الزير.. “ثلاجة المساكين” في جنوب السودان!!
21.11.2014
جوبا / أتيم سايمون ـ“الزير” ذلك الإناء الفخاري الذي يصنع بطريقة يدوية تقليدية، ويستخدم في حفظ مياه الشرب وتبريدها، اكتسب لقب “ثلاجة المساكين” في جوبا عاصمة جنوب السودان، خاصة لأولئك الذين لايملكون القدرة علي شراء الثلاجات الكهربائية، في بلد يفتقر لوجود شبكة كهرباء عامة.ورغم أن البعض في جوبا يعتمد علي قارورات المياه المعدنية باهظة الثمن، يعتمد غالبية السكان من محدودي الدخل علي المياه التي تبيعها “التناكر” (سيارات لنقل المياه) بعد استجلابها من النيل مباشرة دون أن تخضع لأي عمليات تنقية أو معالجة.ويعتبر الكثير من الناس أن “الزير” أكثر حماية من بقية الوسائل الأخري المستخدمة لحفظ ماء الشرب، والتي يتم غليها جيدا قبل تناولها من قبل أفراد العائلة، إذ يوضع في مكان ظليل من البيت وغالبا ما يكون تحت إحدي الأشجار، وفي بعض الأحيان يتم وضعه علي حمالة مصنوعة من الحديد بها مظلة صغيرة تعرف باسم “المزيرة”.
وبرغم أهميته لكن “الزير” بدأ في الاندثار مؤخرا، وبالأخص في العاصمة جوبا، وبقية المدن الأخري في جنوب السودان، لكن بعض الأسر تحتفظ به علي سبيل الذكري وكونه يمثل جزءا من ثقافتهم وماضيهم تستعصي على النسيان.ومع التوافر النسبي لمصادر مياه شرب نقية “شبكة مياه ومواسير” في جوبا، علاوة علي المجهود الذي قد يستغرقه تجهيز المياه عبر غليها، انحسر استخدام “الزير” في مقابل قوارير المياه الصحية التي أصبحت واحدة من المظاهر السائدة في العاصمة طغت علي الاعتماد علي “الزير.ويصنع “الزير” من مواد بسيطة تتكون من الطين (الطمي) الذي يعمل في قوالب وأحجام مختلفة تقوم بصناعته أيادي مهرة وله أماكن مخصصة لبيعه في الأسواق، وفي جوبا تباع “الأزيار” في سوق “كونغو كونغو”، حيث يقوم ببيعه الصانعون أنفسهم.
وتقول “جوانا بيتر”، إحدى السيدات العاملات في صناعة وبيع “الأزيار”: “صناعة الزير عملية صعبة من ناحية تجهيزه وهذا يكلف مجهود معنوي ومادي، ليتم بعد ذلك بنقله الي السوق ، وبيعه بأسعار مختلفة تبدأ من 25 إلى 85 جنيه جنوبي (من 4 إلى 15 دولار أمريكي تقريبا)”
وتضيف جوانا، في حديثها لوكالة الأناضول، “نواجه مشكلة ركود نسبية لأن معظم الناس أصبحوا يعتمدون علي شراء المياه المعدنية الجاهزة”.ويري البعض أن الخوف الذي بدأ يسود بين الناس نسبة لتلوث المياه التي تستجلب بواسطة “التناكر” من النيل مباشرة ساهم في الاتجاه إلى التخلي عن الاعتماد علي “الزير”، كما أن هناك بعض المعتقدات الثقافية المنتشرة في أوساط العديد من المجموعات تجعلها حذرة في التعامل مع مصادر الشرب غير المأمونة بالنسبة لديهم.ولكن كيف ينظر سكان جوبا إلى استعمال “الزير” لحفظ مياه الشرب؟ تقول “ميري واجو”، وهي عاملة، لـ “الأناضول”، إنها تستخدم “الزير” منذ فترة طويلة وهي تعتمد علي مياه النيل للشرب حيث تقوم باضافة شب (مركب كيميائي من كبريتات البوتاسيوم والألومنيوم المميهة) وبعض الأدوية المنقية للمياه لأنها لا تستطيع شراء مياه معدنية.
وتضيف “واجو” أن “سعر الجركانة الواحدة (عبوة مياه كبيرة مختلفة الأحجام) حوالي خمسة دولارات وهي لا تكفي جميع أفراد الأسرة لذلك نشتري برميل المياه المستجلبة من النيل بحوالي دولارين”.أما آن جمعة وهي عاملة أيضا فتري أن عدم اهتمام بعض الناس باستخدام “الزير” وبنظافته هو السبب وراء عدم الاعتماد عليه، ومضت بالقول: “أنا أشرب من الزير ولا أجد أي سبب للاستغناء عنه” .اما نادية ليمي فتقول لـ”الأناضول” إن عدم احتفاظ بعض الناس بـ”الزير” في المنازل يرجع إلى انتشار عادة التسميم (أن يقتل شخص ما آخر بوضع السم في الماء) في الكثير من الأوساط في جنوب السودان، مما دعا الناس للتخوف من استخدام الأزيار للشرب.”ورغم التباين من يؤيد ومن يرفض استخدام “الزير” كوسيلة لحفظ وتبريد مياه الشرب، يظل أحد المعالم الثقافية المهمة في حياة الأسر والمجموعات بجنوب السودان، إذ لا يمكن التخلي عنه أو نسيانه نسبة لتراجع دوره الوظيفي، وانعدام التيار الكهربائي وغياب شبكة مياه الشرب النقية يجدد صراع الادوار مابين الزير، وقارورات المياه المعدنية.!!
www.deyaralnagab.com
|