رمضان في لبنان يجمع مسيحيين ومسلمين على مائدة التسامح !!
13.06.2016
تكتسي أجواء رمضان في بيروت خصوصية يغذيها التنوع الديني حيث يحرص بعض المسيحيين على مشاركة المسلمين صومهم وحضور موائد الإفطار الشهية سواء في البيوت أم في المطاعم، ويشاركونهم سهراتهم بدوافع عديدة منها الفضول والتكافل، كما يشارك المسيحيون وخاصة الشباب رفاقهم المسلمين في سهرات المقاهي والخيم حيث يدخنون النرجيلة على أنغام الطرب ورائحة “القهوة العربيه”.
بيروت – يشارك العديد من المسيحيين إخوانهم المسلمين في لبنان طقوس شهر رمضان، فيصومون مع أصدقائهم وجيرانهم ويحضرون مآدب الإفطار في البيوت والمطاعم من باب الفضول والترفيه أو التكافل الاجتماعي، ولا يتخلفون عن السهرات في المقاهي والخيم الرمضانية.
هذه الظاهرة التي ازداد انتشارها مؤخرا في لبنان رسالة فيها الكثير من المحبة وتؤكد التوق إلى السلام والعيش باطمئنان في ظل تصاعد التشدد الطائفي والمذهبي في منطقة الشرق الأوسط.
تقول جوزيفين (28 سنة)، “أحاول مشاركة إخواني المسلمين أجواءهم الرمضانية وتقاليدهم حتى أتمكن من معرفة الآخر عن قرب وأنفي الاختلافات المزعومة بين المسلمين والمسيحيين، فبرأيي، الاختلاف في الديانة لا يقطع سبل التعايش مع بعضنا، ذلك أن رمضان يقربنا من بعضنا ويكشف لنا أن قواسم التعايش المشتركة أكثر من أسباب الفرقة والتباعد”.
وتضيف أن” المسيحيين ينقسمون إلى قسمين؛ قسم يرفض التقرب والتواصل مع المسلمين، إذ لا تعنيهم طقوس المسلمين الدينية ذات الطابع الاجتماعي، كرمضان الذي يعتبر شهر التكافل والتسامح، وذلك يرجع إلى الحرب الأهلية التي فرقت بين اللبنانيين، وهناك مسيحيون منفتحون يتفاعلون مع بقية طوائف المجتمع، إذ تجدهم ينخرطون في أجواء رمضان، فمنهم من يحاول الصيام، ومنهم من يكتفي بالمشاركة في السهرات الرمضانية”.
تشيـر الوثـــائق التــاريخية إلى أن المسيحييـن كانوا يشاركون المسلمين أعيادهم ومناسباتهم، وأهمها شهر رمضان، والعكس صحيح في المناسبات الدينية المسيحية.
ويقول المؤرخ حسان حلاق كان وسط بيروت يشكل صورة نموذجية للتعايش بين المسلمين والمسيحيين، منذ العهد العثماني، “إذ كان الجميع يحرصون في أول أيام رمضان على زيارة المسلمين في محلاتهم التجارية حاملين معهم بعض الأنواع من الحلويات الرمضانية المعروفة”.
ويُسجل المؤرخون اللبنانيون “أنّ الوالي العثماني كان يُقيم الإفطارات في رمضان داعيا رجالات الدولة من المسلمين والمسيحيين، وأن عددا من رؤساء الجمهورية السابقين وعلى رأسهم بشارة الخوري كان يحرص سنويا على المجيء إلى صالون الجامع العمري الكبير لتقديم المباركة للمسلمين ولا سيما مفتي الجمهورية آنذاك محمد خالد”.
للتقاليد والعادات الرمضانية أساس متين بين اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، وهذا التواصل يبرز بأبهى حلته في المناطق الريفية كما في المدن اللبنانية، ذلك أن سكان الحارة الواحدة من المسلمين والمسيحيين يحترمون عادات بعضهم؛ ففي أيام الصيام المسيحية والمسلمة على السواء لا تجد من يأكل في الشارع أمام الملأ، بل من المسحيين من يحاول الصيام لأسباب متعددة منها الفضول ومنها التكافل أو الاحترام.
يقول جورج إنه يحاول كل سنة الصيام وقد نجح السنة الماضية في الصمود لمدة 11 يوما كاملة، في حين لا تصوم زوجته سونيا إلا إذا دعتها صديقاتها إلى الإفطار، واختيارها هذا يأتي من قناعة أنها تريد أن تشارك صديقاتها كل الأجواء الرمضانية، فتصوم من الفجر حتى غروب الشمس، وعلى الرغم من أنها تشعر في كل مرة ببعض التعب والإرهاق إلا أن صيامها هذا يجعلها تشعر بسعادة غامرة وارتياح نفسي شديد.
وتساهم الجمعيات اللبنانية المسيحية أو المسلمة في الحفاظ على هذا التواصل بين الطوائف من خلال الضيافات التي تنظمها في إطار الفعاليات الخيرية أين لا يفرق المرء بين مسيحي ومسلم طالما أن الجميع لبنانيون.
احترام الآخر نجده أيضا في مكان العمل، إذ لا يتعمد المسيحي استفزاز زميله المسلم في رمضان بأن يأكل أو يدخن أمامه في المكتب.
