تمر "بوستحمي" الجوهرة السوداء الحاضرة بقوة في أسواق الدار البيضاء بالمغرب!!
05.04.2024
الدار البيضاء ـ قليلون هم الذين يعرفون قيمة تمر “بوستحمي”، الجوهرة السوداء التي تسافر من واحات النخيل بالجنوب الشرقي للمغرب، كي تجد لها مكانا ضمن عمليات الرواج التجاري بالعاصمة الاقتصادية بمناسبة الشهر الفضيل.
ولشدة شغف الكثير من التجار بها، وكذلك الألفة التي نسجوها مع هذه التمور ذات اللون الأسود، فإنهم يطلقون عليها من باب الطرفة والتمثل الشعبي للأشياء اسم بوب مارلي، لتفردها في كل شيء، إضافة إلى فوائدها الكثيرة لعل أبرزها أنها تمور وطنية لذيذة خالية من كل المواد الكيميائية.
فهذا العشق حاضر بقوة أيضا لدى سكان الجنوب الشرقي، خاصة بإقليم زاكورة، وهو ما تعكسه عبارة “بوستحمي ولد عمي” التي يرددونها كثيرا بالنظر لعلاقة الألفة التي تجمعهم مع هذه التمور “العزيزة على قلوبنا”، كما أسر بذلك أحد تجار التمور بالدار البيضاء المنحدر من إقليم زاكورة.
وحسب عبدالرحمن الشملي، هذا التاجر المتخصص في التمور الوطنية والمنحدر من دوار (بوخلال) زاكورة، فإن هذه التمور ذات اللون الأسود الغامق والتي يبلغ سعر بيعها ما بين 20 و30 درهما للكلغ الواحد، تعرض حاليا بمختلف أسواق الدار البيضاء بمناسبة الشهر الفضيل، لكنها متواجدة بكثرة في سوق درب ميلا بحي الفرح، ربما لأن الذين خلقوا معها ألفة خاصة منذ سنوات، تعودوا على اقتنائها بهذا الفضاء التجاري الذي يشهد رواجا كبيرا كلما حل الشهر الفضيل.
فقبل رحلة “بوستحمي” من واحات الجنوب الشرقي صوب أسواق الدار البيضاء، هناك عمليات كثيرة يتم القيام بها، تبدأ أولا بالعناية بعروش أشجار النخيل، فالجني بعد النضج، ثم تليها مرحلة التخزين بالطرق التقليدية لعدة أشهر، وذلك قبل توجيهها نحو الأسواق، كما جاء على لسان الشملي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء.
في سوق درب ميلا تعرض هذه التمور في أكياس كبيرة بلاستيكية، حيث يتم تجميعها ودكها بعناية فائقة حتى لا يتسرب لها الهواء وتفسد، كما تعرض في صناديق كارتونية صغيرة، بيد أن الشيء اللافت هو أن لتمور “بوستحمي” زبائن من طينة خاصة يبحثون عنها أينما حلت وارتحلت.
هذا المعطى الأساسي، أكد عليه مصطفى العريفي تاجر آخر، في تصريح مماثل، مشيرا إلى أن “بوستحمي فريد في كل شيء، في مذاقه وصغر حجمه”، لذلك يقبل عليه الزبائن بكثرة خلال الشهر الفضيل ربما لأنهم تعودوا على مذاقه، ويبحثون عن منتجات غذائية خالية من المواد الكيميائية. وتابع أن هناك زبائن آخرين يفضلون أصنافا من التمور الأخرى الوطنية مثل “المجهول”، و”بوسكري” و”الجيهل” و”الفقوس” و”الساير” وغيرها.
من جهته، أشار فنان أحمد (تاجر آخر) إلى أنه يقوم بعمليات تربية أشجار النخيل في زاكورة، ثم جني التمور وتخزينها قبل نقلها صوب مختلف الأسواق، ومنها طبعا تمور “بوستحمي” التي تتفرد بكونها خالية من كل المواد الكيميائية، حيث تنتج وتخزن بطرق تقليدية، مشيرا إلى أن الذين يقبلون أكثر على “بوستحمي” هم في الغالب من الأسر المنحدرة من مناطق الجنوب الشرقي لأنهم يعرفون قيمتها ومكانتها الغذائية لديهم.
فإذا كانت عمليات تسويق “بوستحمي” تخضع لعدة اعتبارات، حسب ذوق كل زبون، فإن للاستهلاك أيضا خصوصياته، كما جاء على لسان بعض الزبائن الذين يفضلون هذا النوع من التمور، موضحين أنه فضلا عن الاستهلاك العادي خلال فطور رمضان، هناك من يستعمل هذه التمور ضمن مكونات إعداد الحلويات، ثم إعداد مشروب عبارة عن عصير يطلق عليه “تصابونت”، وهو خليط من عجين هذا التمر ومنتجات أخرى مجالية. وأوضحوا أن الذين يتقنون إعداد مشروب “تصابونت” يفضلون استخدام تمور “بوستحمي”، وهم في الغالب من الأسر المنحدرة من مناطق الجنوب الشرقي.
يتعلق الأمر إذن، بتمر ثمنه زهيد وطعمه لذيذ، صديق للإنسان والبيئة، حيث تستهلك كل مكوناته بل ومكونات شجرته بما في ذلك الحطب، ثم نواة التمر التي تستعمل علفا للماشية، بل هناك من يعمل على تثمين هذه النواة من خلال طحنها وإضافة مواد أخرى لها كي تصبح قهوة للاستهلاك، وهو ما تقوم به بعض التعاونيات ضمن ما يعرف بالمنتجات المجالية.
