logo
1 2 3 41134
واحة محاميد الغزلان تقاوم عزلتها في قلب الرمال المغربية !!
10.04.2014

محاميد الغزلان (المغرب)- سعيد الكان.. الساعة تشير إلى السابعة والنصف مساء، هنا مدينة محاميد الغزلان التي تبعد عن العاصمة المغربية الرباط نحو 600 كيلومتر جنوبا، وهي أبعد نقطة في المملكة المغربية، وتبعد حوالي 40 كيلومترا عن الحدود الجزائرية.في الطريق إلى محاميد الغزلان يصادف المسافر إلى تلك المدينة كل تضاريس المغرب تقريبا، من سهول وجبال وكثبان رملية، وعلى مشارف البلدة تستقبله أشجار النخيل من الجانبين، قبل أن ينفرج مجال الرؤية عن صحراء تتوسطها أبنية مترامية هنا وهناك على ضفتي وادي درعة، تشكل مجتمعة منطقتي “محاميد البالي” و”محاميد الجديد”.منطقة “محاميد البالي” ـ أي القديم ـ على الجانب الجنوبي للوادي، تضم أغلب مساكن أهل محاميد الغزلان، وتتميز بأبنيتها الطينية القديمة، وبينها بنايات ذات طابع تاريخي. و”محاميد الجديد” تقع على شمال الوادي حيث أغلب الفنادق والمقاهي ومحال المنتجات التقليدية، وسوق الإثنين الأسبوعي.ويرجع أصل تسمية المنطقة بمحاميد الغزلان، إلى اسم أكبر “دوار” في المنطقة الذي بدوره استمد هذه التسمية حسب بعض الروايات الشفاهية من كون مجموعة من الغزلان كانت تشرب من وادي درعة وتحديدا بمنطقة المحاميد.وتعتبر المنطقة حلقة وصل بين سكان أفريقيا الغربية، حيث كانت أهم ممر للقوافل التجارية التي كانت تحمل الذهب في اتجاه شمال أفريقيا من الجنوب، كما أنها منطقة استراتيجية للقبائل الرحل، شكلت مجالا للاستقرار البشري منذ عهود قديمة، الشيء الذي يتأكد من خلال أدوات قديمة وقطع حجرية، ونقوش صخرية تجدها في المنطقة.سكان المنطقة يقطنون منازل إسمنتية وطينية على الطريقة المحلية، على شكل تجمعات سكنية، وتتوفر فيها بعض المرافق الحيوية كمركز صحي ومقر البريد، وثلاث مدارس للتعليم الأساسي، والإعدادي، والتأهيلي (الثانوي). مناخها جاف وحرارتها ترتفع إلى 47 درجة، وتنخفض إلى 4 درجات في الشهور الباردة، وبطبيعتها الصحراوية، تشهد في أوقات من السنة رياحا قوية وزوابع رملية.
توجد في محاميد الغزلان أبنية سياحية متعددة، من فنادق ونُزُل ضيافة، مرورا بمنتجعات الرياضة والمخيمات الصحراوية، ما يعكس استغلالا مهما لمؤهلاتها السياحية، ولطبيعتها العذراء، المشبعة بتاريخ يتحدث عنه ساكنة محاميد الغزلان بكثير من الحنين الممزوج بالافتخار. في هذه المنطقة تمتزج الثقافات منذ قديم الزمن، فإلى جانب القبائل الحسانية المتنوعة، توجد ساكنة تشكل امتدادا تاريخيا لقبائل أمازيغية عريقة.ويقول “بوجمعة” أحد أبناء محاميد الغزلان: “يوجد هنا تنوع كبير من القبائل، قبائل أصلها القديم من اليمن، تجمعها نفس الثقافة مع الصحراء المغربية نواحي الساقية الحمراء ووادي الذهب، لكنها قبائل مختلفة، أيضا نحن متأثرون بثقافة الطوارق شمال مالي، ستلاحظ أننا لا نختلف عنهم كثيرا في لباسنا وتقاليدنا وطريقة عيشنا في الصحراء”.وفعلا تلاحظ هنا عمامات ملونة ضخمة تذكرك بأزياء الطوارق، إنه مزيج ثقافي يجمع غرب الصحراء بشرقها، وتفسير ذلك في التاريخ الطويل من التجوال في الصحراء، ففي قديم الزمن كان الترحال نمط عيش بالنسبة لساكنة محاميد الغزلان، وهنا كانت قبائل الرحل تبني خيامها وتجد الكلأ لماشيتها، حول واحة لمحاميد.أحد شيوخ قبائل محاميد الغزلان، ويدعى لحسن حنانا يقول: “ما نتذكره من عهد الاستعمار في الخمسينات، أننا كنا نرحل من هنا صوب الساقية الحمراء جنوبا، أو صوب مالي شمالا، وكانت الصحراء مفتوحة أمامنا، كان الرحل يتاجرون أيضا، يأخذون أواني الألمنيوم من مراكش صوب مالي، ويأتون من هناك بالألبسة والملح”.يضيف الشيخ أن الرحل كانوا يتحركون مرتين في السنة، زمن الخريف والربيع، محملين بقرب الماء المصنوعة من جلد الماعز، تجنبا للعطش، أما في الصيف فكانوا يتجنبون السفر.
