“سرت"... من معقل للقذافي إلى حاضنة لـ”داعش”!!
11.04.2015
التقاء المصالح بين تنظيم “داعش” وأنصار الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، إلى جانب الفراغ الأمني، جعل مدينة سرت، مسقط رأس القذافي وآخر معاقله قبل مقتله، حاضنة للتنظيم المتطرف في ليبيا.وجاء شريط الفيديو لعملية قتل الأقباط المصريين الـ21، قبل أسابيع، والذي تبناه تنظيم “داعش” (ولاية طرابلس)، ليطرح أسئلة عن تواجد التنظيم في ليبيا وحجمه.ثمة موشرات وتقارير إعلامية فضلا عن شهادات ميدانية أفادت بأنه من الأرجح أن يكون تصوير هذا الشريط قد تم قرب سواحل مدينة سرت، وفي كل الحالات المؤكد أن اختطاف الأقباط تم في المدينة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.في الأيام القليلة التي تلت هذا الشريط اندلعت مواجهات عنيفة في سرت بين “داعش” والكتيبة 166 التابعة للجيش الليبي المنضوي تحت حكومة الإنقاذ، المنبثقة عن المؤتمر الوطني، ولم تترك تلك المواجهات أي مجال للشك حول تواجد التنظيم وبقوة نسبية في سرت وضواحيها.ومن المعروف أن سرت تعتبر من أهم معاقل النظام السابق نظرا لمكوناتها القبيلية مثل قبيلة القذاذفة، فهي مسقط رأس القذافي، وهي كذلك مكان مقتله على يد الثوار في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011 بعد أشهر من الثورة ضده.وليس من قبيل المصادفة أن يكون مقتله في سرت نظرا لأنها كانت ملجأه الأخير بعد سيطرة الثوار على كافة الأراضي الليبية، إذ أعلن القذافي مطلع سبتمبر/أيلول 2011 سرت عاصمة للبلاد بعد أن فقد السيطرة على العاصمة طرابلس، ومنذ وصوله إلى السلطة في 1969 اكتسبت المدينة أهمية خاصة حيث نقلت إليها معظم الوزارات في فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، وشيدت فيها بنايات حديثة أهمها قاعة “واقادوقو” الضخمة للمؤتمرات الشهيرة التي كان يقيمها القذافي.آخر جبهات القتال إبان الثورة الليبية كانت في سرت، وتفيد مصادر عديدة، أن نواة السلفية الجهادية في سرت والتي كانت تنضوي تحت مسمى “أنصار الشريعة في ليبيا” تسربت الى المدينة من بابين: الأول هو تأمين المدينة، والثاني كان من باب العمل الاجتماعي وتقديم الخدمات الأساسية خاصة وأن المدينة كانت، ومازالت، تعاني من الآثار الاجتماعية والاقتصادية للحرب.عدد من المراقبين يقولون إن العمل الاجتماعي لأنصار الشريعة في المدينة هو ما سمح لهم بالتواجد في المدينة، والقبول عند الأهالي الأمر الذي يسر لهم التواصل مع الناس ثم استقطاب واستيعاب الشباب داخل المدينة، خاصة وأن عددا من هولاء الشباب كانوا يشعرون بالهزيمة، والرغبة في الانتقام إبان الثورة، من قوات الثوار المختلفة والتي كانت تجتمع حول راية 17 من فبراير.لمسألة الثانية التي ساهمت في قبول “أنصار الشريعة” في معقل القذافي هو خطاب “أنصار الشريعة” ذاته الذي لا يركز على ثورة 17 فبراير وشعاراتها وما يرمز إلى الثورة من قطع جذري مع نظام القذافي بقدر ما هو خطاب عقائدي ديني جهادي يتجاوز المسائل القطرية. يقدر عدد من المراقبين والمحللين أنه بالنسبة لأنصار النظام القديم في سرت أو حتى خارجها فالعيش تحت راية العقاب (الراية السوداء) لأنصار الشريعة أفضل لهم من العيش تحت راية 17 فبراير وقد يكون هذا من أسباب القبول بين الطرفين.كما أن “أنصار الشريعة” لم يكونوا معنيين بالميول السياسية للمواطنين ولا بتاريخهم قبل الثورة يقدر ما كانوا معنيين بحاضرهم وبكونهم لا يخالفون ما يعتقدونه “أحكام الشريعة” حتى الوجوه المحسوبة بقوة على النظام السابق كان لها إمكانية التواصل مع الواقع الجديد والعودة للبروز في المدينة من خلال إعلان التوبة الأمر الذي كان يتقبل من قبل السلفية الجهادية أو حتى البيعة الى التنظيم بما يسمح من إمكانية للنشاط والحركة وحمل السلاح.