الحاج علي .. “وثيقة حيّة” يعيد طباعة قرية “برية قيسارية” المدمّرة في ذاكرة الأجيال!!
13.05.2014
كتب خلدون مظلوم..ما زال يحمل ذكريات طفولته الجميلة التي عمل الاحتلال الإسرائيلي على حرمانه منها وهو في سن الطفولة. فلا ينسى الشيخ أحمد الحاج علي أحمد (75 عاماً) تلك الأوقات التي كان يذهب فيها لحقول عائلته الزراعية برفقة شقيقته الصغيرة، والنسيم العليل الذي كان يهب فيها، والبحر الذي كان يمارس فيه رياضة السباحة في صباح كل يوم قبل أن يذهب لمدرسته في قيسارية.. لكي يأتي الصهاينة ويذيقه وأهل بلدته وعائلته مرّ الأوقات.
بين مسلسلين في الحياة أولهما النعيم وثانيهما الجحيم، إن جاز التعبير، لا زال الحاج علي، وهو لاجئ فلسطيني هُجر من قرية (برية قيسارية) قضاء مدينة قيسارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، يحمل الأمل بالعودة.. ويقول “نحمل أمل وحق العودة في قلوبنا ونورثه لأبنائنا وأحفادنا”. علامات الشيخوخة والتعب ظاهرة على وجهه، ولكنه كلاجئ فلسطيني متمسك بحق العودة وما زال يرى أنه قريب ويرفض أن يتنازل عنه تحت أي ثمن.
*“قيسارية” مطبوعة في الذاكرة
يروي الحاج علي، وهو الآن عضواً بالبرلمان الفلسطيني، قصة ترحيله من قريته في قيسارية بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، فيقول “خرجت من بلدي وأنا في عمر التاسعة ولم أنساها، وعدت لها كثيراً وجلبت منها التراب والحجارة وحتى يومنا هذا ما زال فيها بعض الأقارب يحملون لنا هدايا من أثرها في كل فترة، الاحتلال دمر قريتي (برية قيسارية)، بالكامل ولم يبقى منها إلا بعض الآثار، ولكنها مطبوعة كاملة في ذاكرتي وورثتها لأبنائي وأحفادي”.
ويفيد الحاج علي أن الانتداب البريطاني بدأ بتسريب الأراضي المشاع والأملاك الفلسطينية التي كان يسيطر عليها للعصابات اليهودية، “الأمر الذي زاد من أطماع المحتل الإسرائيلي في فلسطين وسهل طريقة احتلالها”، وبين أن حكومة الاحتلال البريطاني قامت باقتطاع 48 ألف دونم من أراضي قيسارية وسجلتها باسم والدة المندوب السامي البريطاني حينذاك، وزرعتها بشجر “الكين” بالتشارك مع العصابات اليهودية.
ولد الشيخ الحاج أحمد الحاج علي أحمد في شهر ابريل/ نيسان عام 1939، وأتم قبل شهر عامه الـ 75.. ولكن ذاكرته ما شاخت يوماً ولا نسيت تفصيلاً صغيراً من حياته في قيسارية التي عاش فيها بضع سنوات من طفولته. وتنقل عبر المخيمات في عدة مدن فلسطينية بعد الأردن إلى أن استقر في مخيم العين، شمال شرق مدينة نابلس، الواقعة شمال الضفة الغربية المحتلة.
وشغل عدة مناصب أبرزها نائباً في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة “التغيير والإصلاح” البرلمانية التابعة لحركة “حماس″ ومديراً لبعض المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، وزرع خلال سنيّ حياته فكر حق العودة والتعريف بالاحتلال وما جلبه من ويلات للشعب في عقول الكثير من أطفال فلسطين لا سيما اللاجئين منهم.
* 66سنة وأمل العودة يكبر
وفي وصفه لرحلة الترحيل من قيسارية، والتي وصفها بـ”جنة الله على أرضه” لما كان فيها من عيون مياه وحقول وسهول ونعيم بدل بجحيم البعد وألم الفراق، قال الحاج علي: “خرجنا من بلادنا وتركنا مزارعنا وأراضينا وتركنا خلفنا جنات لله على الأرض في ظل وعود للعودة إليها خلال أسبوعين أو ثلاثة على أكثر تقدير، ولكن الأعوام مرت وتمر ولم نعود حتى الآن، ولكننا لن ننسى أراضينا وبلادنا بالرغم من أن الأمور والمؤامرات أكبر منّا”.