جورج وأحمد يعملان في مؤسسة واحدة في بيروت، يقضيان ساعـــات طويلة في المكتب نفسه لذلك يرى جورج أن “أقل ما أفعله أن أشارك زميلي الصوم، أو على أقل تقدير أن أحترم صيامه.. فما أقوم به هو معاملة بالمثل لما فعله أحمد في فترة الصوم عند المسيحيين، وهذه هي العدالة والمحبة القائمة على المعاملة بالمثل”.
أما إلياس فيبدو أنه حاول أن يعيش تجربة الصيام خلال شهر رمضان إلا أنه لم يفلح مع أول يوم بدأه على الرغم من رغبته الجامحة في ذلك لأن حرارة الطقس أدت به إلى الشعور بعطش أجبره على شرب الماء منذ الساعات الأولى.
يقول إلياس إنه حاول أن يشارك بالصيام هذا العام، وامتنع عن الطعام والشراب في اليوم الأول من رمضان “ولكنني مع تقدم ساعات النهار لم أستطع أن أتابع صيامي لشدة العطش والحر… فاضطررت إلى شرب الماء”.
ولفت إلى أن هذه التجربة كانت شاقة عليه، “على أمل أن أصوم عندما يحل رمضان في فصل الشتاء”. وأوضح أن سبب نيته الصيام في رمضان مع المسلمين “مشاركة أصدقائي المسلمين ورسالة حب لهم”.
وقررت كريستين خوض تجربة صيام شهر رمضان هذه السنة، على الرغم من طول ساعات الصيام التي تفوق 16 ساعة والطقس الحار الذي يزيد الوضع صعوبةً.
انضمت كريستين هذا العام إلى مسيحيين آخرين اعتادوا مشاركة المسلمين الصيام في شهر رمضان، لكل منهم دوافعه الخاصة به، لكن جميع هذه الدوافع تعكس نموذج التعايش في لبنان الذي يبقى هو الرد على تصاعد العنف الديني في المنطقة وضرورة نبذه خاصة في السنوات الأخيرة.
وقالت كريستين، التي تسكن في منطقة المتن المسيحية شمال بيروت، إنها صامت أياما من شهر رمضان الحالي “لتشعر بما يشعر به المسلمون خلال الصيام خاصة في هذا الجو الحار”.
وأوضحت أن صيامها مع المسلمين بدا غريبا بالنسبة إلى عائلتها التي لم تعترض على هذه الخطوة باعتبار أنها “تجربة تقوي التواصل الاجتماعي مع المسلمين في لبنان” الذي يضم 18 طائفة. وشددت على أن صيامها كمسيحية في شهر رمضان في المنطقة “يؤكد أنه لا فرق بين مسلم ومسيحي بالمواطنة”، مضيفة أنها “دعوة للمسلمين من أجل التلاقي”.
ويعطي إيلي نموذجا عن مدى التسامح الذي يجب أن يسود المنطقة بسبب الاقتتال الطائفي الذي لا علاقة له بالديانة الإسلامية وبكل الديانات السماوية.
وقال “أنا أصوم بعضا من شهر رمضان بالرغم من كوني مسيحيّا، لأني أعتبر أن هذا تمسك بدين سماوي أيضا… ولا مشكلة في ذلك.. فالصيام بالنسبة إلي رسالة محبة واعتراف بالآخر ودعوة إلى التعايش معا خاصة في هذا الزمن الصعب”.
ومع أن إيلي يبدو متصالحا مع نفسه، فإنه لا يخبر إلا المقربين جدا منه بشأن صيامه “خوفا من بعض المسيحيين المعترضين أو من بعض المواقف المزعجة من هنا وهناك، أنا بغنى عنها”.
المسيحيون الذين لهم علاقات صداقة أو جوار مع المسلمين لا يغيبون عن السهرات الرمضانية سواء كانت في البيوت أم في المطاعم والمقاهي لأجوائها الساحرة التي تختلف عن بقية سهرات السنة. سمير طبيب مسيحي ينتظر شهر رمضان للخروج مع أصدقائه في الليل إلى المقهى ليدخن النرجيلة في جو حميمي مصحوب بالغناء والعزف دون ضجيج سواها من السهرات فهذه السهرات تفتح له خيالا عن سهرات ألف ليلة وليلة، ليختتم سهرته بوجبة سحلب (حليب ممزوج ببعض البهارات) أو عرق السوس والتمر الهندي.
وتقول لينا وهي فتاة مسيحية تعيش مع صديقاتها في منزل مشترك في بيروت “أنتظر شهر رمضان مثل المسلمين وأعشق لياليه الجميلة، وخاصة السهرات الرمضانية التي تجمع الكل في الخيم الرمضانية التي تمتاز بديكور من الطراز العربي فهي تسافر بنا إلى الجو الروحاني والنفسي السائد فى شهر رمضان”، مضيفة “أتخيل نفسي وكأني في عالم غير الذي أعيش فيه؛ إنه عالم متخيل تزينه النراجيل والموسيقى ورائحة القهوة العربي”.
طوني الذي يصطحب في عطلته الأسبوعية أصدقاءه من المسلمين والمسيحيين إلى الخيم الرمضانية يؤكد أنها متنفس مفيد، “ويصبح السمر أحلى بلقاء الأصدقاء حول النرجيلة وبحضور الطرب والغناء والأكلات المتنوعة والمرطبات وغيرها في أجواء تميزها الديكورات العربية والشرقية، هي سهرة ننظمها كل أسبوع حتى موعد السحور لنبدأ أسبوع عمل جديدا”.
www.deyaralnagab.com
|