شنقيط مكتبة الصحراء !!
09.01.2016
تزهو مدينة شنقيط وقراها بجمالها الأخاذ بفضل موقعها في قلب الصحراء الموريتانية وظلت صامدة على الرغم من موجات الرمال التي تحيط بها من كل مكان، وأصبحت تشكل وجهة مفضلة للسياح الباحثين عن المعرفة والتاريخ بفضل مكتباتها ومخطوطاتها القديمة.
نواكشوط - تقع مدينة شنقيط الأثرية بين كثبان الرمال على التخوم الجنوبية من الشمال الموريتاني، على بعد 516 كيلومترا من العاصمة نواكشوط.
ويعود تاريخ هذه المدينة التي أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو إلى حقبتين متتاليتين بدأت أولاهما سنة 160 للهجرة ـ 776 م ببناء المدينة القديمة التي سميّت وقتها “آبير” وهي كلمة تصغير صنهاجية (بربرية) لاسم “بئر”، وهي عين الماء التي تأسست حولها.
ويرجّح المؤرخون أن حافر هذه البئر الذي سبقت نشأة المدينة بحوالي 44 عاما هو عبدالرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع سنة 116 هـ، حيث كانت توجد بالمنطقة واحة نخيل تعتبر محطة لمرور القوافل العابرة للصحراء، وأرادها نقطة ربط بين مدينة سجلماسة في جنوب المغرب ومدينة أوداغست التاريخية المندثرة في الشرق الموريتاني.
وتعني كلمة شنقيط باللهجة البربرية “عيون الخيل”، وقد ورد ذكرها في مصادر التاريخ لأول مرة من طرف الرحالة البرتغالي (فالنتينو فرنانديز) عام 1507.
وتمتاز شنقيط بالأسلوب المعماري الفريد الذي بنيت به بيوتها، وأغلبها من الطين اتُبعت فيه أنماط معمارية مستوحاة من المغرب الأقصى والأندلس، وقد صُبغ بعض أطرافها باللون الأبيض والقرمدي، كما كيّفت في تأسيسها مع طبيعة المنطقة الصحراوية، وذلك لتتمكن من الصمود أمام زحف الرمال وعاتيات العواصف.
وأهم ما يميّز المدينة القديمة في الماضي هو المكتبات التي جعلتها محط أنظار الأطباء والباحثين والفلاسفة والقانونيين.
وبرغم استحالة المدينة مكانا مهجورا فإن حماة مبانيها المكتبية ونصوصها القديمة لا يزالون يقومون بمهامهم التي توارثوها جيلا بعد جيل، ولكنهم وإن حاولوا قدر استطاعتهم حماية النصوص، إلا أنهم عجزوا عن حماية المكتبات الأثرية من خطر رمال الصحراء. وتحتضن رمال المدينة مجموعة كبيرة من أقدم النصوص الدينية الإسلامية، ومن بينها أقدم نصوص قرآنية يعود تاريخها إلى القرن التاسع حصلت عليها حين كانت حلقة للوصل ومعبرا للتجارة بين مشارق الأرض ومغاربها، فكان لا بد لأي قافلة تجارية آتية من أوروبا أو بلاد الشام أو شمال أفريقيا أن تحط في شنقيط قبل أن تواصل السير إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء.
وتعاني مكتبات شنقيط، اليوم، من الإهمال الرسمي حيث لم تشفع لها قيمتها العلمية والتاريخية وتنبيه الباحثين للوضع الذي تعانيه من تحرك الجهات الرسمية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ويقول خبراء في صيانة المخطوطات التراثية، إن الآلاف من المخطوطات والنفائس الموريتانية ضاعت جراء النهب والحرق والإهمال الذي لم يتوقف منذ عقود.
واكتسبت شنقيط أهميتها وشهرتها من الدور الثقافي والاقتصادي الذي قامت به في القديم، إذ يتناقل سكان المنطقة أن المدينة كانت تضم في أوج ازدهارها 30 مسجدا، كما احتوت على عدد كبير من المكتبات الزاخرة بالمخطوطات النفيسة والنادرة لا يزال بعضها محفوظا عند الأسر العريقة مثل عائلة هابوت التي تمتلك مكتبة كأنها متحف أثري يضم نحو 1400 مخطوط تغطي 12 مجالا مختلفا.
وتعاقبت أربعة أجيال على رعاية المكتبة العريقة منذ أسسها سيدي ولد محمد هابوت في القرن التاسع عشر، وقام هذا الأخير بجمع عدد كبير من المخطوطات أثناء رحلاته الكثيرة.
ويعود تاريخ بعض هذه المخطوطات إلى القرن التاسع الميلادي وكتبت نصوصها على جلد الغزال وأحيطت بغلاف من جلد الماعز، ويتناول أغلبها علوم القرآن وأحكام الشريعة إلى جانب الآداب والنحو والشعر والطب والفلك والهندسة والعلوم المتنوعة.
وكانت شنقيط مركز تجمع ونقطة انطلاق للحجيج القادمين من كل حدب وصوب ضمن قافلة موحدة قد تستغرق أشهرا طويلة قبل الوصول إلى الديار المقدسة، ويعمل الحجاج خلال هذه الرحلة الشاقة على نشر العلوم الإسلامية في البلاد التي يمرون بها، كما يتنافسون في جلب نفائس الكتب إلى وطنهم الأصلي، فذاع صيتهم ونالوا بذلك شهرة كبيرة جعلت اسم شنقيط يطلق في المشرق على موريتانيا ككل وبات الموريتانيون بذلك يلقبون بـ”الشناقطة”.
جدير بالذكر أن العديد من الباحثين حذروا من استمرار التهاون في حفظ المخطوطات وتقاعس الحكومة الموريتانية وإهمال المؤسسات الثقافية لهذه القضية وطالبوا بتحركات عاجلة، حيث تحتاج هذه المخطوطات النادرة إلى عمليات ترميم سريعة ومعالجة بعض الأجزاء التي تعرضت للتلف بسبب الحشرات والفطريات.
www.deyaralnagab.com
|