تجارة الميرمية الجبلية مهنة تتوارثها الفلسطينيات!!
27.08.2022
قلقيلية (فلسطين) - في قلب الحارة القديمة ببلدة عزون شرق قلقيلية تجد نسوة يلازمن عتبة بيوتهن، جالسات يقلمن أغصان نبتة الميرمية الجبلية الجافة ويضعنها على شكل حزم في أكياس ليبعنها في الأسواق، بعد قطع كيلومترات في الجبال لقطفها. وقد ورثن هذه المهنة عن أجدادهن، بالإضافة إلى اتخاذها مصدر رزق.
ومهنة قطاف الميرمية والاتجار بها ليست وحدها المهنة المتوارثة عند نساء عزون؛ فإعداد عصير الخروب وصناعة القش والتطريز والتنجيد يمكن اعتبارها مهنا مماثلة، غير أن مهنة قطاف الميرمية “تتربع على العرش” والأوسع امتهانا.
تذهب الستينية عزية فارس أسبوعيا إلى جبال قرية عسلة ووادي قانا شرق قلقيلية، لتبحث عن الميرمية البرية، وتقول “مع ساعات الفجر الأولى أسبوعيا من يوميْ الأحد والأربعاء نستقل -أنا وجارتي- مركبة للذهاب إلى الجبال، تارة نعد الشاي وتارة أخرى نتناول الإفطار في أحضان الطبيعة ونستمتع بالبحث عن النباتات الجبلية وعلى رأسها الميرمية والزعتر البلدي”.
اسم الميرمية بحسب التراث الشعبي المسيحي يعود إلى السيدة مريم، وتختلف أسماؤها تبعاً للتراث الثقافي
ما دفع عزية إلى مواصلة مهنتها التي ورثتها عن أسرتها لنحو 30 عاما ليس تحصيل الرزق فقط، بل ترى أنها مهنة متجذرة في عائلتها تحاول الحفاظ عليها، وتقول “أبا عن جد كنا نذهب إلى الجبال ونقطف هذه النبتة ونبيعها، وبقيت إلى اليوم أقوم بالمهنة ذاتها، فهي المتنفس الوحيد لنا بعيدا عن الأحداث التي نسمعها وضجيج الحياة”.
وترافق الحاجة عزية أثناء ذهابها إلى رحلة القطف الخمسينية آمنة رضوان، التي تشير إلى أن مهنتهن ترتبط بالأرض والهوية الفلسطينية، فكثيرا ما يرددن الأغنية التراثية: “يما زرعنا الميرمية على باب الدار، فلسطين بتنادي على الثوار، يما اعطيني الفدائي لو ببلاش، دخل الأرض المحتلة وبإيدو رشاش”.
وتقول آمنة “علينا أن نحيي هذه المهنة ونحافظ عليها كإرث شعبي، فهي تدل على تمسكنا بموروثنا الثقافي والتاريخي، ولا يجب أن نهجر الأرض والأودية، لتكون محل أطماع الاحتلال في السيطرة عليها”.
وتقطف النسوة أسبوعيا ما يقارب الـ”17 كيلوغراما من الميرمية، ويبعنها في الأسواق على شكل حزم بثلاثة شواقل، فيما يبلغ سعر الكيلو الواحد 25 – 30 شيقلا. إن رحلة القطف لدى الأربعينية علياء جبر وزوجها مليئة بالأحداث التي لا تتكرر مهما طال بها الزمن، حسب قولها، وتضيف “معظم أهالي البلدة مازالوا يقصدون الجبال للترفيه عن أنفسهم وقطف الميرمية، لكن ليسوا كالسابق فهذه المهنة أوشكت على الاندثار”.
وتتابع “قديما كانت مصدر رزقنا الوحيد لإعالة أطفالنا الخمسة، أما اليوم فنذهب مع أبنائهم لرؤية الجبال وقطف الميرمية وبيعها في محل الخضروات والفواكه الذي نملكه، إلى جانب الكثير من النباتات البرية والعشبية التي نتمكن من قطفها كالزعفران وإكليل الجبل”.
الثمانينية وصفية شبيطه هي الأقدم في حارتها من ناحية امتهان هذه المهنة، حيث تجلس يوميا على كرسي أمام منزلها، وبحوزتها أكياس ممتلئة بالميرمية التي اشترتها من النسوة، وتنادي بأعلى صوتها “ميرمية يا بنات… شجيريه يا معمرات البيوت، شجيريه لوجع البطن”.
الميرمية تحتوي على مجموعة من المركبات النباتية الكيميائية والزيوت العطرية والفيتامينات والمعادن الأساسية المعروفة بمكافحة المرض وتعزيز الصحة
وتقول وصفية “كنت أذهب إلى الجبال وأقطف الميرمية والزعتر لنحو 42 عاما، ولم أتوقف إلا بعد إصابتي بأمراض في قدميّ، وبالرغم من ذلك بقيت أشتريها وأبيعها كما اعتدت، لكن ليس من خلال تنقلي إلى القرى والبلدات، بل من أمام منزلي، فرائحتها جبلية زكية، وفوائدها صحية جمة”.
وحسب أخصائية التغذية ملك خضر فإن الميرمية لها أسماء متعددة منها “التشجيرية، والمرمرية، والميرمية”، وكلها واحدة ولها العديد من الفوائد الصحية، منها تعزيز القدرات العقلية والوقاية من الزهايمر، وتعزيز صحة القلب والجلد وخفض الكولسترول، وتعزيز المناعة وتقويتها، كما أنها علاج فعال ضد مشكلات الطمث وأعراض سن اليأس، بالإضافة إلى أنها مضاد للالتهابات والحساسية.
وأشارت إلى أن هذه الفوائد تنبع من كونها تحتوي على مجموعة من المركبات النباتية الكيميائية والزيوت العطرية والفيتامينات والمعادن الأساسية المعروفة بمكافحة المرض وتعزيز الصحة، ونصحت بأن يتم شرب الميرمية على الريق للحصول على أكبر فائدة.
وتقول جمعية الحياة البرية إن هذه النبتة بحسب التراث الشعبي المسيحي تعود باسمها إلى السيدة مريم، وتختلف أسماؤها تبعاً للتراث الثقافي في مختلف المناطق الفلسطينية، وهي نبتة من العائلة الشفوية، تتبع نظام البحر الأبيض المتوسط وتنمو في المناطق الجبلية في فلسطين، خاصة في جبال القدس الغربية وجبال سلفيت والخليل ورام الله.
www.deyaralnagab.com
|