عُمان : صيادو ظفار يحتفون بكرم البحر في كل المواسم !!
23.05.2016
تطل سلطنة عمان على ثلاثة بحار متنوعة البيئات والظروف الجغرافية، الخليج العربي وبحر عمان وبحر العرب، بالإضافة إلى أن هذه البحار جزء متصل بالمحيط الهندي الواسع. هذا التنوع في البحار، يضاف إليه التغير المستمر في التيارات المائية وتنوع قيعان البحار لتشمل بيئات الشعاب المرجانية والصخور والرمال والجبال في مواقع عميقة من البحار، أدى إلى تنوع كبير وهائل في الأسماك والرخويات والقشريات والسلاحف البحرية والحيتان والدلافين في السلطنة.
صلالة- تقع محافظة ظفار على بحر العرب ويوجد بها العديد من الثروات السمكية المتنوعة على سواحلها الممتدة من ولاية ضلكوت غربا إلى نيابة شربثات شرقا، حيث أولت السلطنة هذه الثروات قدرا كبيرا من الاهتمام نظرا إلى أهمية القطاع السمكي باعتباره من الركائز المهمة في تنمية الاقتصاد الوطني.
ويعمل العديد من سكان المحافظة في مهنة الصيد وباقي المهن الأخرى المتعلقة بالقطاع السمكي، الأمر الذي يساعد على قيام مشاريع وصناعات سمكية تخدم المجتمع المحلي ويحقق عوائد اقتصادية هامة خاصة بعد تنظيم صيد وتداول الثروة السمكية حتى أضحت الثروة مستمرة في عطائها ونموها وتتطلب المحافظة عليها.
ويعد الصيادون في مختلف مناطق ظفار عدتهم مبكرا من أجل استقبال مواسم صيد الأسماك بمشاركة أفراد الأسرة من النساء والأطفال، حيث يختلف ذلك الإعداد باختلاف نوعية الأسماك التي سيتم صيدها. وتتركز جهود الرجال من الصيادين في التحضير لعملية الصيد التي تبدأ بصيانة المراكب وجلب الأدوات التي تحتاج عملية الصيد إلى زيادة في عددها مثل الأقفاص الخاصة لكل نوع من أنواع السمك. أما بقية أفراد الأسرة فيكون استعدادهم منصبا على المعاونة في تحضير أدوات الصيد وتهيئة الأجواء للحصول على صيد وفير.
ولمهنة صيد الأسماك في المحافظة جانب اجتماعي وثقافي مرتبط بالإرث المعرفي السمكي والذي يعد ذاكرة ثقافية واجتماعية واقتصادية للمهنة بالسلطنة.
وتقوم السلطات المختصة في المحافظة بتنظيم مواسم الصيد وتحديد موسم خاص لصيد بعض أنواع الأسماك والرخويات والقشريات كالصفيلح والحبار والشارخة والربيان والسردين وأسماك التونة والكنعد وأسماك البياض كالهامور باستخدام طرق صيد معينة تتمثل في استخدام الشباك والخيوط والأقفاص.
ويبدأ موسم صيد الحبار خلال الفترة من شهر سبتمبر وحتى شهر ديسمبر من كل عام ويتواجد بكثرة في ولايتي جعلان بني بوعلي وبني بوحسن وولاية مصيرة بالمنطقة الشرقية. ويتم اصطياد هذا النوع في فترة غروب الشمس في حالة المد والجزر وفي الأيام المقمرة وذلك بين الصخور البحرية المحاذية للشاطئ.
ويبدأ في سبتمبر موسم صيد الروبيان والذي يستمر إلى نهاية شهر نوفمبر، حيث تشكل هذه الثروة البحرية أهمية اقتصادية للصيادين العاملين في قطاع الصيد الحرفي بمحافظتي الوسطى وجنوب الشرقية وعدد من ولايات محافظة ظفار، وهي المناطق التي تستأثر بتواجد مصائده.
والروبيان كائن بحري من فصيلة القشريات وتكمن قيمته الغذائية في كونه مصدرا أساسيا للبروتين، ويمكن اعتباره غذاء بديلا لبروتين اللحوم كما يمتاز باحتوائه على كمية قليلة جدا من الدهون.
وهناك أيضا موسم صيد جراد البحر أو الشارخة حيث أدى تزايد الطلب عليها إلى ارتفاع نشاط عملية صيدها بكميات كبيرة وذلك باستخدام الشباك بدل الأقفاص، ما أدى إلى تدخل الدولة بوضع حد لهذه التجاوزات، فصدر قرار وزاري يحظر صيد الشارخة في جميع المياه العمانية خلال مواسم إخصابها وتوالدها الطبيعي.