وحمّل عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، أحمد الحاج علي، المسؤولية كاملة عما حصل ويحصل في دولة فلسطين المحتلة لدولة بريطانيا وحكوماتها على مرّ الزمان “لما كان لهم من مساهمة في تسهيل دخول العصابات الصهيونية لأرض فلسطين”.
وقال النائب الحاج علي في حوار خاص مع مراسل “قدس برس″ حول النكبة والذكرى الـ 66 لهجرة الشعب الفلسطيني عن أرضه وبلاده لداخل وخارج فلسطين “بريطانيا وحكوماتها تتحمل كل ما ترتب على اللجوء الفلسطيني لما عملت به من خلال تهيأة الجو والظروف لاحتلال أرض فلسطين من قبل العصابات الصهيونية، ومن ثم تنظيم الهجرة اليهودية”.
ولفت الحاج علي النظر إلى أن الانتداب البريطاني شجّع الهجرية اليهودية لفلسطين قبل تركها بسنوات وساعدهم على تثبيت أنفسهم في حيفا ويافا والقدس وأغلب المدن الفلسطينية المحتلة. متابعاً: “والقوى الغربية عملت على المماطلة في رفع قضية فلسطين والهجرات اليهودية في هيئة الأمم المتحدة حتى استطاعوا انجاح قرار تقسيم فلسطين بين المحتل وصاحب الحق، كل ذلك ساهم في تثبيت الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين”.
*دعايات التهويل شجعت الترحيل
وأشار الحاج علي إلى أن طرد الفلسطينيين من أرضهم جاء عقب “مسلسل من الاعتداءات والمذابح والانتهاكات التي كانت سبباً رئيسياً في هجرة الفلسطينيين ونكبتهم منذ العام 48″، مؤكداً أن الدعايات والأخبار التي كانت تصل الفلسطينيين عن المذابح وما أشيع وقتها عن اعتداء عصابات الهاجاناه على الأعراض كان له الأثر الأكبر في الترحيل.
وبيّن أن الانتداب البريطاني “نهش الجسم الفلسطيني وعمل على إضعافه” لصالح العصابات اليهودية، مشيراً إلى أن القوات البريطانية قامت بدخول المدن الفلسطينية، كما حصل في قيسارية، وتجميع الثوار واعدامهم قبل أن تقوم بإخلاء الفلسطينيين من القرى، وهو ما حصل مع أهالي قرية برية قيسارية، في سيارات عسكرية وترحيلهم قسراً.
وعن سبب الهجرة والترحيل، بيّن الحاج علي أن الخوف كان العامل الأكبر في ترحيل وهجرة الفلسطينيين من مدنهم وقراهم وأراضيهم، “لا سيما المذابح التي قام بها عناصر العصابات اليهودية بحق المدنيين الفلسطينيين العزل وقتل العديد منهم، وسقوط حيفا، “رأس المقاومة وقتها”، كان عاملاً حاسماً في الهجرة.
*حق عصيُّ على النسيان
يؤكد الحاج علي أنه ومن في جيله سيزرعون في أبنائهم وأحفادهم ونعلمهم عدم النسيان، وأن حق العودة لا رجعة عنه”، لافتاً النظر إلى أن الاحتلال باعتداءاته في كل بقعة بأرض فلسطين يعمل على تذكيرنا دوماً بأن فلسطين لنا ولن تموت أفكارنا وسنعود ولو طال الأمد.
ويضيف “الشعب لا يزال يصر على العودة لأرضه وبلاده التي هجر منها بالرغم من المذابح والاعتقالات التي ارتكبت بحقه، وبالرغم من تكالب الأمم كلها على الشعب والتآمر عليه”.
وعن وضعه الحالي كعضو برلمان فلسطيني وكيفية مساعدة اللاجئ، أوضح الحاج علي “واضبت على نشر الوعي بين الفلسطينيين صغاراً وكباراً حول النكبة ومراحلها وما مرّت به القضية الفلسطينية وما زلت أعمل على ذلك”.
