logo
1 2 3 45551
امتنان وحسرة على متن سفينة إجلاء سعودية من السودان!!
01.05.2023

روى الباكستاني حسن فرج الذي أُجلي مع آخرين على متن سفينة سعودية من السودان، أنه كان يغسل أسنانه صباح 15 نيسان/أبريل عندما سمع صوت طلقات نارية أمام المبنى الذي يسكنه قرب مطار الخرطوم، في بداية حرب فاجأت الجميع.كان حسن قد سلّم مؤخرًا جواز سفره إلى مكتب حكومي، ما يعقّد أي محاولة لمغادرة البلاد. غير أن انتظاره في المنزل أن يهدأ القتال في ظلّ نقص الغذاء والمياه والكهرباء والسيولة النقدية، كان سيكون في ذاته معاناة لا تُحتمل.بعد أن تواصل على مدى أيام مع السفارة الباكستانية، فُرجت الحال أخيرًا فجر الأحد، فتمكّن من الانضمام إلى 51 شخصا آخر يتمّ إجلاؤهم على متن سفينة سعودية متّجهة إلى مدينة جدّة، حاملًا تصريح سفر خاصا يسمح له بالعودة إلى مسقط رأسه كراتشي.وقال الرجل لوكالة فرانس برس "أشعر بأنني محظوظ جدًا"، مستذكرًا أيامًا "مخيفة جدًا" سمع خلالها أصوات إطلاق النار والقصف المدفعي والضربات الجوية.كما عبّر حسن عن قلقه على ملايين السودانيين الذين ليس لديهم فرصة مغادرة البلاد هربًا من المعارك المستمرّة بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمّد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، الذي كان حليفًا للبرهان ونائباً لقائد الجيش قبل أن يتحولا الى خصمين.وأدى القتال إلى مقتل 528 شخصاً على الأقل وإصابة حوالى 4600 آخرين، وفق أرقام وزارة الصحة، لكن يرجح أن تكون الحصيلة أكبر من ذلك.وقال "أنا قلق فعلًا على أصدقائي، خصوصًا أولئك الموجودين في الخرطوم".وأضاف "أعرف أناسا انتقلوا إلى أماكن أخرى أكثر أمانًا، لكن إلى متى؟ لا أحد يعرف".عملية الإجلاء التي نقلت حسن إلى جدّة، نفّذتها القوات البحرية السعودية التي تسيّر منذ أكثر من أسبوع سفنًا من السودان وإليه للمساعدة في إجلاء آلاف المدنيين من كافة أنحاء العالم.قبل الفجر بوقت طويل، وقف الركاب في طوابير بهدوء على رصيف ميناء مدينة بورتسودان التي لم تصل المعارك إليها حتى الآن، للصعود على متن مركب ينقلهم إلى السفينة السعودية البالغ طولها مئة ومترين.وفيما كانت مياه البحر الأحمر هائجة، راح عناصر القوات البحرية والخاصة السعودية يرفعون الركاب واحدًا تلو آخر إضافة إلى أمتعتهم، إلى متن السفينة حيث استُقبلوا بالتمر والعصير والقهوة العربية.وكان من الواضح أن كثرًا غادروا منازلهم على عجل إذ إنهم لم يحملوا سوى أكياس بلاستيكية تحتوي على بعض الملابس، فيما تمكّن آخرون على غرار حسن فرج من أن يجلبوا معهم حقائب عدة.وتمكن الرجل الأربعيني أيضًا من إحضار قوقعة بيضاء كبرى وكيس يحتوي على أوراق زهرة الكركديه، وهي تذكارات من رحلة سياحية قام بها إلى بورتسودان قبل أربعة أشهر فقط. لم يكن يتخيّل آنذاك أنه سيعود إلى المدينة ليغادر منها البلاد في عملية إجلاء.ومن بين الذين تمّ إجلاؤهم الأحد، بدريّة السيّد وهي من بين السودانيين القلائل الذين شملتهم عمليات الإجلاء، بمساعدة من بلد زوجها، سلطنة عُمان.مطلع نيسان/أبريل، سافر الزوجان وابنهما إلى السودان على أمل تمضية شهر رمضان وعطلة عيد الفطر بهدوء مع أقرباء بدريّة، إلّا أنهم فوجئوا باندلاع معارك ضارية.وقالت المرأة التي كانت تضع حجابًا زهريّ اللون، "عادة تُقدّم الحلويات في العيد، هذه السنة قُدّم الرصاص".استغرقت رحلة الأسرة برًّا إلى بورتسودان أيامًا عديدة. وفي نقطة معيّنة اضطروا إلى السير لمدة خمس ساعات على طريق يصعب على السيارات سلوكها.وأضافت بدريّة بحسرة وهي تبتعد عن الساحل السوداني صباح الأحد، "ضاع الوطن، وطن لا يستحقّ هذه الحروب".وتابعت "كل السودان مقهور، ليس هناك منزل يوجد فيه فرح".الأمر نفسه يشعر به محمد علي (44 عامًا) وهو باكستاني عاش في السودان لمدة 13 عامًا.كان أستاذ الهندسة قد ترك زوجته وأبناءه في باكستان منذ أشهر حتى تتمكن بناته من التقدم لامتحانات الالتحاق بالمدارس الثانوية، ما اعتبره نعمة في الوقت الحالي، نظرًا إلى السهولة التي لمسها في رحلة مغادرته السودان بمفرده.غير أنّ جلوسه وحده على متن السفينة دفعه إلى التفكير بالذكريات الجميلة التي تركها خلفه بسبب حرب قلبت حياته رأسًا على عقب وستجبره على بدء حياته من الصفر.وقال فيما اغرورقت عيناه بالدموع، "إنه لأمر مؤلم بالفعل، لأن أولادي ولدوا هنا، كانوا يدرسون هنا".وأضاف "الآن أعود خالي الوفاض. تركتُ كل شيء خلفي. منزلي، كل شيء. كل الذكريات".بعد تسع ساعات، أثناء اقتراب السفينة من ميناء جدّة، بدأ علي بالبكاء من جديد لكن هذه المرّة لسبب مختلف. كان يتخيّل كيف سيكون اللقاء مع عائلته. وقال "إنهم ينتظرونني منذ أيام".


www.deyaralnagab.com