تراكمات حصار غزّة تخلّف توترات “عَصبية” و”اجتماعية”!!
10.01.2014
غزة ـ نور أبو عيشة.. لم يكن العقاب الذي تعرّض له الطفل أحمد البالغ من العمر تسعة أعوام بذات حجم الخطأ الذي ارتكبه، فكسره لـطبق زجاجيّ في المنزل تسبب له بصفعات متتالية من والده على ظهره ويديه، ناهيك عن “التوبيخ” واتهامه بالغباء.العقاب الذي تعرض له أحمد دفعه للانطواء على نفسه، والجلوس لساعات طويلة وحيداً ليذهب –بعد ذلك-في نوم عميق.أما والدته “آلاء النبيه” التي لم تستطع أن تحمي طفلها من العقاب المفرط، قالت لوكالة “الأناضول” :” أعلم جيداً أن غضب زوجي (محمد النبيه) على طفله وضربه لا مبرر له، فهو يعود إلى المنزل بعد يوم طويل من العمل والضغط، ومن الطبيعي أن يترجم الضغط الذي تعرض له لعنف”.وأشارت إلى أن زوجها الذي يعمل سائقَ “أجرة” يقف لساعات طويلة أمام محطات الوقود، ليحظى ببعض الليترات من الوقود مرتفع السعر “الإسرائيلي”، مضيفةً:” وبما أن تسعيرة الراكب الواحد لم ترتفع، فإن عمل زوجي لا يكفي إلا بتوفير أهم الحاجيات.. هذا وإن وفّرها”.
وأرجعت النبيه سبب غضب زوجها المتكرر وتوبيخه لطفله للضغوطات التي يتعرض لها في عمله، لافتةً إلى “توتر” علاقاته الاجتماعية مع أقاربه أيضاً، مضيفة:” تفكير زوج بتوفير إيجار السكن وتكاليف الحياة لأطفاله يضعه في توتر دائم”.وتؤكد ختام أبو شوارب، الأخصائية الاجتماعية في مؤسسة “برنامج غزة للصحة النفسية”، أن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 7 سنوات والذي اشتدت حدّته في الأشهر الأخيرة لم يقتصر على خلق أزمات اقتصادية ورفع مستويات البطالة والفقر، إنما ساهم أيضاً في زيادة نسبة الضغوطات النفسية.وتضيف قائلة للأناضول: “الوضع الاقتصادي المتردي في غزة وارتفاع نسب البطالة والفقر، وتوقف المصالح التجارية، وكساد البضائع في الأسواق، وتأخر مواعيد صرف الرواتب، كلها أدت إلى وجود ضغوطات نفسية على رب الأسرة المعيل لأفراد عائلته، وعلى النساء والأطفال أيضاً”.وأشارت إلى أن الوضع الاقتصادي المتردي في القطاع أثر على العائلات الفلسطينية، بحيث يتحمل رب الأسرة ضغوطات نفسية واقتصادية لتوفير الحد الأدنى من مستلزمات “السكن والمأكل والتعليم والعلاج والملابس″ لأفراد أسرته، كلّ هذا مع انعدام مصادر الرزق بعد تشديد الحصار على القطاع.ووفق أحدث الأرقام الصادرة عن اتحاد العمال في غزة، فقد تعطّل (120) ألف مواطن يعيلون (615) ألف نسمة عن العمل جراء هدم الأنفاق الحدودية مع مصر بالتزامن مع تشديد الحصار الإسرائيلي على القطاع.وبحسب وزارة العمل في حكومة غزة المقالة، فإن معدلات البطالة ارتفعت خلال الربع الأخير من العام 2013 من 27% إلى 34%.غير أن اللجنة الشعبية لكسر الحصار قالت إن معدلات البطالة في القطاع ارتفعت لـ(50)%، وأما الفقر فقد تجاوزت الـ(80)%.
