فلسطين : عمالة الأطفال.. أكتاف صغيرة تحمل أثقالا !!
06.10.2018
نابلس ..كتبت مريم عليوي - بقايا ملامح للطفولة لاتزال في هذه الوجوه بينما شابت نفوسهم وهرمت عقولهم تحت ضغط متطلبات الحياة ولقمة العيش. اللهو واللعب والمرح كلها كلمات شطبت من قواميسهم واستبدلوها بمصطلحات بعيدة عن عالم الطفولة.إنهم فتية يعون أهمية المستقبل غير أن بطونهم الجائعة لاتدع لهم مجالا لإطلاق العنان لأحلامهم على صغرها، فانخرطوا في ورش الأعمال والأسواق والحرف التي تتقن بالممارسة ولا تحتاج الى دراسة أوالكثير من الذكاء. محمد (13 عاما) من احد المخيمات شرق نابلس، لم تظهر علامات البراءة على وجهه وصوته كأقرانه الصغار، وكأن العمل على الأرصفة والتنقل بين السيارات سرق طفولة آمنة هي حق من حقوقه في الحياة، فتراه متحايلا تارة ومتوسلا أخرى للمارة لشراء ما بحوزته من جرابين نسائية.ويقول محمد: "لا يستطيع والدي العمل لأنه مريض، ونحن 5 أفراد في البيت، احصل على المال واسلمه لوالدتي". لا يكترث محمد بالدراسة، فمعظم اهتمامه وتفكيره ينصب في قدرته على بيع أكبر عدد من الجرابات ومن ثم تطوير هذا العمل، ويؤكد ذلك بقوله "اتفقنا أنا وصديقي على أن نجمع مبلغا من المال نستطيع به عمل مشروع خاص بنا يعود علينا بدخل أفضل".اما قاسم ( 15 عاما من احدى قرى محافظة نابلس فقد كبر قبل اوانه تحول من تلميذ في مدرسته الى بائع على إحدى البسطات فيي سوق الخضار في نابلس مناديا بصوت عال وبعبارات خاصة مدللا على البضاعة المتوفرة لديه، متمسكا بالزبون الذي يقف أمام البسطة مستخدما أساليب عدة لإقناعه بجودة البضاعة وأفضلها سعرا.ويشير قاسم الى أنه يعمل لدى صاحب البسطة منذ ستة أشهر فقط،، لكنه عمل لدى آخرين وفي أماكن أخرى لم يرغب بذكرها، حيث يرى في نفسه فتى يستطيع الاعتماد على نفسه وتوفير المال لعائلته، ويطمح في المستقبل لأن يجني مالا يمكنه من انشاء بسطته الخاصة.يتضح ان الفقر هو أحد الأسباب الرئيسية وراء عمالة الأطفال، اضافة الى نقص الوعي لدى الأهل بدفع أبنائهم للعمل في هذه السن وتشجيعهم عليه من أجل الحصول على مصدر رزق للأسرة، وأحيانا يتحول الأمر للجشع حيث يتناسى من خلاله الأهل والمحيطون بالطفل حقوقه المشروعة في الحياة.ويفضل معظم أصحاب المحال تشغيل الأطفال بسبب قبولهم للأجور المتدنية والعمل لساعات طويلة، فمنهم من يعمل طوال اليوم في محلات لتصليح السيارات، والبعض ينقل الخضار والفواكه لسيارات الزبائن، ومنهم من يعمل في تنظيف المطاعم إلى جانب تنقله من شارع لآخر وبيده صينية مزودة بالأطعمة أو المشروبات لإيصالها للزبائن.مسؤول العلاقات العامة في محافظة نابلس، زياد عثمان، يرى أن هناك اسبابا عدة تجبر الاطفال دون سن القانون على النزول الى سوق العمل والتسرب من المدارس، منها الاجتماعية والاقتصادية، اضافة الى الجهل، وسوء في الوضع الاقتصادي والحاجة إلى المال وهي أهم الأسباب وأصعبها.وأضاف تنعكس عمالة الأطفال بالكثير من التأثيرات على حياة الطفل حيث تؤثر على صحته ومستقبله ونموه ومعنوياته ونفسيته، كما يوجد أعدادا كبيرة من الأطفال العاملين الذين هم دون السن القانوني حيث لا يتجاوزون الـخامسة عشر عاما.