العراقيون سئموا من غزو العواصف الرملية!!
09.07.2022
بغداد - رغم العواصف الرملية أو الترابية لا يستطيع عامل التوصيل ميلاد متي تحمل خسارة يوم عمل، ومثل الغالبية العظمى من العراقيين لا يخفي سأمه من هذه الظاهرة التي اتخذت أبعادا غير مسبوقة في الأشهر الأخيرة.
للتنقل في شوارع بغداد على دراجة نارية وتوصيل وجبات الطعام للزبائن، يقوم الشاب البالغ من العمر 30 عامًا بتجهيز نفسه قدر الإمكان فيضع نظارات للاحتماء من الغبار وغطاء رمادي للرقبة يسحبه فوق فمه وأنفه ليتمكن من التنفس.
مع هبوب العشرات من هذه العواصف منذ منتصف أبريل الماضي، ألف أهل العراق الاستيقاظ على سماء رمادية يعكرها الغبار، وهذا عندما لا تلفّ هالة برتقالية مدن البلاد.
ففي الكثير من الأحيان اضطرت المطارات إلى تعليق رحلاتها بسبب تدني الرؤية. ومجددا علّق مطار بغداد الدولي الأحد رحلاته لعدة ساعات.
ويرى الأطباء أن تتالي العواصف الخانقة ستترتب عليه تداعيات خطرة على الصحة العامة للمواطنين ولاسيما المصابين بالأمراض المزمنة، وأمراض الجهاز التنفسي والحساسية، وحتى الأصحاء معرضون أيضا لخطر هذه العواصف الهوجاء التي تحمل معها ذرات ملوثة.
وأعلنت وزارة الصحة الاثنين عن توجه أكثر من 500 شخص إلى المستشفيات في مختلف أنحاء البلاد بسبب مشاكل في الجهاز التنفسي، غداة هبوب عاصفة رملية جديدة.
ويقول متي في إحدى ساحات بغداد المكتظة “إنها أول سنة تكثر فيها العواصف الترابية”. فخلال أول يوم أحد من شهر يوليو، كان عليه تحمل درجات حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية وعاصفة ترابية جديدة.
ويضيف الشاب الثلاثيني “الرؤية غير واضحة. وتشعر بأنك تختنق من الحر. تختنق ولا تستطيع التحمل وعليك شرب العصائر والسوائل حفاظا على سلامتك”.
متي متزوج ولا يمكنه التغيب عن شغله الذي يحصل من خلاله على راتب شهري قدره 600 دولار. ويوضح “لا يمكنني أن أوقف العمل لديّ عائلة وعليّ أن أتحمل هذه المسؤولية”.
وعلى الرغم من الحرارة الشديدة في مدينة تنتصب فيها المباني الخرسانية، يزداد عدد المارة الذين يضعون أقنعة في بلد لم يستخدم فيه معظم السكان الكمامات خلال جائحة كورونا.
وعلى شرفة مقهى مقفر حيث غطت طبقة من الغبار كراسي الجلد الأسود، يهم نادل يحيط خصره بمريلة بنية اللون بمسحها بقطعة قماش مبللة، ثم يستخدم خرطوما لغسل الأرض بالماء.
وفي سوق الشورجة للجملة ببغداد، كان خلف علي جاسم البالغ من العمر 60 عاما، يدفع عربة بثلاث عجلات وسط عاصفة ترابية الأحد رغم مرضه وضيق التنفس الذي يشعر به.
وقال الرجل الذي يعمل عتالا “رغم رضي أخرج مضطرا إلى العمل فلا معاش لي وعندي بنات يحتجن مني إلى توفير قوتهن اليومي”.
وعلى مقربة منه، أنحى البائع المتجول أحمد هادي الذي يبيع الخضار على عربته باللائمة على السلطات في تقديم وعود كاذبة أثناء الانتخابات وعدم توفير ما يكفي العمال أمثاله لكسب قوتهم.
وقال الرجل البالغ من العمر 37 عاما “هذه العواصف تتالي منذ شهرين لكننا مجبرون على الخروج إلى العمل فنحن نعيش على باب الله فلا أحد يعطينا إذا لم نشتغل، والساسة لا يتذكروننا إلى أيام الانتخابات يأتوننا محملين بالوعود وحين يفوزون لا يتحقق لنا أيّ شيء”.
وفي مايو الماضي، أسفرت العواصف الرملية عن مصرع شخص بينما تلقى ما لا يقل عن 10 آلاف شخص العلاج في المستشفى بسبب مشاكل في الجهاز التنفسي.
وتضرر بشكل رئيسي المسنون والمصابون بالربو أو بخلل في الجهاز التنفسي وأمراض القلب والذين يعتبرون الفئات الأكثر عرضة للخطر، وفقًا للسلطات الصحية.
ويقول الطبيب سيف علي عبد الحمزة رئيس الأطباء المقيمين في مستشفى الكندي “ازدادت شدة العاصفة كثيرًا.. خلال الأسابيع القليلة الماضية ازدادت الأيام التي تحدث فيها العواصف ومن ثمة ارتفعت نسبة حالات الاختناق نتيجة لها”. ويضيف، “أغلبية المرضى المراجعين يعانون من أمراض مزمنة مثل الربو والتحسس القصبي وغالبيتهم من كبار السن”.
وتقول السلطات إن العراق واحد من الدول الخمس الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي والتصحر، وهي من العوامل وراء تكاثر العواصف الرملية.
وعلى مدى العقدين المقبلين من المتوقع أن تشهد البلاد “272 يومًا من الغبار” سنويًا وفي عام 2050 سيتم الوصول إلى عتبة 300 يوم وفقًا لمسؤول من وزارة البيئة.
ومن الإجراءات الموصى بها لمكافحة هذه الظاهرة، ذكرت السلطات إنشاء أحزمة خضراء حول المدن، لكن الدولة التي يبلغ عدد سكانها 41 مليون نسمة تعاني أيضًا من نقص المياه وانخفاض هطول الأمطار.
ويقول رزاق جاسم وهو كهربائي “كان لدينا من قبل حزام أخضر حول بغداد وسيعود بالفائدة إذا أعيد زرعه” مشيرا إلى “تقصير” من قبل السلطات. ويضيف “لدينا المليارات التي تنفق على أمور تافهة” في بلد غني بالمحروقات.
ويضيف جاسم أنه اعتاد على العواصف حتى لو أدت إلى تعقيد وإبطاء وتيرة العمل. ويقول أثناء استراحة في محل يتولى فيه تركيب الإضاءة “تضع كمامة، وهي مزعجة قليلا تشعر معها وكأنك تختنق وتريد نزعها. تنزعها فتتنشق التراب. فتعيدها. نحن نغسل وجوهنا وأفواهنا كل ساعة”.
أما المنازل فتحتاج إلى أعمال التنظيف المستمرة. ويقول “كل ما تزول عاصفة نقوم بحملة لغسل البيت كله. ومهما كان البيت مقفلا يدخله التراب”.
لكن الرجل البالغ من العمر 35 عامًا والمتزوج ولديه ثلاثة أطفال يقول إنه لا مجال للاستسلام. ويضيف “كل شيء عندنا أصبح بالمال.. لم يعد للحكومة أيّ شيء تقدمه لنا. عندما نموت سنتوقف عن العمل. ما دمنا على قيد الحياة علينا مواصلة العمل”.
www.deyaralnagab.com
|