logo
1 2 3 41134
ثلاث عائلات تحتكر سر "الزلابية" الجزائرية وتشترط كتمانه لتزويج بناتها !!
13.07.2015

غير بعيد عن العاصمة تتربع مدينة بوفاريك في سهل متيجة الخصب، وبين حقول البرتقال والليمون التي تعبق المدينة برائحتها الطيبة، تحكي محلات “الزلابية” و”الشربات”، حكاية شهرة تعود إلى أكثر من قرن، انطلقت من زلة في إعداد عجينة “الخفاف” المعروف أيضا بـ”السفنج”، لتتحول إلى حلوى شهية تستهلك خلال الشهر الفضيل، تحتفظ بأسرارها إلى اليوم، ولم ينفع معها حتى الزواج لمعرفة تفاصيلها.
صابر بليدي ..رغم أنها تشترك في رواية نشأتها مع ما يتداول في بغداد حول صرخات “زلة بي”، لما فاضت العجينة من مسامات باب المحل، إلا أن حلويات الزلابية في مدينة بوفاريك الجزائرية، تعدت شهرتها حدود البلاد، بسبب ذوقها وخصائصها ولم تصمد أمامها حتى زلابية تونس الشهية.
ولازالت ثلاث أسر في مدينة بوفاريك تحتفظ لنفسها بسر زلابيتها، وكل المحلات التي تعج بها المدينة خلال شهر رمضان، إلا أن الفارق واضح بسبب كلمة السر في الخلطة العجيبة، ولم تنفع معها حتى علاقات المصاهرة مع العائلات المذكورة لاكتشاف السر، حيث تشترط بنات العائلات الثلاث عدم الكشف عنه في أسرها الجديدة، وإلا فلا زواج ولا هم يحزنون.
وتعتبر زلابية وشربات بوفاريك (30 كلم جنوبي العاصمة)، من أشهى الحلويات والعصائر التي تشتهر بها المدينة في رمضان، واكتسبت بفضلهما شهرة عمت ربوع البلاد وتعدتها إلى خارج الحدود، حيث تتخصص بعض المحلات في عدد من المدن الأوروبية كباريس ومدريد ولندن وغيرها في صناعتها لفائدة الجالية الجزائرية والعربية هناك.
وإن اقترنت تجارة الزلابية والشربات البوفاريكية بالشهر الفضيل، إلا أن المدينة صارت لا تتوقف عن صناعة هذه الحلوى والعصير على مر أيام السنة، بسبب الطلب الثابت عليها في مختلف الفصول، ومن طرف زبائن يقصدون محلاتها من كل ربوع البلاد، خاصة المناطق المجاورة، فإن لبوفاريك نكهة أخرى خلال شهر رمضان، حيث تعمها رائحة الحلوى والعصير في شوارعها ومحلاتها، فتأسر شهية الصائمين والفضوليين والزبائن الأوفياء.
وتذكر الروايات المتداولة في المنطقة أن نشأة واختراع الحلوى يعود إلى العام 1889، لما تعرضت عجينة إحدى سيدات المدينة المختصات في صناعة حلوى تقليدية “الخفاف”، إلى أخذ شكل مغاير لما وضعتها كالعادة في المقلاة، فصرخت “زلة بي”، ولما سمعها زوجها تندب حظها على عجينتها، أخذ جزء من العجينة في شكلها الجديد (أعمدة في حدود 20 سم) وقادته بديهته لغسطها في العسل السائل المعد سلفا، فإذا به يكتشف حلوى لذيذة وشهية، ومنذاك ظهرت زلابية بوفاريك إلى يوم الناس هذا.
وتضيف الروايات أن المحلات التي تعج بها المدينة وحتى المحلات التي تنتشر في مدن الجزائر لصناعتها، هي محلات لا تملك السر الحقيقي للحلوى وإن ما تصنعه هو زلابية مقلدة، لأن في المدينة ثلاث عائلات فقط تملك سر الزلابية وتتوارثه بينها إلى الآن، وهي بدورها نقلته عن العائلة صاحبة القصة السالفة.
