"الشعبونية”.. عادة نابلسية لتوطيد صلة الرحم!!
15.06.2014
توارثت عائلات مدينة نابلس (شمالي الضفة الغربية)، عادة اجتماعية منذ عشرات السنين، يمارسون طقوسها في شهر شعبان من كل عام هجري، لتأخذ تسميتها (الشعبونية) من اسم هذا الشهر.وتتلخص عادة “الشعبونية” بدعوة رب الأسرة لبناته وشقيقاته وأخواته للإقامة في منزله لثلاثة أيام، يقيمون فيها الولائم، ويقدمون الحلوى التي تتربع الكنافة النابلسية في مقدمتها، فيما تحرص عائلة المضيف على إعداد أصناف مختلفة من الطعام.ومع مرور الأيام واختلاف الظروف الحياتية لدى الكثير من العائلات، طرأت بعض التغيرات في تفاصيل “الشعبونية”، فبعد أن كانت بالسابق تستمر لثلاثة أيام بلياليها، باتت تقتصر اليوم على دعوة لتناول الغداء والحلوى دون المبيت في منزل المضيف.وعن عادات العائلات النابلسية قديما، روت الحاجة خيرية أبو غضيب (82 عاما) لوكالة الأناضول، بعضا من مشاهد الشعبونية قديما، قائلة:”قبل عشرات السنين كانت الشعبونية قضاء يومين أو ثلاثة في بيت المضيف، تقدم خلالها وجبة الغداء والعشاء والكنافة النابلسية، وبعد الغداء تبدأ النسوة والبنات بالغناء والرقص في جو يملؤه الفرح والضحك”.وأضافت: “كان أخي يدعوني للشعبونية أنا وشقيقتي الوحيدة وأولادنا في كل عام، ونجتمع في بيته ونبيت هناك يومين أو ثلاثة، نقضي فيها أوقاتا رائعة، في تحضير الطعام والحلوى، ومع ساعات المساء نتشارك في ترديد الأغاني النابلسية والشامية، ونتبادل أطراف الحديث والنكات، فيما يلتقي الأطفال ويلعبون سويا، ويطول السهر لمنتصف الليل”.
واستدركت قائلة: “اليوم الحياة تغيرت، وأصبحت الشعبونية تقتصر على الدعوة لتناول الغداء، وبعدها تقدم الحلوى ويمكن أن تمتد لسهرة بسيطة بالليل، فالأوضاع الاقتصادية والمعيشية لم تعد تسمح بأن يستضيف الرجل قريباته لعدة أيام”.وعن أصل العادة، قالت الحاجة أبو غضيب:”درجت العادة عند العائلات في نابلس منذ عشرات السنين، وكأنها جبران خاطر لبنات العائلة المتزوجات وغير المتزوجات”، كنا نقول لها “جبران خاطر للعواقب” أي للبنات.وعدا مقصد توطيد الأرحام في الشعبونية، فلها مآرب أخرى في بعض الأحيان، فخلالها ربما يقع الاختيار على أحد بنات العائلة ممن هن في مقتبل العمر، لتكون عروسا لأحد الخاطبين.وعن ذلك، قالت عائشة خليل (50 عاما) للأناضول:”في الشعبونية تجتمع شابات العائلة، كل منهن ترتدي أجمل ما لديها من الملابس وتبدو بأجمل طلة، ويشاركن جميعهن في تحضير الطعام وتقديمه وتنظيف الأواني والبيت بعد وجبة الغداء، وبذلك قد تكون إحداهن محط أنظار إحدى النساء من العائلة لخطبتها لابنها أو لشاب آخر يبحث عن عروس له”.
ومع حلول شهر شعبان هذا العام، امتنعت بعض العائلات بنابلس من ذوي الأسرى عن الشعبونية، تضامنا مع الأسرى المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية منذ نحو 52 يوما.عائلة الصحفي الأسير لدى إسرائيل محمد منى، والمضرب عن الطعام، كانت تحرص كل عام على إقامة الشعبونية ودعوة نساء العائلة في جو يملؤه الفرح والبهجة، إلا أنها هذا العام امتنعت عنها، في ظل قلقها المتزايد على حياة محمد جراء الإضراب المفتوح عن الطعام؛ احتجاجا على اعتقاله الإداري.وقالت سوسن أبو العلا زوجة محمد للأناضول:”في كل عام كنا ندعو نساء العائلة للشعبونية، نستقبلهم في أجواء أشبه بالعرس، فرح وبهجة وإعداد أشهى المأكولات، وتقديم الكنافة، لكن هذا العام لم تقام الشعبونية في بيتنا، حتى أن هناك من قريباتنا رفضن دعوة الشعبونية لدى عائلاتهن لهذا السبب”.وأضافت:”منذ بداية الإضراب في السجون ونحن لا نتناول الطعام بشكل طبيعي في المنزل، كما أننا نقضي كل وقتنا في خيمة الاعتصام (المقامة على ميدان الشهداء وسط نابلس) مع باقي عائلات الأسرى، حتى انتقلت زياراتنا الاجتماعية للخيمة، وأصبح من يريد زيارتنا يأتي إلى هنا”.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية ماهر أبو زنط، أشار إلى أن الشعبونية “عادة فلسطينية قديمة، تركزت بمدينة نابلس تحديدا نظرا لطبيعة المجتمع التي كانت تنحصر قديما في البلدة القديمة”.
وقال في حديثه للأناضول:”كان الزواج لدى العائلات النابلسية داخلي غالبا، يتزوجون من نفس العائلة، أو نفس المدينة، وكانت تتم دعوة القريبات في العادة وأزواجهم وأولادهم في شهر شعبان، وهذا ساهم في تقاربهم، فكانوا يقيمون العزائم لقريباتهم فتجتمع العائلات ويبيتون في منزل المضيف لمدة ثلاثة أيام”.وأضاف: “تعتبر هذه العادة من العادات الأصيلة بالمدينة، ففيها توطيد لصلة الرحم, والعلاقات الاجتماعية”.ولفت أبو زنط للاختلاف الذي طرأ على بعض من طقوس العادة النابلسية، وقال: “الآن تختلف الشعبونية بأنه لا يوجد فيها نوم كالسابق، كما أنه هناك بعض العائلات لم تعد تلتزم بها نظرا لانشغالات الناس وطبيعة الحياة، إلا أنها لا تزال موجودة ولكنها تقتصر عند المعظم على الدعوة للغداء أو العشاء”.وتابع: “لا شك أن هذه العادة تسهم في توطيد العلاقات الاجتماعية وصلة الرحم، وأنا أشجع على التمسك بها، فهي تقرب الناس كما في شهر رمضان المبارك”.وحول الوضع الاقتصادي وانعكاسه على الشعبونية قال :”تناقص هذه العادة لدى الناس لا يرتبط بالدرجة الأولى بالمال بقدر ارتباطه بطبيعة الحياة وانشغال الناس″.وتشتهر مدينة نابلس بتمسك أهلها بعادات اجتماعية تميزها عن باقي المدن في فلسطين، لا سيما في شهر شعبان ورمضان، وفي المناسبات الاجتماعية والدينية طوال العام.
www.deyaralnagab.com
|