ولفت الحاج علي النظر إلى أنه ورفقة بآخرين من القيادات الفلسطينية الإسلامية، “لا سيما النائب المتوفي الشيخ حامد البيتاوي”، قاموا بتربية جيل من الشباب الفلسطيني “ومن مختلف التنظيمات الفلسطينية”. متابعاً: “نذرت نفسي لكي أكون وثيقة حيّة وشهادة حق لزرع الوعي والصورة الحقيقية في عقول وفكر الفلسطينيين”.
*المجتمع الغربي تخلص من اليهود على حساب فلسطين
وعن دور المجتمع الغربي وتخلصه من اليهود، رأى الحاج علي أن المجتمع الغربي وأمريكا “ارتكبوا الجريمة الأكبر في التاريخ بحق الشعب الفلسطيني، مدفوعين بالحقد الصليبي”، ولذلك وكوني في المجلس التشريعي الفلسطيني كنت في لجنة اللاجئين وكان لدينا خطط تضع القضية في المسار الصحيح، “ولكن أمريكا والاحتلال الإسرائيلي وخسارة البعض لما كان لهم من مركز عَمِلَ على إفشال التجربة التشريعية الجديدة”.
وأشار عضو البرلمان الفلسطيني عن حركة “حماس″ إلى أن مآسي الشعب الفلسطيني تتكلل إلى جانب النكبة والاحتلال بما يسمى “اتفاقية أوسلو”، والتي نقلت الصراع من بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي إلى الصراع الداخلي بين الفصائل الفلسطينية بين مؤيد ومعارض لأوسلو وهو ما نتج عنه الإنقسام الداخلي.
وقال: “المفاوضات قَسَمَت ظهر الشعب الفلسطيني وعملت على إضعاف الجبهة الفلسطينية وكانت خياراً خاطئاً، ومنظمة التحرير الفلسطينية تمثل الروح المهزومة التي دمرت الشعب الفلسطيني والقضية عندما تنازلت عن الحق الدولي الذي أعطي للفلسطينيين”.
وحول القرارات الدولية التي سارت بدربها السلطة والمنظمة والتنازل عن بعض الثوابت، أكد الحاج علي أن “حق العودة كان قوياً جداً بمستوى قرار 194، والذي أوجب حق العودة للاجئ الفلسطيني لأرضه التي هجر منها مع حق التعويض”.
واستدرك: “ولكن اعتراف منظمة التحرير بدولة الاحتلال ،”إسرائيل”، مثّل جريمة وخطأ كبير في اجتهاد مدمر للوضع الفلسطيني، “ورجالات أوسلو”، التي لا تملك شيئاً في أرض الأجداد تنازلت عن كل شيء وعملت على إفشال القرارات الدولية التي جاءت لصالح القضية الفلسطينية، في بدايتها، واعترفوا بدولة الاحتلال ومنحوها الشرعية”.
*الوطن العربي مأسوف على حاله
وعن الوضع الذي آلت له الأوضاع في أيامنا هذه ووسيلة التحرير، أشار الحاج علي إلى أن “تغير عقيدة المقاوم الفلسطيني من تحرير الأرض المحتلة إلى الدفاع عن المحتل الإسرائيلي، بعد تعرضه لغسيل دماغ وإقناعه بأن أرضه ودولته هي تلك الكنتونات في الضفة الغربية وقطاع غزة، ساهم في تثبيت المحتل على الأرض وأفشل العديد من مشاريع التحرير وأبرزها المقاومة”.وحول الوطن العربي وأمل اللاجئ الفلسطيني بالعودة وتحرير الأرض والوطن، رأى الحاج علي أن “الواقع المرير في الوطن العربي مأسوف عليه، ولكن الأمل بالله أن تحيا هذه الأمة وتقوم من جديد”.واستدرك: “والأمل الآن معقود على ذاتيتنا الفلسطينية بالتوحد والإجماع على برنامج واحد ونتخلى عن شيء من مصالحنا لصالح القضية العادلة، ومصير السرطان الصهيوني الذي زرع في أرضنا سيكون الزوال وهذه الروح تتجلى في فكر الصغير والكبير من الفلسطينيين”.
www.deyaralnagab.com
|