logo
طرابلس.. ليبيا : صفيح ساخن..الميليشيات تعلن التعبئة العامة... ليبيا على حافة حرب جديدة!!
25.08.2024

كتب رشيد خشانة..دفعت تحركات حفتر، القوات والتشكيلات الأخرى في غرب البلاد إلى التعبئة وإعلان جاهزيتها للرد على أي هجوم، وتسببت بإحداث توترات في الغرب وأثارت مخاوف الجزائر.ما زالت التحركات العسكرية الأحادية نحو المناطق الجنوبية الغربية من ليبيا، تثير الجدل والمخاوف من أهداف الجنرال المتقاعد خليفة حفتر منها. ودفعت التحركات، التي قادها رئيس أركان قوات حفتر، صدام خليفة حفتر، القوات والتشكيلات الأخرى في غرب البلاد إلى التعبئة وإعلان جاهزيتها للرد على أي هجوم. وتسببت تلك الخطوة بإحداث توترات في الغرب الليبي، كما أثارت مخاوف الجزائر. ومعلوم أن الجزائر ظلت حريصة منذ سنوات على ضمان ألا تكون قوات «فاغنر» الروسية في الطرف المقابل من حدودها المشتركة. وعلى الرغم من انشغال الجزائريين بالانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن تحركات حفتر استرعت اهتمامهم بعدما تأكدت من أن هدفها السيطرة على مدينة غدامس الاستراتيجية، على الحدود المشتركة الليبية الجزائرية التونسية، تمهيدا لغزو طرابلس.في هذا المناخ المتوتر تحركت أيضا في الغرب قوات حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مُعلنة التعبئة العامة، وهو ما فعلته أيضا المجموعات المسلحة الموالية لحكومة الوحدة. وكان أمرا متوقعا أن تندلع اشتباكات عنيفة، في التاسع من الشهر الجاري، بين مجموعتين مسلحتين في تاجوراء إحدى ضواحي العاصمة طرابلس، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين وتدمير الممتلكات، لكن تمكن وسطاء محليون من نزع فتيل المعارك.في هذا النطاق تحدثت تقارير أممية عن دخول أسلحة إلى ليبيا بشكل ينتهك قرار حظر التسليح. وينبغي فهم إصرار الجنرال المتقاعد حفتر على غزو طرابلس، ومحو آثار الهزيمة التي مُنيت بها قواته وقوات «فاغنر» الداعمة لها، في نيسان/أبريل 2020. فبعد ميل كفة الموازين الإقليمية والدولية لغير صالح حكومة الوحدة الوطنية، تسير الأوضاع بنسق حثيث نحو فرض هيكلة جديدة للسلطة السياسية والاقتصادية في ليبيا. لكن على الرغم من الإعلان عن تسمية محمد عبد السلام الشكري محافظا جديدا للمصرف المركزي، وتكليف أعضاء جدد في مجلس إدارة المصرف، استمر الصديق الكبير في موقعه، وترأس الاثنين الماضي اجتماعا موسعا مع عدد من مدراء إدارات المصرف، في أول ظهور له، بعد قرار المجلس الرئاسي تسمية الشكري محافظا.وأفادت مصادر في المصرف أن الاجتماع تطرق لسير عمل تلك الإدارات وعودة منظومات المصرف للعمل، بعد إطلاق سبيل مدير إدارة تقنية المعلومات مصعب مسلم بعد اختطافه. ورمت هذه العملية للضغط على المحافظ على الأرجح. وكان المصرف أعلن الأحد عن إيقاف جميع أعماله بعد خطف مسلم «من قِبل جهة مجهولة من أمام بيته» مشيرا إلى تلقي مسؤولين آخرين أيضا تهديدات بالخطف، من دون إعطاء أسماء.