وأضاف عثمان أن الأطفال من سن 15 – 18 عاما يجب أن يعملوا في أعمال لائقة حتى لاتؤثر على صحتهم ونموهم وعلى الأهالي اخذ الحذر ومراقبة أطفالهم وتوعيتهم لتجنب الأخطار المحدقة بهم. يعول على الكثير من الجهات ويقع على عاتقها مسؤولية ضبط هذه الظاهرة والحد منها فيعتبر الأهل مثلا المسئولين عن أبنائهم بالدرجة الأولى ثم يأتي دور مؤسسات السلطة والمجتمع المدني ومراكز الشرطة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في حماية الأطفال وإرجاعهم إلى المدارس والتقليل من العبء الدراسي على الطفل من خلال إضافة المتعة على المناهج وأساليب التدريس أو التقليل من زخم المواد الدراسية عليهم ومتابعة عمالة الاطفال على الصعيد القانوني والمجتمعي.وأشار عثمان الى انه ومن اجل الحد من ظاهرة عمالة الأطفال لجأت محافظة نابلس قبل سنوات إلى إنشاء مبادرة هي الأولى من نوعها، أطلق عليها أسم "اللجنة الوطنية للحد من عمالة الأطفال" وهي وهي تضم عددا من المؤسسات ووزارت الشؤون الاجتماعية، والتربية والتعليم، والاعلام، والمؤسسات النسوية التي تعنى بالمرأة والطفل الى جانب الشرطة.واضاف: "قمنا بإجراءات عدة، كجولات ميدانية تفقدية، وندوات إرشادية توعية للأهل والطفل، أيضا قمنا بفتح ملف عمل الأطفال في مستوطنات جنوب نابلس والتي تؤثر سلبا على دور التنشئة الوطنية من ناحية الاسقاط الامني".وتابع: " تبين ان هناك اعدادا متزايدة من نسبة عمالة الاطفال وتحتاج الى بذل الكثير من الجهد من المجتمع كاملا وليس فقط مسؤولية اللجنة للتخلص من هذه الظاهرة التي تهاجم مستقل اطفالنا".بدورها، قالت المستشارة القانونية في محافظة نابلس لينا عبد الهادي بان هناك الكثير من القوانين المقررة في المؤسسات المسئولة لمنع عمالة الأطفال وتسربهم من المدارس لكن اغلبها غير مطبقة على ارض الواقع لعدم تفاعل الأهالي مع المؤسسات وتجاهلهم للموضوع.وأضافت: "من القوانين المنفذة، قانون العمل الفلسطيني وقانون الاحداث الذي ينظم عمالة الاطفال ويحدد السنوات التي يجب العمل بها ومن يسمح له بالعمل ومن لا يسمح له".وأشارت إلى أن عمالة الأطفال تهدد النمو والتطور البدني والنفسي والاجتماعي السليم للطفل، عدا أنها تشكل انتهاكاً للكثير من حقوقه، كحقه في التعليم، والحماية، واللعب، والترفيه، وغيرها، وجميعها حقوق مصانة بموجب الاتفاقيات والـمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقوانين والتشريعات الفلسطينية.وأكـدت عبد الهادي أن هناك زيادة ملحوظة في عمالة الأطفال بسبب الظروف التي فرضها الاحتلال، ما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي كما لا يمكن استخدام الاطفال كوسيلة لتحسين الوضع الاقتصادي ويجب ان يحصلوا على كافة حقوقهم كالحرية الشخصية والتعليم والوصول الى الهدف المحدد.واشارت عبد الهادي الى يوجد بديل عن عمالة الاطفال لتحسين الوضع الاقتصادي حيث يمكن ان توفر الدولة رواتب لكافة العائلات المحتاجة خاصة التي لا معيل لها وايجاد ضمان اجتماعي، وبالتالي فان توفير الضمان الاجتماعي والراتب الكامل يوفر مستلزمات كل عائلة محتاجة وهناك الكثير من وجهات النظر التي تؤيد البدائل عن عمالة الاطفال وتدعمها.واشارت الى ان هناك ايضا لوائح جزائية توضح الاعمار المناسبة لسوق العمل والاجراءات التي يتخذها القانون كما ويتم توقيع الاهالي على تعهدات تنص على عدم انزال اطفالهم الى سوق العمل وفي حال عدم الالتزام يتم دفع غرامة مالية واصدار امر بالحبس على من لم يلتزم بالقانون.رغم تعدد القوانين التي تحرم عمالة الاطفال في بلادنا وكوننا مجتمع عربي يرحم صغيره ويوقر كبيره الا ان هؤلاء الاطفال اضطروا الى النزول الى سوق العمل من اجل تامين لقمة العيش لهم ولاسرهم على حساب كرامتهم التي حلموا بها كباقي اطفال شعوب العالم.!!
المصدر : "القدس" دوت كوم-
www.deyaralnagab.com
|