logo
1 2 3 41134
العنب في فلسطين.. دبس وملبن ونبيذ!!
03.10.2020

*يستقبل المزارعون الفلسطينيون بفرح موسم جني العنب كما يستقبلون موسم جني الزيتون. فالعنب أحد ملوك الفواكه الثلاث (الرطب والتين والعنب) باعتبار أن موسمه يعود بالرزق عليهم ومنه يدخرون مؤونة تُدفئ شتاءهم، لكنّ كورونا جعل مردود هذا الموسم قليلا رغم أن الإنتاج وفير.
الخليل – يعاني مزارعو العنب في فلسطين من انخفاض حاد في سعر المحصول ووصوله إلى أدنى مستوياته لهذا العام، خاصة في فترة ذروة الإنتاج الممتدة ما بين منتصف شهر أغسطس وحتى منتصف سبتمبر.
يقول المزارع يوسف أبوريان إن هذا الموسم شهد انخفاضا كبيرا في سعر كيلو العنب، مضيفا، أن هذه المشكلة ليست جديدة، لكنها تضاعفت هذا الموسم نتيجة جائحة كورونا وتأثيرها السلبي على السلوك التسويقي للمزارعين، والذي بدا واضحا من خلال إسراعهم بضخ منتجاتهم للأسواق، خوفا من احتمال العودة للحجر وبقاء المحاصيل على الأشجار. وأمام ركود منتوجاتهم ورخص ثمنها، يحرص المزارعون على تحويل ما زاد من المحصول إلى الزبيب بعد تجفيفه، وصناعة الملبن والمربى والدبس والخل وغيرها من المنتجات التي مازالت العائلة الفلسطينية تحتفظ بها حتى باتت إرثا تتناقله الأجيال.
ويعد الدبس أحد الأطعمة الشعبية الفلسطينية التي تحضر منزليا وبطرق تقليدية عبر عصر وطبخ ثمرة العنب. وباتت هذه الأكلة غير متوفرة على نطاق واسع نتيجة تطور التصنيع الغذائي، لكن مازالت العديد من العائلات في الخليل وبيت لحم اللتين تشتهران بزراعة العنب، تصنع الدبس بطريقة ورثتها عن الأجداد. ويقول أحمد عطية جابر (82 عاما) المنهمك برفقة أفراد أسرته أولادا وأحفادا في إعداد مربى دبس العنب.
في تقليد سنوي يرافق الموسم “نعمل على وضع عصير العنب الذي حصلنا عليه في المرحلة الأولى في وعاء معدني كبير يسمى الدست بعد تصفيته بقطع القماش المتوفرة، ونسمي هذه العملية الزلزلة، ثم يوضع على النار، للوصول إلى مرحلة تسمى السلق، حيث تستغرق من الوقت نحو أربع ساعات”. ويضيف “نقوم في اليوم التالي بزلزلة العصير
المسلوق مرة أخرى، من أجل التخلص من جميع الترسبات، إضافة إلى التخلص من الشوائب التي تظهر على شكل مادة تسمى ‘قوشة، والتي تزال بمصفاة حديد كبيرة”. ويوضح “بعد الانتهاء من مرحلة الزلزلة، تبدأ مرحلة الطهي التي تستمر لساعات طويلة، يوضع خلالها الدست على قاعدة من الحديد ونبدأ بوضع الحطب أسفلها بحذر، حيث أن أي زيادة في الحرارة تؤدي إما إلى حرقه وإما إلى فورانه خارج الوعاء”.
ويقول “تنتهي هذه الرحلة بفحص الدبس من خلال كثافته، فإذا كانت عالية يكون جاهزا، ويمكن ملاحظته بالعين ومن خلال الطعم أيضا”.
وعن المردود المادي للدبس يقول “الأمر غير مجد كثيرا، لكن هدفنا هو التمسك بمهنة أجدادنا، وبأرضنا حتى لا تكون هدفا للاحتلال الذي يهدد بمصادرتها لصالح الاستيطان، ونحن بقيامنا بزراعتها وإنتاج الدبس نثبت وجودنا وحقنا بهذه الأرض”.
ويستخدم العنب بأشكاله كافة في المطبخ الفلسطيني، من ذلك صناعة الملبن وهي حلوى على شكل رقائق صفراء بسمك 2 ملمتر، تصنعها العائلات من العنب الأبيض بالتحديد وليس الأسمر. ويقول الحاج موسى عاشور (أبوجميل) الذي يعد مع عائلته الملبن، إنه يستعمل حوالي 12 طنا من العنب أو ما يعادل 700 صندوق لإنتاج طنين من الملبن سنويا، كما يحتاج إلى 700 كيلوغرام من السميد الجيد، والقريش المأخوذ من شجرالسرو.
ويضيف “هذه الصناعة ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، كنا نصنع الملبن لاحتياجات البيت في البداية من العنب الزائد عن حاجتنا، ولكن منذ عشر سنوات نجحت في تسويق الملبن إلى تجار في المدينة، وزاد الطلب عليه لحسن تصنيعه ونظافته، ولخلوه من السكر الأبيض ومذاقه الشهي والمميز”.
وتقول أم جميل، وهي تنظف سطح المنزل بعناية، إن العمل يحتاج إلى دقة وتكامل، فيما كانت إحدى بناتها تعمل على تصفية عصير العنب الذي دعسه أبوجميل، بمصفاة وتضعه في قدر كبير على نار الحطب. وقال أبوجميل “صممت هذا الحوض المبلط بالسراميك لغسل العنب ودعسه (أي عصره بعد إضافة حفنتين من الحور الأبيض الذي يعمل على إزالة الحموضة والشوائب)، وللحوض الذي يسمى أيضا المدعس صنبور يخرج عصير العنب الصافي إلى حوض آخر تمهيدا لتصفيته من جديد قبل وضعه على النار”.
وفي المرحلة الثانية تعمل زوجته على إزالة الرغوة والشوائب الطائشة عن سطح القدر ووضعها في كيس من الخيش لتصفية العصير من كل الشوائب، وينقل العصير الصافي والمسمى “الراووق” إلى قدر آخر من أجل غليه، وبعد الغلي تضيف الزوجة السميد بالتدريج، فيما يستمر أبوجميل في التحريك دون توقف إلى أن يثقل المزيج وينضج.
وبعد أن تنضج الطبخة يغرف أبوجميل من القدر في أوان وبراميل تمهيدا لنقله إلى مكان مد الملبن.
وفرشت أم جميل النايلون على السطح، ثم بدأت تسكب الملبن الساخن بهدوء، فيما سارع أبوجميل إلى مد الخليط بشكل رقيق على طول النايلون بواسطة قطعة خشب ملساء. وقال أبوجميل “يترك الملبن في الشمس مدة أربعة أيام حتى يجف، وبعد ذلك نعمل على تقطيعه بأحجام متقاربة، وطيه تمهيدا لتسويقه”. وبحسب وزارة الزراعة الفلسطينية، تشكل كروم العنب قرابة 5 في المئة من الأراضي المزروعة في الضفة الغربية وتنتج سنويا أكثر من 50 ألف طن من العنب. ويستخدم عشرون صنفا من العنب في صناعة النبيذ في الضفة الغربية. وتقول عائلة خوري إن إنتاج النبيذ في الأراضي الفلسطينية ليس مسألة ذوق فحسب، بل هو “فعل إيماني” في الأرض المقدسة التي تملك تاريخا طويلا مع النبيذ.
ويقول نديم خورين “منذ زمن المسيح والناس تصنع النبيذ في الأراضي المقدسة”.


www.deyaralnagab.com