بيد أن الشيء الفريد في هذا الصنف من التمور هو الطابع الجمالي الذي يضفيه “بوستحمي” على مجاله خلال مختلف مراحل إنتاجه ونضجه، حيث يبدأ بلحا لونه أخضر، ثم يكبر فيتغير لونه كي يصبح أحمر قانيا، لكنه يتخذ لونا أسود في مرحلة نضجه.
ويقول العربي التزرني، فلاح يملك نخيل "بوستحمي" في زاكورة “أحرص على عدم بيع هذا النوع من التمر أولا لثمنه الزهيد، وثانيا لمذاقه اللذيذ". افترش التزرني قطعا بلاستيكية حول النخلة، وأخذ آلته الحادة “تمسكرت” وتسلق جذع النخلة إلى أن أمسك بجريدها، أزال بعض الأشواك، وتسلق نحو عراجين التمر، ثم أخذ في قطعها واحدا واحدا وإنزالها برفق.
ويضيف التزرني قائلا "هذا النوع من التمر لا يمكن رمي عرجونه من فوق الشجرة لأن من شأن ذلك أن يعرض التمر للضرر". واسترسل، وهو يزيل التمر من العراجين، “بعد إنزال العرجون ننزع التمر عنه، ثم نشرع في تنقيته من العيدان والتمور الفاسدة”. بعد هذه العملية “تأتي عملية غسل التمر، وتركه ليجف قليلا، ثم تتم تعبئته في أكياس بلاستيكية وتغلق بإحكام، ثم توضع فوق بعضها”.
وعملية تعبئة التمر في الأكياس البلاستيكية، يصاحبها رش التمر بالكمون، وهو ما يعطي التمر مذاقا خاصا، بحسب هذا الفلاح، الذي كشف أن ما يجعل التمر صالحا لمدة طويلة رغم الحرارة الشديدة التي تعرفها مدينة زاكورة هو خلو الأكياس من الهواء، مؤكدا أن أي كيس مثقوب سيتعرض تمره إلى التلف. ويعد التمر مكونا أساسيا في تأثيث وتزيين المائدة الرمضانية في جميع دول العالم الإسلامي، ومن بينها المغرب، وكذلك بالنسبة للجاليات المسلمة المتواجدة في مختلف أنحاء المعمورة، وتتباين أسعاره تبعا للجودة والنوعية، كما تختلف أيضا الأثمان بحسب الدول المنتجة والمستوردة.
وكشفت العديد من الدراسات أن 13 دولة في العالم العربي تنتج نحو 95 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي للتمور، حيث تحتل مصر المركز الأول، تليها السعودية، ثم إيران فالإمارات ثم الجزائر وبالنسبة للمغرب فإن زراعة النخيل، بحسب بعض المعطيات الرسمية، تمتد على نحو 48 ألف هكتار، وأن عدد النخلات المزروعة يبلغ حوالي 4 ملايين و800 ألف نخلة، أي بكثافة تقدر بـ100 قدم للهكتار الواحد.
ويرتب المغرب حاليا ثالثا على مستوى المغرب العربي، وسابعا على مستوى العالم في ما يخص قطاع النخيل وإنتاج التمور. كما أن إنتاج التمور يرتفع في السنة العادية إلى ما يزيد عن 100 ألف طن، تستهلك منها ثلاثة كيلوغرامات للفرد الواحد على الصعيد الوطني و15 كيلوغراما في مناطق الإنتاج. وتساهم منطقتا الرشيدية وورززات لوحدهما بما يعادل 90 في المئة من الإنتاج الوطني من التمور، حيث يتوزع هذا الإنتاج على مستوى ثلاث جهات رئيسية، هي ورززات 41 في المئة، تافيلالت 28 في المئة وطاطا 20 في المئة.
وتقع المساحة القابلة لزراعة النخيل المثمر بالمغرب بمنطقة الجنوب الشرقي، وهي على وجه الخصوص فكيك والرشيدية وورززات وزاكورة وطاطا. وتبعا للمعطيات الرقمية، فإن هذا النشاط الفلاحي يساهم بما معدله 40 إلى 60 في المئة من الدخل الفلاحي بالنسبة لأزيد من 1.4 مليون نسمة، ويخلق 1.6 مليون يوم عمل، أي ما يعادل 6 آلاف و400 من العمال الدائمين.
أرقام متفائلة لا تحول دون الإشارة إلى أن قطاع إنتاج التمور بالمغرب يُواجه مجموعة من التحديات، منها على وجه الخصوص “العجز الحاصل على مستوى إنتاج الفسائل والأصناف المختلطة”، التي لا تناسب حاجيات المستثمرين، مما يحد من الاستثمار في هذا المجال، وخاصة في إطار مشاريع الشراكة ما بين القطاعين الخاص والعام. وهو ما يفسر كون المغرب، رغم مؤهلاته الثرية في المجال، فإنه يستورد ما يناهز 30 في المئة من حاجياته من التمور.
ويعتبر المغرب سابع منتج للتمور في العالم من خلال توفره على حوالي 453 نوعا، لكن تبقى حصة الأصناف الممتازة منها ضعيفة، حيث لا تتجاوز 35 في المئة من الإنتاج المغربي، والذي بلغ سنة 2013 ما مجموعه 117 ألف طن، وصل منها الاستهلاك السنوي على المستوى الداخلي 3 كيلوغرامات للفرد مقابل 15 كيلوغراما بالنسبة للأفراد المتواجدين في مناطق الإنتاج.
www.deyaralnagab.com
|