بالمقابل ظهرت عزلة حكومة الدبيبة بجلاء حين تجرأ الموفد الأمريكي الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، على مطالبته علنا، بالتراجع عن تنحية الكبير. وفي السياق نفسه تحدت الحكومة الموازية، المنبثقة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، غريمتها في الشرق، بأداء زيارة رسمية لمصر. ولم تُجد نفعا احتجاجات الدبيبة على تلك الزيارة، بعدما حصدت الشركات المصرية كثيرا من مشاريع إعادة إعمار مدينة درنة، والتي يحتكر توزيعها بلقاسم حفتر، أحد أبناء الجنرال المتقاعد.ليست مصر الوحيدة التي قلبت صفحة حكومة الدبيبة وباتت تؤيد سلطات حفتر في الشرق والغرب على السواء، فتركيا التي كانت في مقدم داعمي حكومة الدبيبة، تخلت عنها على ما يبدو، بعدما حصدت شركاتها باقة من مشاريع البنية الأساسية في درنة والمدن المجاورة، المتضررة من فيضانات أيلول/سبتمبر الماضي.سياسيا يمكن القول إن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بدا ضعيفا في هذه اللحظة التاريخية، إذ لم يستطع احتواء المواقف المتضاربة، ولا منع الشرخ في جدار اتفاق وقف إطلاق النار العام 2020 واستطرادا لم يتمكن من المحافظة على تماسك الهيئات السياسية، المنبثقة من الاتفاق السياسي الموقع في 2015 والمضمن دستوريًا، على الرغم من أن «السلطات والأجسام السياسية الموجودة في المشهد الليبي اليوم تستمد شرعيتها من ذلك الاتفاق» على رأي نائب رئيس المجلس الرئاسي عبد الله اللافي. من هذا المنطلق اكتفى المنفي بمحاولة تخفيف الاحتقان بإطلاق وعود لسكان المناطق الجنوبية، التي تعتبر نفسها محرومة من نيل حقوقها الاقتصادية والاجتماعية. ومن تلك الوعود «إدارة مشتركة للإنفاق العام ولإيرادات النفط، بشكل شفاف، للتخفيف من معاناة الشعب (في الجنوب)» على ما قال المنفي.ويرمي هذا الموقف إلى كسب ود سكان المناطق الجنوبية، وخاصة إقليم فزان، الذين يُحملون الحكومات المتعاقبة، شرقا وغربا، مسؤولية تهميشه، مع أن مصادر الثروات النفطية والغازية في البلد تأتي من ربوعه. والأرجح أن خليفة حفتر وحليفه عقيلة صالح يحاولان نزع الشرعية عن المؤسسات المنبثقة من اتفاق 2020 قبل اللجوء إلى الخيار العسكري، بالاعتماد على خطة تختلف عن خطة الهجوم على طرابلس العام 2019، والتي انتهت بانسحاب سريع لقوات حفتر، من محيط العاصمة نحو بنغازي.في هذه المرة تغيرت ملامح المشهد قياسا على 2019 إذ حددت قيادة قوات حفتر الهدف التكتيكي، باحتلال واحة غدامس، على بعد 650 كيلو مترا جنوب غرب طرابلس، من أجل استخدام مطارها في الاستيلاء على الجنوب الغربي، تمهيدا لاقتحام العاصمة. وترتدي السيطرة على هذه المدينة الحدودية أهمية كبرى، فهي تضم مطارا دوليا وشركة طيران ومنفذا بريا يربطها بالجزائر. وسبق التحرك العسكري لقوات صدام حفتر نحو الجنوب الغربي، «تعيينات» مفاجئة، قام بها رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، من بينها تسمية نفسه قائدا أعلى للجيش، وهي الصفة التي تُطلق على المجلس الرئاسي.من هنا يمكن اعتبار حركة عقيلة صالح انقلابا أبيض، وهي حركة مسنودة من خليفة حفتر. لكن من المستبعد أن يتحقق هدف صالح المتمثل باعتراف العواصم الإقليمية والدولية بحكومة أسامة حماد، التي هو راعيها الرسمي، عدا مصر والإمارات وربما روسيا. بيد أن الصعوبة تتمثل في أن أي تعديل يمكن أن يطال الأجسام السياسية أو اختصاصاتها يتطلب العودة إلى نصوص الاتفاق السياسي المعروف بـ«اتفاق الصخيرات» (2015) وخريطة الطريق المنبثقة منه.