نمط الحياة هذا آخذ في الزوال، بعد أن فرضت الظروف على هذه القبائل أن تستقر في وادي ومدن المنطقة، انغلاق الحدود أمامها لم يترك أمام قبائل الرحل مجالا لممارسة حياتها القديمة، فبعد أن تعود الرحل على قطع أزيد من ألفي كيلومتر صوب الشمال المالي، لم تعد أمامهم بفعل الحدود إلا حوالي 20 كيلومترا في عمق الصحراء.حسب الإحصائيات الرسمية، فساكنة محاميد الغزلان ينخفض تعدادها سنة بعد سنة، هذه المنطقة التي عرفت بإنتاج التمور والحبوب تعاني اليوم من القحط، والرمال تتمدد على الأراضي الزراعية، وقطعان الإبل والماعز تتناقص.ويقول حنانا أحد شيوخ قبيلة عريب في محاميد الغزلان: “كان قديما بالمنطقة مخازن للحبوب تـــكفي لخــمس أو ست سنوات، وكان الرجل مـــنا يملك بين 400 و600 ناقة، حتى الشاب في بداية حياته كان يملك من 30 إلى 40 نــاقة، نـــاهيك عن المئات من رؤوس الأغنـــام والمـــاعز، هكذا كانــت تـــعيش قـــبائلنا”.ورغم هذه الظروف، لا زالت محاميد الغزلان تعتمد على منتوجها من التمور والشعير والقمح، معتمدة على المياه القادمة من سد المنصور الذهبي عبر وادي درعة. وتعتمد الساكنة في الحصول على مياه الشرب من بئر “بومراد” الذي يبعد عن مركز المحاميد بـ 18 كلم حيث يعتبر النقطة الوحيدة التي تتزود منها الساكنة بالماء الصالح للشرب، أما المياه الجوفية فهي مالحة ولا تصلح للزراعة، وتوجد على عمق 14 مترا في المتوسط. الطريق الوطنية رقم 9 هي الممر الوحيد إلى محاميد الغزلان، كما تربطها بجهات أخرى طرق غير معبدة، أمر يكرس عزلتها على أبواب الصحراء.لكن السياحة تكسر هذه العزلة سنة بعد سنة، فإضافة إلى انخراطهم في سلك الجندية، يتوجه عدد من شباب المنطقة إلى العمل في السياحة، حيث توجد أربعة فنادق مصنفة و21 فندقا غير مصنف، إضافة إلى العديد من المخيمات الثابتة والمتنقلة.وجه آخر من أوجه مقاومة العزلة يتجلى في الأنشطة الثقافية ذات الطابع الدولي، فمحاميد الغزلان تتميز اليوم بمهرجان دولي للبدو الرحل، هو بمثابة فرصة سنوية تستقبل فيه زوارها من السياح والفنانين ورجال الإعلام، كما تعرف مهرجانا فنيا ثانيا باسم “تاراكالت” يحتفي بموسيقى البدو عبر العالم.تاريخيا، لمحاميد الغزلان دور كبير في ربط الشمال بالجنوب، لكنها اليوم تقاوم عزلة فرضتها عليها الجغرافيا والطبيعة وشيء من السياسة، لكن زائرها سيلاحظ في أوجه ساكنتها طيبة البدو الرحل، وحفاوة الاستقبال وحسن الضيافة، هذه هي أفضل مقومات نهوضها، وهي ورقتها الأخيرة لكسر عزلتها، والأخذ بزمام المبادرة.
*المصدر : العرب


www.deyaralnagab.com