لثام الطوارق لا يحميهم من عدوى كورونا!!
14.06.2020
**علاقة الطوارق باللثام ليست وليدة الظروف الطارئة المرتبطة حاليا بانتشار الوباء، بل هي جزء أصيل من تراثهم وثقافتهم فرضته الطبيعة والظروف المناخية، وعلى الرغم من أن اللثام الذي ينتشر في الصحراء الكبرى بين الرجال يحميهم من الشمس وحبيبات الرمل، إلا أن الأطباء يؤكدون أنه لا يمكن أن يكون بديلا من الكمامة لمنع انتشار العدوى.
الجزائر- في ظل الإجراءات الصحية المطبقة تفاديا لانتشار عدوى فايروس كورونا، يتخذ الطوارق عادة اللثام الضاربة في عمق التاريخ قناعا واقيا يغنيهم عن الكمامة الطبية.
ويشتهر اللثام عند الطزارق والأمازيغ باسم “تاجميلمست” لحماية الوجه والأنف من حبيبيات الرمل أثناء السفر عبر الصحراء الكبرى التي ينتقلون عبرها من شمال القارة السمراء إلى جنوبها. وغالبا ما يكون لون اللثام أزرق، لذلك كانوا يسمون بالرجال الزرق.
ويؤدي اللثام أكثر من وظيفة، فبينما يؤكد على قيم اجتماعية هامة مثل الاحترام واللياقة، فإن هناك أساطير مثيرة وحكايات مثيرة وشيقة تدور حوله.
وتشير طريقة ارتداء اللثام عند الطوارق إلى القبيلة التي ينتمي إليها الفرد، ومن المفارقات أنه إذا نزع الطارقي لثامه فمن الصعب التعرف عليه، لأن اللثام يشكل في الحقيقة جزءا من شخصيته وهويته.
ويشتهر مجتمع الطوارق في أقصى جنوب الجزائر، باللباس التقليدي العمامة (الشاش تسمية محلية) التي تغطي الوجه والرأس باستثناء العينين. وفي 24 مايو المنصرم، فرضت الحكومة الجزائرية ارتداء المواطنين الكمامات في الأماكن العامة والمحلات والأسواق. ويأتي ذلك في إطار الإجراءات الاحترازية للوقاية من وباء كورونا المتفشي في البلاد منذ الـ25 من فبراير الماضي، حسب بيان الحكومة.
ولم يتوقف استعمال اللثام الطارقي بديلا للكمامة على السكان في صحراء الجزائر، ففي موريتانيا شهد اللثام في المدن الساحلية، رواجا كبيرا، خلال الفترة الأخيرة مع فرض إلزامية الكمامة في الأماكن العامة والأسواق، لمقاومة الوباء، وسماح السلطات الصحية باللثام كبديل للكمامة مع ضرورة المحافظة على نظافته الدائمة.
واختاره بعض الموظفين لحماية أنفسهم من انتشار العدوى في السوق ومكان العمل، فارتفعت أسعاره وغلا ثمنه خاصة بعد أن فرضت السلطات إلزامية الكمامة. ويعدّ اللثام في مجتمع الطوارق عادة عريقة يتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل وتعتبر مدعاة للفخر والرجولة، وإحدى الوسائل التي تقيهم من رياح الصحراء العاتية.
ودون تاريخ محدد لظهوره، تقول روايات متداولة حول جذوره، إنّ رجال إحدى قبائل الطوارق خرجوا مرة في مهمة، وخالفهم العدو إلى مضاربهم، حيث نساؤهم وأطفالهم فقط.
وحسب الرواية كان في الحي عجوز حكيم، نصح النساء بأن يرتدين ملابس الرجال ويتعممن ويحملن السلاح ففعلن، وفجأة عاد رجال الحي، فظن العدو أنه وقع بين جيشين، وانهزم وفرّ، ومنذ تلك الواقعة أصبح الرجال يرتدون اللثام بشكل دائم.
ويحكى أيضا، أن قدماء الطوارق يضعون اللثام بوصفه رمزا لحماية أجسادهم من تسرب الأرواح الشريرة إليها، كما يشاع بينهم أنهم كانوا يعتقدون قديما أنّ الفم بمثابة عورة، فإذا لم يتم حفظه ستخرج منه كلمة السوء.
