كوبنهاغن..الدنمارك : عين ترامب على غرينلاند مجدداً: انتزاعها من الدنمارك وتحويلها لدويلة أميركية ميكروسكوبية!!
24.12.2024
كتب ناصر السهلي..عاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ليشعل مجدداً الأضواء الحمراء عند ساسة الدنمارك، بتأكيده مرة أخرى رغبته بالسيطرة على جزيرة غرينلاند الجليدية الضخمة.وكرر ترامب في نهاية الأسبوع الفائت ما طرحه في أغسطس/آب 2019 عن ضرورة سيطرة واشنطن على الجزيرة من خلال تملكها بالمال. وأدت تصريحاته تلك إلى إلغاء زيارة كانت مقررة إلى الدنمارك، نتيجة تلاسن مع رئيسة الحكومة التي أعيد انتخابها منذ ذلك الوقت، ميتا فريدركسن. فالأخيرة اعتبرت مطلب ترامب "مثيراً للسخرية"، بينما اعتبر ترامب ردها "سيئاً للغاية"، ما ساهم في برودة علاقة الجانبين حتى مغادرة ترامب للبيت الأبيض في بداية 2021، وعودة الدفء إليها مع إدارة جو بايدن.تصريحات ترامب الأخيرة، التي أعاد تأكيدها مساء الأحد على حسابه على موقع تروث سوشيال بالقول: "من أجل الأمن القومي والحرية في جميع أنحاء العالم، تشعر الولايات المتحدة بأن ملكية غرينلاند والسيطرة عليها أمر بالغ الأهمية"، تزامنت مع اختياره لحليفه من "عالم البزنس" كين هويري سفيراً لواشنطن في كوبنهاغن، وهو المتحمس لسيطرة واشنطن على الجزيرة الحيوية. (شغل منصب سفير في استوكهولم فترة ترامب السابقة).وعملياً، تسيطر الدنمارك منذ قرون على غرينلاند (وتسمى محلياً باسم كالاليت نونات في المنطقة القطبية الشمالية)، وبينما يتمتع شعبها الأصلي (الإينويت، نحو 56 ألف نسمة) بحكم ذاتي ولديها مجلس تشريعي محلي، فإن كوبنهاغن مسؤولة عن السيادة والسياسات الخارجية والدفاعية. وخلال فترة الحرب الباردة (1949-1992) لعبت غرينلاند دوراً متقدماً في المواجهة بين الغرب والكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي السابق، حيث احتضنت قاعدة أميركية ضخمة في منطقة "ثولا". وافتتحت واشنطن أخيراً قنصلية لها فوق الجزيرة، مع إيلاء المزيد من الاهتمام للمنطقة القطبية الشمالية على المستوى الأمني-الدفاعي.قلق الدنماركيين من عودة التوتر في العلاقة مع واشنطن إلى ما كان عليه صيف 2019 يتزايد بوجود دائرة محيطة بترامب تؤيد اختياره دبلوماسية الصفقات، وفرضها بطريقة لا تتماشى والتحالفات التاريخية. يتزامن ذلك أيضاً مع تنامي أصوات شابة بين "الغرينلانديين" مطالبة بالاستقلالية عن كوبنهاغن، وفي وقت يلتقط فيه المحيطون بترامب تلك الرغبات من أجل العودة إلى مقترحات شراء الجزيرة. وعلى سبيل المثال يؤيد وبشدة رئيس أركان مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض خلال فترة ترامب السابقة، ألكسندر بي غراي، مسألة سيطرة واشنطن على غرينلاند. الرجل غير بعيد عن السفير الجديد في الدنمارك هويري و"دائرة البزنس" أمثال إيلون ماسك، مفترضاً أن استقلال غرينلاند لا يجب أن يترك فراغاً تملؤه قوى وجهات أجنبية. الإشارة بالطبع إلى روسيا المنشغلة في الحرب الأوكرانية والصين بدرجة أولى. فالأخيرة تجدد منذ سنوات محاولاتها، بالتحالف مع موسكو، تأسيس موطئ قدم لها في مجلس القطب الشمالي (ويضم الولايات المتحدة وكندا وروسيا والسويد والدنمارك والنرويج وفنلندا وأيسلندا)، واستخدام "طريق الشمال" البحري بعد انحسار جليدي بفعل التغيرات المناخية. هذا إلى جانب تنافس محتدم على الموارد الطبيعية الضخمة في المنطقة القطبية الشمالية عموماً.