الشاي الأخضر عشق الكبار والصغار في موريتانيا !!
16.04.2016
لا يغيب الشاي عن مجالس الموريتانيين ولا ترتاح نفوسهم إلا بعد تناول كؤوس من الصنف الأخضر تعلوها رغوة تفتح شهيتهم، فهو بالنسبة إليهم بلسم ووقاية من مشاق الحياة ومتاعبها، فالكل يشربه بشغف وينفق بسخاء لشرائه، فقراء كانوا أو أغنياء، حتى أضحى تقليدا له أبعاده الاجتماعية تطيب به مجالس الأنس والطرب في المناسبات
نواكشوط - يعتبر الشعب الموريتاني من أكثر الشعوب اهتماما بتحضير الشاي بطريقة أصبحت جزءا من تقاليد وهوية المجتمع، حيث يتباهى الموريتانيون بعشقهم للشاي الذي يسمونه “التاي”.وتعتبر الطقوس التي تصاحب تناول الشاي الأخضر (وهو الصنف الوحيد الذي يستهلكه الموريتانيون)، من السمات التي تميز الشعب الموريتاني عن الشعوب الأخرى، وهو ما ينال إعجاب السياح والزائرين لبعض المناطق السياحية في موريتانيا.
وأكدت دراسة سنة 2015 أن 99 بالمئة من الموريتانيين يتناولون الشاي، واعتبرت أن الشاي هو المشروب الشعبي الأول في موريتانيا بامتياز، حيث يتناوله الموريتانيون في جميع الأوقات وبكافة الأماكن، بل يعتبر من الموروث الأصيل ومن العادات والتقاليد الموريتانية العريقة.
وتحتاج طريقة إعداد الشاي إلى أياد خبيرة وحسّ مرهف، فبعد اختيار أوراق الشاي يتم وضعها في إبريق صغير ويضاف إليها الماء الساخن تدريجيا، ثم يرجّ بعد ذلك جيدا لتنقيته من الشوائب والمواد الحافظة.
وبعد أن تتم هذه العملية تصب الخلاصة في كأس ليعاد مجددا إلى الإبريق، الذي يوضع على نار هادئة في موقد للفحم ويترك لدرجة تقارب الغليان، ثم تبدأ عملية صنع الرغوة في كافة الكؤوس الصغيرة، وذلك برفع الإبريق عاليا وصب الشاي في الكؤوس، وبعدها يضاف السكر إلى جانب النعناع الأخضر.
وترتبط طقوس تحضير الشاي بتوفر شروط أساسية يختصرها المثل الموريتاني الذي يقول “التاي لا بد له من 3 جيمات، الجماعة، والجمر، والجر”، ومعناه أن الشاي لا يصلح إلا بتوفر جماعة من الناس يحضر لهم “القيّام”، وهو معد الشاي وعادة ما يكون أصغر الجماعة سنا، وهو من يحرص على وضع الشاي على جمر ملتهب والتأني في تقديم ثلاثة أدوار على الأقل يسمّى كل دور “أبراد”، والإطالة بشكل يتناسب مع الفترة الزمنية التي يدوم فيها اجتماع المجلس، ومن آدابه أن يكون هو آخر من يشرب وألا تظهر سيقانه أمام جماعته، أي لا يقف من مكانه حتى ينتهي الشاي، أما الذي يجهز أدوات الشاي فيدعى “السخار”.
ويرمز الشاي لمشاعر الفرح والتقدير للضيف في موريتانيا، حيث يروى أن أحد القدماء كان يتورّع عن شرب الشاي وصناعته، فجاءه ضيف، فقال المضيف للضيف “لقد عرضت الشاي على الشرع فلم أجد له ما أقيسه عليه، (وذلك من باب أنه يجب على المسلم ألا يقدم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه)، فأجابه الضيف، كان عليك أن تعرضه على الضيف أيضا”.
وفي بعض الأوساط يكون من علامات رضى الفتاة بخطيبها أن تتولى بنفسها إعداد الشاي له، وضمن مراسم الزواج يستحسن أن تكون ضمن المهر الذي يتقدم به الزوج أدوات صناعة الشاي ومستلزماته.
وللشاي طقوسه من ذلك أنه تترتب غرامة مالية على من ينصرف قبل إكمال الأدوار الثلاثة، وللشارب مكافأة إن رمي الكأس فجاءت واقفة، وللمرأة أن تسأل الشخص الذي توجهت له فوهة الكأس ما شاءت ولا يكذب في الإجابة ولا يراوغ.
وقد أثار دخول الشاي الأخضر لموريتانيا أول الأمر جدلا بين من رأوا جواز استعماله كنوع من الترفيه، وبين من رأوا فيه إسرافا وتبذيرا ولهوا دفعت بالبعض منهم إلى أن يفتوا بحرمته، إلا أن ذلك الجدل لم يلبث أن تلاشى ليفسح المجال واسعا أمام حضور قوي لـ”التاي” كظاهرة اجتماعية وثقافية للموريتانيين. وقد تغنى شعراء موريتانيا بجلسات الشاي وأدبياتها، حيث يقول الرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه ضمن حديثه في مذكراته عن الشاي ومكانته في حياة الموريتانيين “جرت المناظرات الفقهية بين فقهاء يرون حرمة استعمال الشاي بوصفه مضيعة للوقت والمال، وآخرين لا يرون مسوغا لذلك التحريم ويرفضون بالتالي حجج خصومهم. ولا أعرف ما إذا كان هناك علماء ما يزالون يقولون بحرمة الشاي”.
ويضيف “هناك نوع آخر من المناظرات الشعرية دارت هذه المرة بين أنصار ثلاثية الكؤوس في جلسة الشاي ودعاة الرباعية، كما جرت مناظرات أخرى بين الداعين إلى ملء الكؤوس إلى النصف أو إلى ثلاثة أرباعها، وبين من يريدونها مترعة.”
www.deyaralnagab.com
|