وحدد موسم صيد الشارخة خلال الفترة من شهر ديسمبر وحتى شهر يناير، ويتم اصطياده بكثرة في المنطقة الوسطى ومحافظة ظفار وذلك باستخدام الأقفاص.
وتشتهر محافظة ظفار بإنتاج سمك الصفيلح الذي يعرف عربيا باسم “أذن البحر” وعالميا “الأبالوني”، ويعتبر من الثروات البحرية النادرة ومن الأنواع الاقتصادية المهمة التي تزخر بها المياه العمانية ويتم تصدير أغلبه إلى الأسواق الخارجية خاصة دول شرق آسيا كهونغ كونغ وسنغافورة وتايوان عن طريق تجار محليين.
وهناك موسم لصيد سمك الصفيلح الذي يبدأ من منتصف شهر أكتوبر وحتى منتصف شهر ديسمبر من كل عام، وجعلت الفترة المتبقية من السنة لتوالد وإخصاب هذا الكائن البحري.
ومن بين 120 نوعا معروفة عالميا من الأبالوني، هناك 20 نوعا لها قيمة اقتصادية، ويوجد في سلطنة عمان نوع واحد من أفضل الأنواع اسمه العلمي “هولوتيوس ماريا”.
وتنفرد السلطنة دون غيرها من الدول العربية بتوفر هذا الكائن البحري الرخوي الذي تتواجد منه أنواع أخرى في الصين واليابان وجنوب أفريقيا وكندا وأميركا وأستراليا، ويعد من أشهر الأطعمة البحرية في العالم ويعرفه الذواقة باسم “شريحة اللحم البحرية”.
ويستخدم الصيادون في استخراج محارة الصفيلح التي تكون ملتصقة بالصخور أداة تشبه السكين ومنظارا للعين وسلة مربوطة حول الخصر فقط. ولا يسمح باستخدام أسطوانات الأوكسجين والأدوات الحديثة الأخرى في الصيد حفاظا على محدودية الكمية.
ويتكبد الغواص مشقة كبيرة في عملية استخراجه لهذه المحارة، وتواجهه الكثير من الصعوبات، تتمثل في برودة البحر ووجود أعشاب كثيرة في مواقع تواجد الصفيلح، مما يكون له أثر كبير في إعاقة الغوص بإثارتها حساسية شديدة عند احتكاكها بجسمه، إضافة إلى كثرة أسماك ثعابين البحر المعروفة محليا بـ”العيروف” التي تشكل خطرا على الغواص.
وتسمح الأعراف المحلية للنساء في السلطنة المحافظة بالصيد قبل بدء الموسم بحوالي أسبوعين، وهناك العشرات منهن يمارسن صيد الصفيلح في مصائد قريبة من الساحل.
ويعتبر فصل الربيع الموسم الجيد لصيد أسماك السردين التي غالبا ما يستبشر بها الصيادون خلال هذا الفصل من السنة الذي تتكاثر فيه وتظهر بكميات كبيرة على مشارف شواطئ ظفار، كما تشهد هذه الفترة من السنة تواجد الأسماك السطحية الكبيرة التي تتعقب أسماك السردين، وهي أسماك ذات قيمة غذائية عالية، مثل الكنعد وأسماك التونة التي تكفي حاجة الأسواق المحلية، ويصدر الفائض إلى الخارج خاصة الأسواق القريبة.
ويصطاد البحارة في محافظة ظفار أسماك السردين بالطرق المختلفة عن طريق جماعات تسمى بالضواغي، وهم مجموعة كبيرة من الصيادين تشترك في اصطياد كميات كبيرة من أسماك السردين التي يستمر موسم صيدها حتى بدء شهر يوليو، حيث تتوقف عملية الصيد نظرا إلى صعوبة ركوب البحر في فصل الصيف في المحافظة.
وسعيا من الحكومة نحو مزج خبرة الصياد العماني وحرفته التقليدية المتوارثة مع روح العصر الحديث التي تقوم على الأسس العلمية الحديثة والأسباب الفنية المتقدمة، قامت بتنفيذ برامج لتنمية الموارد السمكية المتوفرة ودعم قطاع الصيد متمثلة في صندوق تشجيع الصيادين وتحسين مرافق الإنزال وإنشاء الورش البحرية ومرافق التبريد والتخزين.