اللافت للنظر أن أجهزة صدام حفتر بدأت تتحرك في طرابلس قبل الاستيلاء على العاصمة، لترهيب النخب المعارضة، وفرض حكم أسري مجددا على المجتمع الليبي. من هنا كان ضروريا أن تتطرق ستيفاني خوري لدى اجتماعها مع قوات حفتر، إلى أوضاع الأفراد المحتجزين تعسفا من أجل مراجعة حالاتهم، بمن فيهم بعض الأطفال، وأكدت خوري وجود تقارير تشير إلى استمرار القيود على الحريات العامة. كما تطرقت التقارير للاعتقالات التعسفية والاختطاف والإخفاء القسري والوفاة أثناء الاعتقال. ومن بين الحالات المأسوية في هذا المجال، اختطاف الكاتب سراج دغمان واغتياله بعد أشهر من السجن والتعذيب، قبل أن يُلقى بجثته من الدور الرابع للايهام بأنه انتحر. ولم تخل المنطقة الغربية أيضا من الاعتداءات والاختطافات ومحاولات الاغتيال، وآخرها محاولة اختطاف عضو مجلس النواب نزار كعوان أو اغتياله، حسب الروايات، أمام بيته في طرابلس. ويعتبر كعوان أحد قيادات «الحزب الديمقراطي» القريب من التيار الإخواني. وشارك في العملية سبعة عناصر من حراس حفتر، إلا أنهم أخفقوا في تنفيذ المهمة التي أسندت لهم. ولم تتدخل قوات الجيش والشرطة لاعتقال المجرمين والعمل على فرض الأمن والنظام. لا بل إن نائب رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني أعطى توصيفا دقيقا لأوضاع «الجيش» الحكومي، مؤكدا أنه لا يأتمر بأوامر أعضاء المجلس الرئاسي، وهو غير قادر على استخدام صلاحياته، بوصفه قائدا أعلى للجيش، حتى في المنطقة الغربية. واتهم الكوني كلا من عقيلة صالح وحفتر وسيف الإسلام القذافي بالسعي للجلوس على سدة الرئاسة، مؤكدا أن ذلك يجب أن يتم عبر انتخابات حرة ونزيهة.على الرغم من أن حكومة الدبيبة تسيطر على بعض الأجسام العسكرية والأمنية في العاصمة، فإنها لا تمثل قوة ذات وزن في مواجهة قوات حفتر، المدربة والمجهزة بالعدة والعتاد. وهذه الأجسام، التي تشتبك أحيانا مع بعضها البعض، تتألف من ثلاث مجموعات كبيرة هي رئاسة الأركان العامة وقوة العمليات المشتركة والجهاز الوطني للقوة المساندة. وقد طلبت منها قيادتُها في طرابلس رفع درجة الاستعداد تحسُبا لأي طارئ، لكنها غير قادرة على حماية نفسها فما بالك بالذود عن مؤسسات الدولة في المنطقة الغربية. غير أن التطور الأخطر في سلسلة الأحداث هذه، تمثل بإعلان عقيلة صالح أن خمسين عضوا من مجلس النواب، تقدموا بمذكرة لإنهاء ولاية حكومة عبد الحميد الدبيبة، واعتبار الحكومة المكلفة من مجلس النواب، برئاسة أسامة حماد، هي الحكومة الشرعية.على هذه الخلفية وجه مسؤولون كبار تحذيرات قوية من خطر انقسام البلد، واحتمال وصوله إلى حافة حرب جديدة. وألقى النائب الرئاسي موسى الكوني، باللوم على «جميع الأطراف السياسية والعسكرية لفشلها في إيجاد حلول للأزمة وإدارة الدولة بشكل فعال» معتبرا أن ليبيا الآن منقسمة على نفسها. وتدل اللهجة التي حذرت من خلالها كلٌ من أمريكا وأوروبا من عودة العنف إلى ليبيا، على أن خطر العودة إلى القتال حقيقي. وركزت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في بيان مشترك على مطالبة الفرقاء التزام «أقصى درجات ضبط النفس». والأخطر من ذلك سقوط قذائف صاروخية على بيت الدبيبة بحي الأندلس في طرابلس، ما أشعل حريقا في قسم من البيت. وتؤكد هذه الحادثة، أن رئيس الحكومة لم يعد محميا كفاية ولا تحيط بمنزله حراسات دنيا.قصارى القول إن ليبيا تقترب شيئا فشيئا من فوضى سياسية واقتصادية تهدم القليل من التوافقات التي تم التوصل إليها في اتفاقات بوزنيقة وجنيف وتونس. فمن المستبعد أن تهتم العواصم الكبرى، المشغولة حاليا بحربي أوكرانيا وغزة، برفع الأحجار من طريق الحل السياسي المأمول، والذي لا يتحقق إلا بتفاهمات وتنازلات ليبية ليبية.
*المصدر : القدس العربي


www.deyaralnagab.com