ووفق باحثين الطوارق هم مجموعة من القبائل الأمازيغية الأصل، استوطنت الصحراء الكبرى وأزواد شمالي مالي وجبال الهقار جنوب شرقي الجزائر، وشمال النيجر وجنوب غرب ليبيا وشمال بوركينا فاسو.
وتزامنا مع فرض الجزائر ارتداء الكمامات للوقاية من عدوى وباء كورونا يستغني طوارق الجزائر عنها لأنهم يرتدون اللثام قناعا واقيا من الفايروس في ظل تحفظ الأطباء على ذلك.
وقالت الطبيبة زايدي، المختصة في الأمراض المعدية بمحافظة إليزي (جنوبي البلاد) إنّ “اللثام لا يعوض الكمامة الطبية”.
وأضافت زايدي، أنّ “القماش الذي يصنع منه اللثام خفيف ورقيق ويسمح بدخول الفايروس”.
وتابعت، “من يلبسون اللثام يلمسونه عدّة مرّات في اليوم، لذلك هذا يساعد على خطر الإصابة بفايروس كورونا”. وأشارت المتحدثة إلى أنّه “يجب عدم لمس الكمامة وإذا حدث ذلك يجب أن تكون الأيدي معقمة وبالنسبة للثام الأمر صعب”.
من جهتها، قالت الباحثة في التراث فاطمة تقابو إنّ “اللثام يعدّ رمزا للهيبة والوقار عند الرجل الطارقي”. وأوضحت تقابو، أنّ “الرجل يلبس اللثام بعد بلوغه سن الرشد ليعبر للجميع أنه بإمكانه تحمل المسؤولية مهما بلغت ويعتبر رمزا للتملك عند المرأة”.
وأضافت، ”يختلف قماش غطاء الرأس الذي يشكل أحد طرفيه اللثام عند الرجل من منطقة إلى أخرى وحسب المناسبة”. واستطردت قائلة، “تختلف لفّة اللثام حسب السن والحالة الاجتماعية، ويستعمل تماشيا ومتطلبات البيئة والمناخ الصحراوي الجاف والبارد ليلا”.
وترى المتحدثة، أنّه “لا يمكن اعتماد اللثام ككمامة لأنّ طريقة استعماله المعقدة تجعل اليد تلامس عدة أجزاء من الوجه ما يسهل انتقال الفايروسات”.
وتوضح، “إذا استعمل ككمامة وجب طيه عدّة طبقات عديدة وتغييره كل ثلاث ساعات تماما مع الحرص على عدم لمسه كثيرا”.
الباحث في التراث عثمان أوقاسم من محافظة إليزي، يرى أنّ “اللثام الإيموهاغي” (إيموهاغ كلمة طارقية تعني الرجال النبلاء ومفردها أماهغ) يمكن أن يحل بدل الكمامة لكون سمكه غليظا ويمنع دخول الهواء إلى الفم والذي يحتمل أن يكون ناقلا للفايروس”.
وقال أوقاسم، “أنا أستعمله بدل الكمامة، فإضافة لكونه عادة وتقليدا عندنا، وجدته مناسبا للوقاية من كورونا بعد تفشيها في بلادنا”. مضيفا، “اللثام يرافق سكان الصحراء الكبرى، فيستلزم لمن يقطع مسافات طويلة أو يخرج للصيد أو للفلاحة ارتداءه”.
بدوره، قال الأكاديمي بجامعة ورقلة (جنوب) بودة العيد إنّ “اللثام، عبارة عن قطعة قماش طويلة تُلفّ على شكل عمامة على كامل الوجه والرأس”. واضاف، “وتترك العينين، ليتسنى للرجل الرؤية وتكون
وأشار المتحدث إلى أنّ “العديد من الأنثروبولوجيين حاولوا تفسير هذه العادة فمنهم من يرى أنه كيان يرجع ارتداؤه إلى الوقاية من الجن والأرواح الشريرة، وآخرون يرون أن الطارقي يلجأ إلى إخفاء وجهه عن طريق اللثام كي لا يعرفه أعداؤه”. ولفت إلى أنّ “فريقا آخر فسّره بأنه للوقاية من حر الشمس والزوابع الرملية الصحراوية والبرد القارس ليلا”.
www.deyaralnagab.com
|