افغانستان : قصور الخشخاش في كابول تتحسر على سنوات الطفرة!!
16.05.2015
“ بيفرلي هيلز كابول” هي تسمية يطلقها الأفغانيون على حي شيربور في العاصمة الأفغانية، نظرا إلى ما يضمّه من منازل فاخرة مطلية بألوان زاهية رغم أنّ معظم سكّان البلاد يعيشون في فقر مدقع. ومع ذلك فإنّ العصر الذهبي لهذا الحيّ المستحدث قد يشهد تراجعا بفعل التدهور الأمني وانسحاب القوات الدولية من أفغانستان.
تنتصب بحي شيربور في كابول قصور ومبان راقية تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، فهو أشبه بواحة مبهرة غريبة في مدينة دمّرتها عقود من الحرب.
ويطلق الكثير من الأفغان بسخرية لقب “قصور زهرة الخشخاش” على المساكن الفاخرة المتلاصقة داخل هذا الحي، وذلك للاشتباه في أنها بنيت بأموال غير مشروعة جرّاء ازدهار تجارة الأفيون في البلاد.
حي شيربور الراقي، بإمكان أي شخص أن يقطن فيه بشرط أن يكون قادرا على دفع إيجار شهري يتراوح بين 25 ألفا و60 ألف دولار في حال لم يشعر بالريبة جرّاء السكن بجوار أمراء حرب سابقين.
وقد برزت هذه الفيلات خلال مرحلة الطفرة العقارية في أفغانستان، بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001. وقبل عامين، تضاعفت قيمتها بسبب ارتفاع الطلب على السكن الفاخر من جحافل المقاولين الأجانب ووكالات الإغاثة وشركات الأمن وحماية الشخصيات.
ومع انتهاء الحرب التي تقودها قوات حلف شمال الأطلسي منذ أكثر من 13 سنة في أفغانستان، وتزايد وتيرة مغادرة الأجانب بسبب الخوف من ازدياد الهجمات الدامية لمتمرّدي طالبان، تراجعت قيمة الإيجارات، وباتت لافتات “للإيجار” من المشاهد المألوفة في شيربور.
وقال عبداللطيف، وكيل عقاري في كابول، بأسى مع مسبحته الملفوفة حول معصمه إن “السوق شبه معدومة”، مستشهدا بمسكن فاخر يضمّ 52 غرفة، ويطل على حديقة للورود، لم يتمكن صاحبه من تأجيره رغم طرحه في السوق منذ ما يقارب ستة أشهر.
والمسكن مطلي باللون السكري ومصنوع من الرخام والغرانيت، وتحميه أسوار عالية تعلوها لفافات من الأسلاك الشائكة.
وذكر أنّ صاحب المسكن قدم مغريات إضافية، عارضا بناء غرفة واقية من الانفجارات توفّر حماية ضدّ أيّ هجوم للمتمردين، غير أنّ الطلب على مثل هذه العقارات قد ضرب الحضيض. وأشار، وصدى صوته يتردّد في أرجاء الفيلا الفارغة، “أصحاب الثروات الطائلة يغادرون كابول”.
وترمز صفوف القصور الشاغرة، في حي شيربور، حيث مساكن بعض أمراء الحرب السابقين، إلى الحالة المتعثرة للاقتصاد الأفغاني الذي تلقى لسنوات دعما ومساعدات خارجية بمئات مليارات الدولارات.
ومع الهروب المتواصل للمساعدات والاستثمارات، يعيش هذا البلد المنهك بالحروب مخاضا يصفه المراقبون المحليون بأنه مرحلة انتقالية من “اقتصاد الدولار إلى الاقتصاد الأفغاني”.
وبالنسبة إلى كثير من الأفغان، تطغى المخاوف جرّاء تفشي البطالة بفعل الاقتصاد الحربي بعد أكثر من عقد من نمو يفوق نسبة عشرة بالمئة، على تلك المرتبطة بتدهور الوضع الأمني.
وفيما تعاني البلاد للتمكن من فكّ اعتمادها الكبير على المساعدات الخارجية، يشبّه مراقبون ساخرون أفغانستان بمريض في حالة غيبوبة أبقي على قيد الحياة لسنوات مع تغذيته بحبة سكر، لكن الغذاء الاصطناعي توقف فجأة وبات مطلوبا من هذا المريض النهوض للركض.
كما أن القصور الفارهة في حي شيربور التي ينظر إليها على نطاق واسع كرمز لحالات منفلتة من جنون العظمة، تسلط أيضا الضوء على مشكلة الفساد المستشري في أفغانستان.
وقبل غزو القوات الأطلسية بقيادة الولايات المتحدة لأفغانستان سنة 2001، كان هذا الحي مجرد بقعة قاحلة عند سفح تلة استخدمت كموقع لمخيّمات اللاجئين. لكن الجماعات المدافعة عن حقوق الإنسان تتهم طبقة الأثرياء الجدد من أمراء الحرب والبيروقراطيين السابقين في كابول، ولقبهم “الأسود”، بإرسال جرافات في عام 2003 لطرد اللاجئين.
ويبقى مصدر ثروات أصحاب هذه القصور موضوعا للتكهنات، وسط شبهات بارتباطها بتجارة الأفيون المزدهرة في أفغانستان والتي تقدر الأمم المتحدة قيمتها بثلاثة مليارات دولار سنويا.
وقال بشير عمر، وهو صاحب وكالة عقارية بكابول، “فكّروا جيدا.. كيف يمكن لموظف حكومي براتب شهري قدره ألف دولار شراء قصر فاره بقيمة 2.5 مليون دولار على أرض تقدر قيمتها بمليون دولار؟”.
وأضاف عمر “يجب عن السؤال: من أين لهم هذه الثروات؟”، لافتا إلى أن البنى الحقيقية لملكيات العقارات في حي شيربور تبقى غامضة.
كما أشار إلى أنّ الحكومة الأفغانية عاجزة عن لجم أنشطة تبييض الأموال وذلك خشية تحويل أفراد النخبة الأفغانية ثرواتهم إلى الخارج. ومع ذلك فإنّ هروب الرساميل يحدث على أي حال بوتيرة مثيرة للقلق، حسب الخبراء، مع نقل الأثرياء أموالهم إلى مناطق عدة في الخارج خصوصا إلى دبي وتركيا وباكستان والهند.
من جانبها، لفتت فاندا فلباب براون، وهي من كبار المسؤولين في معهد بروكينغز وخبيرة في الاقتصاديات غير المشروعة بمناطق الصراع، إلى أن “قصور الخشخاش في شيربور لا ترمز فقط إلى الإفلات من العقاب والفساد وسوء استخدام السلطة، لكن أيضا إلى الطبقية المتفشية بقوّة في المجتمع الأفغاني على مدى العقد الماضي”.
ويذكر خبراء أنّ هناك فئة صغيرة من النخبة الأفغانية بكابول، يطلق عليها اسم “أثرياء 11 سبتمبر”، جمع أفرادها ثروة طائلة خلال السنوات التي تلت الغزو في 2001، وذلك بفضل مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية، ومعظم هؤلاء من مقاولي القطاع الخاص كانوا قد تعاقدوا مع القواعد العسكرية والمنظمات غير الحكومية الدولية.
من أسباب قطع الكثير من المساعدات الجديدة، ما أبدته الجهات المانحة الدولية من غضب بسبب اختفاء الكثير من تلك الأموال في جيوب جهات خاصة، في حين لا تزال أفغانستان تعاني الفقر والعنف.
www.deyaralnagab.com
|