وأوضحت أبو شوارب أن هذه الضغوطات النفسية قد تترجم خلال وقت قليل لـ”التوتر العصبي” و”قلق” رب الأسرة المستمر من المستقبل بحيث يتأثر بأبسط المؤثرات الخارجية بشكل سريع، وينتج عنه سلوكيات وصفتها بـ”العنيفة”.وأوضحت أن التوتر الصعبي والقلق يؤديان إلى توتر العلاقات الاجتماعية سواء داخل الأسرة الواحدة أو خارجها.وأضافت:” يمكن أن نرجع ارتفاع نسب الطلاق إلى هذه الحالة، بحيث تنفجر الضغوطات النفسية التي يسببها الوضع الاقتصادي إلى طلاق وانفصال ينتج عنه تشرد الأطفال وعدم الاهتمام بهم”.
وحول آثار الطلاق على أفراد الأسرة التي تعرضت له، أوضحت أبو شوارب أن الأسرة التي انفصل أحد الوالدين عنها يتعرض أطفالها للعنف الجسدي، أو انحرف سلوكهم حتى وصل إلى “إدمان” المخدرات سيّما “الأترمال” –منخفض السعر-.وتابعت:” المشاكل الأسرية الناتجة عن الضغوطات النفسية والاقتصادية داخل الأسرة، وانفصال الوالدين، تخلق مشاكل نفسية وتوتر عصبي داخل نفوس الأطفال خاصة المراهقين مما يدفعهم إلى إدمان المخدرات والعقاقير المسكنة”.كما أن الطلاق وتبعاته النفسية على الأطفال يؤثر على تحصيلهم الدراسي، بحيث عانت الكثير من العائلات التي حدث فيها الطلاق من تراجع التحصيل العلمي للأطفال كما عانت من تسربّهم من المدارس بسبب إصابتهم بـ”الاكتئاب” و”الاحباط”-حسب أبو شوارب-.وأكدت الاخصائية النفسية أن الوضع الاقتصادي أثر على نسبة “العنوسة” في المجتمع الغزيّ، بحيث يمتنع الشباب ذوي الدخل المحدود أو المتدني من التقدم للزواج؛ بسبب ارتفاع أسعار المهور والتجهيزات للمنزل مما يؤدي إلى إصابته بـ “الاحباط” و”الاكتئاب”.وحول المشاكل الاجتماعية وتوتر العلاقات بين العائلات، قالت أبو شوراب:” إن الضغط النفسي الذي خلّفه الحصار يؤدي إلى استخدام العنف بين العائلات التي تتشابك يومياً، فتستخدم السلاح وما ينتج عنه من حالات قتل وإيذاء للآخرين”.وأشارت أبو شوارب إلى أن الأمراض النفسية كـ”القلق” و”التوتر” تؤدي للإصابة بأمراض جسدية كـ”الأمراض العصبية، والقلبية، وضغط الدم، والسرطان”، وبسبب انعدام الدخل للكثير من الأسر الفلسطينية فإن علاج هذه الامراض قد يواجهه الكثير من الصعوبات.
وكانت دراسة أصدرها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الشهر الماضي، قد ذكرت أن تأزم الوضع الاقتصادي انعكس بالسلب والضرر على الحياة الأسرية والوضع الاجتماعي والصحي والنفسي لنساء القطاع، إذ عبر 58.9% من السيدات –في عينة الدراسة- عن اعتقادهم أنّ معدل العنف ضد النساء داخل الأسرة قد ازداد في فترة الحصار. بينما أعربت نسبة 61.3% منهن عن الاعتقاد بأن العنف ضد الأطفال تنامى بفعل ضغوطات الحصار.وقالت الدراسة إن نسبة90% من النساء ترى أن مستوى العصبية والقلق والتوتر داخل الأسرة ارتفع بشكل ملحوظ.وكشفت 24.6% من السيدات عن ارتفاع حالات الطلاق داخل العائلات لسبب عائد إلى تفاعلات الحصار.وحسب الدراسة، عبرت 28.4% من –سيدات العينة-عن اعتقادهن بأن الحصار وتداعياته تسبب في رسوب أطفالهن في مادة دراسية أو أكثر، بينما 56.9% قلن إن درجات أبنائهن قد انخفضت، في حين أن 7.9% من الأسر المستطلعة شهدت حالة تسرّب واحدة على الأقل لأجد أبنائها من مقاعد الدراسة.وأكدت أن الحصار أثّر على الوضع الصحي للمرأة في غزة، بحيث أعربت 49.9% منهن عن عدم قدرة أسرهن على توفير التكاليف العلاجية بصورة مريحة!!
www.deyaralnagab.com
|