logo
1 2 3 41134
العراقيون يبحثون عن فرح مفقود في سوق الشورجة !!
29.12.2014

سوق الشورجة الضيق يعتبر متنفس العراقيين رغم التفجيرات التي يشهدها إلا أن ذلك لا يحول دون تدفق المئات إليه خاصة في فترة الأعياد.
بغداد- يقف يعسوب علي داخل متجره الصغير في سوق الشورجة التراثي وسط بغداد محاطا برفوف شبه فارغة من زينة عيد الميلاد التي أقبل عليها العراقيون بكثافة بحثا عن فرح ينسيهم المآسي التي تطبع يومياتهم.يغص سوق الشورجة الضيق والأقدم في بغداد، حيث يعود تاريخه إلى العصر العباسي، بعراقيين، غالبيتهم من المسلمين، يبتاعون زينة لعيدي الميلاد ورأس السنة، كالكرات الحمراء، وتماثيل “بابا نويل” وزيّه الأحمر والأبيض.كما تبيع المحال أشجارا بلاستيكية خضراء أو بيضاء، بعضها في علب من الكرتون، وأخرى متفاوتة الحجم معروضة عند المداخل، بينها شجرة ارتفاعها نحو مترين مجهزة بإضاءة، وسعرها 200 دولار.يقول يعسوب: “هذه السنة الطلب كان كثيفا بشكل غريب هذه المرة الأولى التي نبيع فيها مثل هذه الكمية”. ويتابع وهو يشير إلى الرفوف التي فرغت من الزينة باستثناء بعض أزياء “بابا نويل” وكرات لتزيين شجرة الميلاد: “لم نكن نتوقع كل هذا الطلب”.
ويضيف الرجل الخمسيني الذي يبيع الهدايا في متجره منذ عشرة أعوام: “العراقي منفتح، لكن نفسيته تعبت الناس يبحثون عن متنفس”. وعانى العراقيون منذ ثمانينات القرن الماضي من سلسلة نزاعات دامية، منها حرب مع إيران دامت ثمانية أعوام وغزو أميركي في 2003 وأعوام من القتال المذهبي.
أما أحدث دوامات العنف، فكانت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق واسعة منذ يونيو والحرب بينه وبين النظام الطائفي والحشد الشيعي، وهو ما أدى إلى تهجير مئات الآلاف من السكان ومقتل آلاف آخرين.وشهد سوق الشورجة أكثر من تفجير بعبوة ناسفة خلال الأعوام الماضية، إلا أن ذلك لا يحول دون تدفق المئات يوميا إلى السوق الذي تباع فيه حاجات متنوعة كالملابس والساعات والتوابل.أما محال الهدايا، فتعرض خلال هذه الفترة من السنة زينة عيد الميلاد، وتتدلى من سقوفها الأجراس وأكاليل خضراء أو ذهبية تتوسطها عبارة “ميري كريسماس” (ميلاد مجيد بالإنكليزية).في داخل أحد أزقة السوق، بدأ صفاء الذي يكني نفسه باسم “أبو الهدايا”، بوضع الزينة المخصصة لعيد الحب في 14 فبراير، بعدما نفدت لديه زينة الميلاد باستثناء شجرة واحدة وبضعة تماثيل لـ “بابا نويل”.يقول صفاء: “أبيع الهدايا والزينة منذ ثلاثين عاما وهذه أول مرة أشهد فيها إقبالا إلى هذا الحد. بعت كل زينة الميلاد ورأس السنة”.
ويضيف أن “الناس يريدون أن يفرحوا هذه السنة للتخفيف من وطأة الحزن كما يأتي العيدان هذه السنة بعد انتهاء فترة الحداد لدى الشيعة، والتي تستمر قرابة خمسين يوما منذ بدء شهر محرم إلى أربعين الإمام الحسين.ويقول علي عبد الزهرة، البالغ من العمر 22 عاما، وهو شيعي من مدينة النجف جنوب بغداد: “خلال الأعوام الماضية صادف الميلاد مع محرم وذكرى الأربعين هذه السنة سنحتفل أكثر”.يضيف وهو يحمل في كيسين من البلاستيك، أغراضا سيستخدمها لتزيين متجر الزهور حيث يعمل في البصرة: “الناس يحتاجون إلى الاحتفال والفرح لنسيان بعض من الحزن والآلام والأضرار التي أصابت الكثيرين منهم جراء ما شهده العراق من صراعات وحروب شتى”. وغالبا ما يضطر زوار السوق، التي لا يتعدى عرض شارعها الرئيسي أربعة أمتار، إلى إفساح المجال لمرور عمال ينقلون صناديق من الكرتون محملة ببضائع زينة الميلاد على أكتافهم أو على عربات صغيرة. ويقول باسم جرجيس وهو مسيحي كلداني يملك متجرا لبيع الهدايا في السوق: “هذا العام بعت أكثر بعشر أضعاف من الأعوام الماضية”.
وشهد العراق منذ 2003 تراجعا كبيرا في أعداد المسيحيين بعد تعرضهم إلى سلسلة هجمات طال بعضها الكنائس. كما ادت الحرب إلى تهجير مئات الآلاف منهم، لا سيما من مدينة الموصل.ويضيف جرجيس الرجل البالغ من العمر أربعين عاما وهو يراقب حركة البيع والشراء في المحال المجاورة: “نحن نبحث عن الفرح لننسى المعاناة التي نعيشها، عندما أرى الناس يقبلون على شراء هدايا العيد متهللي الوجوه، والبهجة والغبطة تشعان من عيونهم، ينشرح صدري وتعتريني نشوة، فالكل يحاول اغتنام فرصة العيد حتى يرفه عن نفسه وينزع عن كاهله بعضا من الكروب”.عند متجر مجاور، يطلب خالد أحمد، وهو من منطقة الأعظمية ذات الغالبية السنية في شمال بغداد، من بائع يرتدي قبعة “بابا نويل” أن يوضب له شجرة خضراء يبلغ ارتفاعها 1.75 متر.واعتاد هذا الشاب البالغ من العمر 29 عاما، تزيين غرفة الجلوس بمنزله بهذه الشجرة قبل نهاية كل سنة، حيث يقيم عشاء لأقاربه وأصدقائه، في استمرار لتقليد نشأ عليه منذ طفولته.ويقول: “ميلاد السيد المسيح ينشر البهجة والفرحة. كنت أقوم بالأمر نفسه خلال طفولتي، وحافظت على العادات نفسها مع عائلتي” المؤلفة من زوجته الحامل وطفلته البالغة من العمر أربعة أعوام.
ويضيف، وهو يختار بعض كرات الزينة الحمراء المذهبة وتماثيل “بابا نويل” الصغيرة: “اعتدنا على الوضع المأساوي والتفجيرات”، في إشارة إلى أعمال العنف التي تشهدها بغداد بشكل شبه يومي، مردفا: “إلا أننا إذا ما أعرضنا عن الاحتفال، يموت الناس والبلد كمدا وحزنا”.


www.deyaralnagab.com