ويقدر عدد من المراقبين أن هناك التقاء مصالح بين أنصار النظام القديم في سرت وبين ما أصبح يعرف الآن بتنظيم الدولة “داعش”.أنصار النظام القديم يبحثون عن أية مظلة تحتويهم يتحركون من تحتها وتعطيهم شرعية أو إمكانية حمل السلاح، المهم أن لا تكون تحت سقف ثورة 17 فيراير، ومن هنا قد يفهم جزء من عدوانية تنظيم الدولة تجاه قوات “فجر ليبيا” باعتبارها الآن القوة المسلحة للثورة، أي أن عناصر النظام السابق المنضوين تحت لواء تنظيم “داعش” أصبح عدد منهم يوجه سياسات التنظيم أساسا ضد قوات “فجر ليبيا”.في هذا الإطار تفهم تصريحات أحمد قذاف الدم، ابن عم معمر القذافي، وأحد أهم أركان النظام السابق، التي قال فيها إنه يدعم “داعش”.فيما تبحث التيارات الجهادية المنظوية اليوم تحت تنظيم “داعش” عن حاضنة شعبية أو قبلية وموطئ قدم جغرافي للتمركز والتهيكل وهي كذلك تبحث عن مقاتلين أيا كان تاريخهم وتوجههم طالموا أنهم مستعدين للقتال تحت رايتهم.ومن المعلوم أن الدولة المركزية في ليبيا كانت ضعيفة إبان الثورة نظرا لأنه تم إسقاط نظام القذافي بالكامل وتفكيك أجهزته الامنية، الأمر الذي أدى إلى فراغ أمني ازداد بعد انطلاق العملية العسكرية التي يقودها الفريق خليفه حفتر والتي عمقت الانقسام الى أن تتطور إلى حكومتين الأولى في طرابلس والثانية في البيضاء.الفراغ الأمني جعل من ليبيا وجهة عدد من الجهاديين الباحثين عادة عن الدول التي تعاني من هشاشة سياسية وأمنية لما توفره من أرضية خصبة للعمل الارهابي وغيره.ذا المعطى هو ما جعل عدد من الجهاديين من مالي يتوجهون الى ليبيا بعد التدخل العسكري الفرنسي، شمال مالي، إذ تفيد عدد من المصادر الأمنية المطلعة بأن عددا من الجهاديين الذين هربوا من شمال مالي إثر التدخل الفرنسي العسكري هناك توجهوا إلى مدينة سرت نظرا لتواجد عدد من الجهاديين هناك يوفرون لهم الاستقبال والإيواء، ويمكن اعتبار جهادي مالي المكون الثاني من الناحية الزمنية.هذا التواجد للجهاديين في سرت أصبح أمرا معروفا لدى الشبكات والجماعات الجهادية، وتحولت سرت الى موطئ قدم لهم لما توفره من أرضية يمكن الانطلاق منها لإعلان البيعة لأبوبكر البغدادي، وتحويل الغرب الليبي إلى ولاية تابعة لتنظيم داعش.وهو الأمر الذي استدعى المكون الثالث، وهو باقي العناصر الجهادية، عدد منها من الجزائر والسودان وتونس، بحسب ما أفادت به الكتيبة 166 التابعة لقوات فجر ليبيا، والتي تقاتل التنظيم في سرت الآن، من خلال عرضها لعدد من المعطيات التي حصلت عليها أثناء القتال والسيطرة علي عدد من المواقع التابعة للتنظيم.ولعل أبرز الشخصيات التي التحقت بسرت كان أحمد الرويسي المتهم باغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد في تونس، والذي فر إلى ليبيا، وعدد من أتباعه لأن الوضع الامني في تونس لم يعد يسمح لهم بالبقاء، الرويسي كان أحد أمراء ولاية طرابلس، التابعة للتنظيم، بحسب بيانات نعي التنظيم له إثر مقتله، موخرا في سرت أثناء المواجهات مع قوات “فجر ليبيا”.مؤشرات عديدة منها التحركات العسكرية لقوات “فجر ليبيا” تفيد أنها تتوجه لحسم الصراع مع المسلحين الموالين للتنظيم في سرت خلال الأسابيع القليلة القادمة، لكن قوات “فجر ليبيا” قد تصطدم بتنظيم تكفيري جذوره عميقة في معاقل القذافي!!
www.deyaralnagab.com
|