ويتعلق الأمر بعوائل “أكسيل” و”شنون” و”شبوب”، التي اكتسبت الخلطة الأصلية من عائلة “شنون”، وتتمسك إلى حد الآن بالاحتفاظ بالسر لنفسها، ولم تستسلم لأي إغراء أو محاولة اختراق، بما فيها علاقات المصاهرة. فأصبح ينتجها منذ ذلك الوقت وأطلق عليها اسم الزلابية بعد أن اشتقها من عبارة زوجته “زلة بي” وعلمها لأفراد عائلته كلها. وظلت العائلة تحتكر الخلطة لنفسها منذ اكتشاف الحلوى في نهايات القرن 19، ثم امتد السر لعائلة أكسيل بعد أن ارتبطت العائلتان بعلاقة مصاهرة، وأصبحتا تحرصان على أن لا يتسرب سرّ صنعها والمواد المستعملة فيها إلى غيرهما، إلا أنهما لم توفقا في ذلك بمرور الوقت حيث انضمت إليهما عائلتان أخريان من المدينة.
وتعتبر زلابية بوفاريك حلوى مناضلة، حيث كانت غذاء المعتقلين الجزائريين في زنزانات سجن سركاجي بالعاصمة أثناء ثورة التحرير وقبلها، ومنذ أن اكتشفها معتقلو الحرية لما تذوقوها من لدن معتقل رفيق لهم من عائلة أكسيل، صارت الزلابية البوفاريكية الحلوى المفضلة لديهم، وبدأ صيتها ينتقل بين السجناء والعائلات إلى خارج أسوار السجن نحو أحياء العاصمة، ثم تحولت بعدها إلى “إكرامية” تهدى لمجاهدي ثورة التحرير في الجبال والغابات.
ويتحسر عبدالله أكسيل (90 سنة)، على مصير الحلوى التاريخية، بسبب القرصنة والتقليد المشوه، وعزوف الشباب من الأسر المالكة لسر زلابية بوفاريك، عن الاستمرار في حرفة الآباء والأجداد، وحتى من غلاء المواد الأولية مما جعل سعرها يرتفع في السوق، حيث يقدر ثمن الكيلوغرام الواحد بما يعادل دولارين ونصف.
أما عصير الشربات فيعد المرادف الأول للزلابية المحلية، فهو الرقم الثاني في شهرة المدينة التي تدعى أيضا مدينة “البرتقال”، بسبب وقوعها بين حقول البرتقال والليمون التي تعم سهل متيجة قبل أن يزحف عليها الإسمنت، واقترن هو الآخر بشهر رمضان، حيث تنتصب طاولات بيعه في مختلف الشوارع والأزقة، منافسا أعتى أنواع العصائر والمشروبات المحلية والمستوردة.
وصار شربات بوفاريك سيد الموائد الجزائرية في رمضان، خاصة خلال السنوات الصيف الأخيرة، وعرف رواجا كبيرا بذوقه السحري وقدرته على إطفاء عطش الصائمين، الذين يقصدونه من مختلف المناطق المجاورة، وهناك من التجار الموسميين الذين ينقلونه على مسافات طويلة لبيعه في مدنهم.
ويعتبر شربات بوفاريك كما يصطلح على تسميته في العاصمة والمدن المجاورة لها، المشروب الأول في رمضان لدى أغلب العائلات الجزائرية، وهناك من يهوى استقدامها من المنبع بالتنقل إلى بوفاريك المنطقة الأصل لجلبها من هناك، وتلافي على كل الالتباسات والشكوك التي تحوم حول طريقة تحضيرها لدى بعض الباعة المقلدين الذين يلجأون لمستخلصات العصائر المركزة في تحضير المشروب لتضاف له فصوص الليمون بغرض التمويه وخداع الزبائن.


www.deyaralnagab.com