براءة أطفال موريتانيا تضيع في سوق العمل!!
28.01.2016
هم أطفال في عمر الزهور أجبرتهم الحاجة وفقر أسرهم على هجر مقاعد الدراسة والتوجه إلى العمل لكسب قوت يومهم. تراهم يمضون يومهم يلهثون وراء لقمة العيش بين أزقة نواكشوط وشوارعها، منهم باعة متجولون وعاملون في الميكانيك ومتسولون على جنبات الطرق وغيرذلك من الأعمال التي قد لا تتحملها أجسامهم الضعيفة.
نواكشوط- دق باحثون موريتانيون ناقوس الخطر من الآثار السلبية لانتشار ظاهرة عمالة الأطفال في موريتانيا، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الموريتانية إلى سن القوانين لمحاربة انتشار الظاهرة.
ويعمل أغلب الأطفال الموريتانيين في ورشات الحدادة والنجارة وميكانيك السيارات وأعمال أخرى لأسباب مختلفة كالتسول، جراء الحالة الاقتصادية المتردية والدخل المتدني لدى بعض الأسر الذي يدفعها لتشغيل أولادها.
وتعتبر ظاهرة عمالة الأطفال من أكثر الظواهر الاجتماعية المقلقة في موريتانيا، والتي تشهد نموا كبيرا منذ سنوات مع تزايد الفقر في المجتمع الموريتاني.
ويرى باحثون اجتماعيون أن تزايد هذه الظاهرة تقف وراءه عدة أسباب، لعل أهمها التفكك الأسري في ضوء غياب إطار ترعاه الدولة يكفل ضمانا اجتماعيا للأطفال الضحايا.
وتجتهد الحكومة الموريتانية للحد من هذه الظاهرة من خلال خطة عمل وطنية قالت وزارة الوظيفة العمومية، إنها ستساعد في تنفيذ خارطة الطريق الخاصة بمحاربة آثار الاسترقاق وعمالة الأطفال.
ويقول مختصون إن الحد من ظاهرة عمالة الأطفال في موريتانيا، لن يكون بقوة القانون لأن استخدامهم في أعمال شاقة شر لا بد منه. وبعيدا من مقاعد الدراسة، يتابع الطفل عثمان ذو العشر سنوات حياة لا تعد بالسنين بل بعدد السيارات التي يساعد رب المعمل على إعادة تأهيلها. بيديه المتّسختين، ووجهه المغطى بالسواد، ويجسّد عثمان جزءا من عذابات الطفولة البريئة في موريتانيا التي مكانها الطبيعي المدارس ورياض الأطفال وحدائق اللعب.
ويقول عثمان “أنا أعمل هنا منذ 2010 وأتقاضى راتبا يوميا 400 أوقية (دولارا واحدا)، استخدم مئتين منها للنقل ومئة أدخرها حتى نهاية الشهر لأشتري بها بعضا من حاجاتي والمئة الأخرى أعطيها لأمي”.
وتبلغ نسبة الأطفال الذين يعملون في موريتانيا حوالي 16 بالمئة، بحسب بعض المنظمات الحقوقية. ففي كل شارع أو جادة ثمة صبي منهمك في العمل، وأحيانا لأكثر من عشر ساعات في اليوم.
وعلى الرغم من أن الأرقام الإجمالية تشير إلى أن الفتيان المنخرطين في عمالة الأطفال أكثر من الفتيات، إلا أن هناك العديد من أنواع الأعمال التي تنخرط فيها الفتيات كالأعمال المنزلية والتسوّل، وإلا فسيكون الزواج المبكر مصيرهن المحتم.
ويقضي الطفل عزيز نهاره قرب نقطة لتقاطع الطرق بقلب العاصمة نواكشوط وهو يحمل أدوات تنظيف بسيطة، لينظف زجاج السيارات التي تتوقف لدقائق بسبب ازدحام حركة المرور أو حركة الأضواء، وفي أحيان كثيرة تغادر السيارة دون أن يدفع له السائق مقابلا لعملية التنظيف.
ويقول عزيز إن الفقر الذي تعيشه أسرته جعله يخرج للعمل في سن مبكرة لأنه حين فتح عينيه لم يجد والده معه، بل وجد أمه تكدح وتعاند قساوة الحياة من أجل توفير رغيف الخبز لأطفالها، مضيفا أنه يعمل لجني بعض المال لمساعدة والدته على مصاريف البيت.
ويقول الباحث الاجتماعي سيدي محمد ولد الجيد “توجد قوانين زاجرة لكن المشكلة في تطبيقها، وفي هذه الحالة بالذات المشكلة ليست في القصور عن تطبيق القانون، وإنما في المجتمع الذي لا يمكنه أن يستوعب تطبيق تلك القوانين. المجتمع يعيش فقرا مدقعا”.
ويؤكد أن الكثير من الأسر الموريتانية تعيش على سواعد أبنائها القصّر “فإذا منعتهم من ذلك فعليك أن تقدم البديل، ومادامت الدولة عاجزة عن سد تلك الثغرة، فإن النتائج ستكون عكسية وكارثية”.
وترى الكاتبة زينب بنت محفوظ أن “عمالة الأطفال ظاهرة ينتجها الفقر والجهل وغياب الدولة، إضافة إلى طبيعة المجتمع الموريتاني الحديث والتي سمحت بتشكّل فئة تقبع تحت فقر مدقع تسكن مناطق عشوائية لا تصلح للاستخدام الآدمي”. ويقول الطفل داهي إنه ترك مقاعد الدراسة هو وأخوه غيثي ليمتهنا بيع النعناع بين البيوت والأزقة لعلهما يتدبران ما يعيل عائلتهما في أحد الأحياء العشوائية.
وجدير بالإشارة إلى أن منظمة الأمم المتحدة يونيسف تدعم خارطة الطريق للقضاء على أسوأ أشكال عمالة الأطفال بحلول العام 2016. كما تدعم يونيسف المجتمعات المحلية في تغيير قبول عمالة الأطفال ثقافيا، وفي نفس الوقت تدعم استراتيجيات وبرامج توفير دخل بديل للعائلات والحصول على خدمات دور الحضانة والتعليم الجيد والخدمات الوقائية. وتعمل اليونيسف أيضا مع أصحاب العمل والقطاع الخاص على تقييم سلاسل إمداداتهم وممارساتهم التجارية ودراسة تأثيرها على الأطفال.
www.deyaralnagab.com
|