وأشار غراي في عمود له في "وول ستريت جورنال" الأميركية، إلى أنه يتوجب على واشنطن أن تكون "مستعدة بيد ممدودة بطرح صفقة القرن (غير تلك التي طرحت في المنطقة العربية)". ولا يتردد الرجل في رغبته بتحويل واشنطن لغرينلاند إلى حالة ميكرونيزيا وبالاو وجزر مارشال، أي خلق دولة ميكروسكوبية في أقصى شمال الأرض. وفي العادة تكون تلك الدويلات مستقلة نظرياً، بما في ذلك في السياسات الخارجية، بينما عملياً تقع تحت سيطرة الجيش الأميركي، المسؤول عن الدفاع عنها.وغير بعيد عن رغبة التملك طُرحت مؤخراً أفكار ترامبية تتعلق بالسيطرة على قناة بنما في أميركا الوسطى، بحجة أن الضرائب المفروضة، من بين أمور أخرى، تضر بالأميركيين. وحصلت بنما على السيطرة الكاملة على القناة في عام 1999، بينما كانت واشنطن تشاركها إدارتها قبل ذلك.الاهتمام الأميركي بانتزاع أكبر جزيرة في العالم من كومنولث المملكة الدنماركية ذريعته، من بين قضايا أخرى، أن كوبنهاغن لا تستطيع حمايتها وحدها، وخصوصاً في مواجهة الصين وروسيا. والأمر كما يعترف الدنماركيون ليس حكراً على رغبة ترامب، بل إن أعين عسكر واشنطن وأمنييها ومجمعاتها الصناعية ليست أقل اهتماماً من ترامب ودائرته.وزير دفاع كوبنهاغن، ترويلس لوند بولسن، يعترف، اليوم الثلاثاء، أن بلده لا يستطيع وحده مراقبة أراضي الجزيرة الشاسعة. بل إنه سارع إلى الإعلان عن تخصيص أكثر من 10 مليارات كرونه لتعزيز وجودها العسكري والأمني الدفاعي فوق الجزيرة. وبتأكيده: "لم نستثمر بشكل كاف في القطب الشمالي، والآن نخطط لوجود أقوى" يأمل بولسن تهدئة نزعة ترامب للسيطرة على غرينلاند.ومن ناحيته أكد رئيس حكومة غرينلاند المحلية، موته إيغيدي، مساء أمس الاثنين، أن "غرينلاند ليست للبيع". موقف يأتي بعد أن أثارت تصريحات ترامب "حالة ذعر" بين أحزاب البرلمان في كوبنهاغن، وفق تسمية الصحافة المحلية. وأكد حزب المحافظين في المعارضة على لسان المتحدث باسمه للشؤون الخارجية راسموس يارلوف أنه "من غير المقبول أن تبدأ دولة حليفة الحلم بالسيطرة على أراض دنماركية".يحاول الآن ساسة الدنمارك وغرينلاند نزع فتيل تدهور مبكر لعلاقاتهم بالحليف الأميركي، وذلك بتأكيد أهمية التحالف، وإبداء رغبات بالتعاون الوثيق مع واشنطن، حتى في سياسات دفاعية في القطب الشمالي والجزيرة "لكن وفق شروطنا"، كما أكد إيغيدي.في كل الأحوال، فإن الأيام المتبقية قبل دخول ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض في الشهر القادم ستكشف ما إذا كان بمقدور الجانبين تجنب أزمة قد يكون لها انعكاسات وارتدادات على مستوى العلاقة والتحالف عبر الأطلسي.!!
*المصدر : العربي الجديد
www.deyaralnagab.com
|