وقام مشروع تحسين جودة الأسماك بأسواق الأسماك بمحافظة ظفار الذي نفذته المديرية العامة للثروة السمكية خلال عامي 2012 و2013 بصيانة وتأهيل سوق الأسماك بولاية صلالة، وذلك بإدخال نقلة نوعية في شكل عناصر السوق وتشجيع المستهدفين من الصيادين والبائعين ومقطعي الأسماك والناقلين من خلال استخدام الأدوات التي تضمن وصول الأسماك بجودة عالية إلى المستهلك، إضافة إلى دعم وتشجيع فئات الشباب على فتح منافذ تسويقية للأسماك بولايات محافظة ظفار.
ويتم تنفيذ مشروع دراسة بيولوجية ومصائد خمسة من أنواع الأسماك التجارية بمحافظة ظفار ذات القيمة الاقتصادية العالية في الأسواق المحلية والخارجية من قبل المديرية العامة للبحوث السمكية ممثلة بمركز البحوث السمكية بمحافظة ظفار.
ويتضمن المشروع دراسة بيولوجية ومصائد هذه الأسماك بمحافظة ظفار، وتوفير قاعدة بيانات علمية تستخدم في إدارة مصائد الأسماك المستهدفة بالدراسة، وتقدير أعلى إنتاج مستدام لمخازن هذه الأسماك وتحديد الخصائص البيولوجية للأسماك المستهدفة بما يشمل المخزون السمكي وتحديد مواسم التكاثر ومعدلات النفوق والبقاء.
وتقوم وزارة الزراعة والثروة السمكية في السلطنة بتنفيذ مشروع تنموي إرشــــادي في نيابة جزر الحلانيات بولاية شليم، وبتمويل من صندوق التنمية الزراعية والسمكية بتكلفة مائتي ألف ريال عماني كمرحلة أولى، وينفذ المشروع على مدى عامين.
ويستهدف هذا المشروع تطوير قدرات سكان الجزيرة في مجال الإنتاج الزراعي والسمكي والحيواني عن طريق توفير حزم وحقول تنموية في مجال الزراعة والثروة السمكية والحيوانية وتدريب أبناء الجزيرة على استغلال وإدارة هذه المشاريع بهدف تنمية مهارات المواطنين لسد احتياجاتهم من المنتجات الغذائية.
وقال علوي بن سالم آل حفيظ، مدير عام المديرية العامة للثروة السمكية بمحافظة ظفار، “إن المديرية في إطار إيمانها بمبدأ الشراكة في الإدارة السمكية مع المجتمع، تعمل وفق منهجية واضحة هدفها العام النهوض بالقطاع السمكي بالمحافظة وتشجيع الصيادين وأبنائهم على الاستمرار في المهنة وتحسين مستوى جودة الإنتاج السمكي وبالتالي تحقيق مفهوم التنمية المستدامة”.
وتحدث في هذا الصدد عن موانئ الصيد البحري باعتبارها من البنى الأساسية والمهمة لتنمية القطاع السمكي التي ركزت عليها الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة والثروة السمكية إيماناً منها بأهمية توفير الخدمات الضرورية للصيادين وتوفير الحماية لقوارب وسفن الصيد مما يساعدهم على مزاولة نشاط الصيد بشكل ميسر،
إلى جانب الإسهام في تسهيل عمليات الرسو وإنزال الأسماك وتحسين مداولة المنتج وتطوير وسائل نقله وحفظه وتسويقه بما يتماشى مع الشروط والمواصفات العالمية في مجال الجودة وتطوير مجتمعات الصيادين عن طريق توفير المشاريع والخدمات وإيجاد فرص عمل لعدد من المواطنين.
وأضاف أن عدد موانئ الصيد القائمة حاليا بمحافظة ظفار يبلغ ثلاثة موانئ في ولايات ضلكوت وصلالة ومرباط، ويتم العمل حاليا على استكمال وافتتاح ميناء الصيد البحري في ولاية طاقة، وكذلك استكمال إنشاء ميناء الصيد البحري بجزر الحلانيات وميناء حاسك، وتتضمن خطط الوزارة إنشاء موانئ جديدة في كل من رخيوت وسدح وشليم وجزر الحلانيات، إضافة إلى تطوير الموانئ القائمة.
وأوضح أنه توجد بموانئ الصيد حاليا أعداد من المرافق الخدمية للصيادين مثل أسواق الأسماك ومصانع الثلج وورش صيانة المعدات البحرية ومحطات الوقود ومخازن الأسماك حيث يتم تشغيل تلك المرافق من قبل القطاع الخاص.
www.deyaralnagab.com
|