الفقر والجوع : موت بطيء من أجل الحياة في إقليم كردستان العراق!!
09.04.2016
عراق اليوم عراق الفقراء والمشردين واللاجئين حتى أصبح العديد من أهله يقتاتون مما تجود به المزابل ومصبات الفضلات في ظل الفساد السياسي الذي حول العراق من بلاد الخير إلى بلاد الفقر، كما هو الحال في مدينة السليمانية التابعة لإقليم كردستان العراق
السليمانية (العراق) - صراع شديد مع الحياة، ربما تكون هذه العبارة عنوانا مناسبا تماما لعشرات الأشخاص من الذين يقتاتون يوميا من نفايات مدينة السليمانية.
تجمع البلدية في مدينة السليمانية يوميا أطنانا من النفايات وتغادر بها شرقا على بعد كيلومترات من مركز المدينة إلا أن الأمر لا يتوقف هنا، فالأغراض التي انتهى استعمالها بالنسبة إلى الكثير من الناس وأصبحت قمامة تعتبر لكثيرين آخرين أدوات مهمة للاستمرار في الحياة.
ويعمل نحو خمسين شخصا بثياب متسخة بالطين ووجوههم ملثمة كل يوم وسط النفايات، التي ترمى في السليمانية وفوق مساحة حوالي 500 كلم مربع، على جمع كل ما يمكن بيعه خصوصا النحاس والألمنيوم والبلاستيك وهي مواد يزداد عليها الطلب.
والعاملون في هذا المجال لا يعتبرون عملهم “مهنة نظيفة” ولا يريدون الظهور، كما يخشون من أن يؤدي الحديث عنهم في وسائل الإعلام إلى قطع أرزاقهم ومنعهم من العمل، حيث تحاول البلدية والأجهزة الصحية بين الحين والآخر إبعادهم عن هذا العمل حفاظا على سلامة أرواحهم.
اردلان يوسف (24 سنة) هو أب لأربعة أطفال اضطر بسبب صعوبة العيش إلى ارتياد منطقة تانجرو كل صباح في انتظار وصول نفايات السليمانية كما يقول، ويجمع المواد البلاستيكية حتى الساعة الرابعة بعد الظهر ثم يقوم ببيعها للمعامل الصغيرة التي تقوم بإعادة تدوير البلاستيك واستخدامه في صنع أدوات أخرى، ويحصل من عمله هذا على عشرة آلاف دينار في اليوم.
وقال اردلان لموقع “نقاش” إن “حياتنا صعبة للغاية، فبالإضافة إلى المشاكل الصحية نخشى أن تدوسنا إحدى الجرافات والآلات التي تعمل على جمع النفايات في المنطقة”.وعلى بعد أمتار من اردلان كان هناك صبي في الثانية عشرة من عمره فضل مناداته بـ”آري”. كان يبحث عن الحديد والنحاس بين أكوام النفايات، وقد اضطر وهو في هذه السن المبكرة إلى تأمين لقمة العيش لوالدته وأخته الوحيدة لأن والده قد فارق الحياة.
آري الذي كان يتحدث دون أن يتوقف عن العمل، قال “نحن نعلم أن هذه النفايات مضرة وتشكل خطرا على حياتنا باستمرار، إذ تعرضنا إلى إصابات بجروح في أيدينا وأرجلنا، كما نخشى أن تدوسنا الآلات، ولكننا مضطرون إلى مزاولة هذا العمل، الذي لم نجد سواه، ولن نتمكن من العيش إن لم نعمل”. ويحصل آري من عمله هذا على حوالي خمسة عشر ألف دينار في اليوم.
وتقوم 500 شاحنة بجمع النفايات من أحياء السليمانية ورميها في منطقة تانجرو يوميا كما تعمل ست من الجرافات والآلات الخاصة على جمع هذه النفايات في المنطقة فوق بعضها البعض ويحاول الصبية من الشباب بين مدة وصول النفايات وحتى بدء عمل الآلات أن يفرزوا الأغراض التي يمكن بيعها.
نيان امرأة في الثلاثين من عمرها، منذ سنوات وهي تأتي كل يوم مع زوجها إلى منطقة تانجرو لجمع الأغراض التي يمكن بيعها بين النفايات من أجل تأمين العيش لهما ولأطفالهما الثلاثة.
قالت نيان “فضلا عن الروائح الكريهة وخطر الأمراض نخشى أحيانا من أن نقع تحت النفايات ونفقد أرواحنا”.
مخاوف نيان في محلها فقد أشار مسؤولو البلدية إلى أن عددا من الأشخاص قد وقعوا تحت الشاحنات وآلات جمع النفايات حتى الآن.
وقال رزكار أحمد مسؤول قسم الخدمات في بلدية السليمانية حول الموضوع “لقد منع هؤلاء الناس من العمل خلال السنوات الماضية ولكن لا يمكن منعهم الآن بسبب الأزمة المالية التي تمر بها كردستان”.
وأضاف رزكار “لقي اثنان من جامعي القمامة حتفهما بسبب وقوعهما تحت الآلات، ولكن بعض الناس مستمرون في عملهم، وقد اقترح عليهم عدة مرات تركه والعمل كمنظفين في البلدية إلا أنهم رفضوا ذلك بحجة قلة الرواتب”.
ولا يشكل الوقوع تحت الآلات خطرا على جامعي القمامة فقط بل هناك خطر انتشار العديد من الأمراض في المنطقة أيضا، كما يؤكد الأخصائيون الصحيون.
وقالت الدكتورة نياز محمد أخصائية أمراض الجلد إن “الذين يعملون يوميا بين تلك النفايات ليسوا محصنين، فهناك خطر دائم على حياتهم، لأنه من المحتمل أن يصابوا في أي لحظة بأمراض مزمنة بمجرد لمس النفايات، فتلك المواد مضرة وتحتوي على جراثيم تنمو في جسم الإنسان خلال فترة قصيرة وبعد إكمال دورة نموها تصيب الإنسان بأمراض فتاكة، وتعتبر النفايات الطبية من أخطر أنواع النفايات”.
وأضافت الدكتورة نياز أن “الخطر ليس على حياة هؤلاء فحسب بل من شأنهم أن يتحولوا في النهاية إلى وسيلة لتفشي الأمراض من خلال العدوى”.
وعلى الرغم من تحذيرات البلدية والأخصائيين الطبيين من خطورة عمل جامعي النفايات إلا أنهم كما يقولون ليس لديهم حل آخر ولابد أن يخوضوا هذا الصراع الشديد.
www.deyaralnagab.com
|