعودهن إلى التلة في طرف القرية والكشف عن الخلايا وتقديم ما يلزم من علاجات ورعاية وظائف يومية أساسية لقطاف موسمي مجد من العسل الطبيعي!!


www.deyaralnagab.com