logo
التركيبة الإجتماعية والديموغرافية للقرى العربية البدوية غير المعترف بها في النقب.

بقلم :  د. عامر الهزيّل ... 25.08.2006

1.القرى غير المعترف بها في النقب بين التخطيط الإسرائيلي والتخطيط العربي البديل
خلفيه عامه
يعيش في النقب اليوم 95,572 عربي في 46 قرية غير معترف بها (انظر الخارطة)، وسيصل عددهم في العام المحدد 2020 الى 202,239 نسمة. قرية غير معترف بها تعني ان سلطات التخطيط الرسمية ترفض اقرار خارطة هيكلية, لان وزارة الداخلية الإسرائيلية ترفض اقامة سلطة محلية تشرف على البناء, الترخيص والتخطيط وتقديم الخدمات كما هو متبع في البلاد. نتيجة لذلك لا توجد لجنة محلية للتخطيط والبناء تمنح رخص البناء, وعليه فأن اسرائيل خلقت بنفسها مشكلة عدم الاعتراف والبناء غير المرخص في اللحظة التي سنت فيها قانون التخطيط والبناء عام 1965 وطبقته بشكل تراجعي وقسري على واقع القرى الموجودة اصلاً قبل قيامها.
قرية غير معترف بها تعني ان لبعضها شحيح الماء ولاكثرها عطش الصحراء في وقت تزود مقابر اموات المستوطنات اليهودية بغزير المياه وهي لاتبعد آمتار عن احياء هذه القرى. قرية غير معترف بها تعني انها بلا اسم ولا عنوان ولا حق انتخاب لسلطة محلية , بلا شوارع ولا كهرباء ومؤسسات ولا خدمات ونقص صفوف المدارس الابتدائية اللازمة داخل القرى ولا حتى مدرسة ثانوية واحدة. التهمة انهم فلسطينيون والصراع في جوهره على التاريخ وعلى الأرض الذي لم يتبقى منها لأهل القرى فعلياً غير 170,974 دونم (1,3% من النقب) وعن جزء منها اعلن في السنوات الأخيره مناطق عسكرية مغلقة (انظر الخارطة). والجدير ذكره ان مساحة النقب تبلغ 60% من مساحة البلاد وتصل النسبة المأهولة بالسكان من مساحته فقط 10% حيث يسكنها 8% من سكان اسرائيل التلمود.
استراتيجية تخطيط التركيز للعرب مقابل التوزيع لليهود
تقاس العلاقات المنطقية عادة وفقاً للمفهوم الحيزي للإستيطان، استغلال الأرض والصراعات من اجل تخصيص تخطيطي وسيطرة نفوذ للدولة وسلطاتها المحلية. العامل الحاسم في بناء هذه العلاقات هو الرؤيا الاستراتيجية للتشكّل الاجتماعي – السياسي، وكذلك فحوى سياسة السيطرة على الاراضي التي توجه أهداف التخطيط على مستوى التشكيلة التنظيمية والتخطيط الحيزي.
ليس سراً ان هدف التخطيط الإسرائيلي على المستويين القطري واللوائي هو تهويد الحيز التخطيطي عبر تركيز اكبر عدد من العرب على اقل ما يمكن من الارض، وتوزيع اقل ما يمكن من اليهود على اكثر مساحة. فالصراع في مفهوم التخطيط الإسرائيلي هو صراع وجود, وعلى المخطط تجهيز الحيز للحرب القادمة في زمن هدنة "الحرب النائمة". بناءً على هذا الامر أُقرت اهداف المخططات الهيكلية القطرية في اسرائيل. الشاهد على هذا بعض المخططات التي يتم التعامل فيها مع العرب البدو وفقا لمنطق علاقة السيطرة "والجوي" الغريب, وعلى هذا الاساس يتم اعتبارهم خطر استراتيجي يتوجب تحييده. وكل عناية بأمرهم على المستوى التخطيطي ما هي الا من باب ما يحتمه التشكل الموضوعي اليهودي، وليس من منطلق خيار تصميم الأفضل المشترك، كجزء يعيش ضمن حدود تعريف المجتمع الإسرائيلي.
مثلا حدد في الخارطة الهيكلية للدولة "تاما 35" ان هدف التخطيط هو الوصول الى غايات المجتمع الإسرائيلي بفئاته المختلفة كدولة يهودية وكمجتمع يستوعب القادمين الجدد، وبناء على هذا الأمر فقد تم تحديد حيز القرى في النقب، قبل تدخل المجلس الإقليمي، كنسيج محمي يحول دون التطور ويمنع الاعتراف بها، أو كنسيج مديني متقطع بناء على مخطط "تمام" 4/14/24 لاقامة مدن التركيز "مرعيت وبيت فيلط" للعرب. كما جاء في مخطط "متروبولين" بئر السبع ان الهدف التخطيطي هو التقليص الأقصى "للشتات البدوي" من خلال تركيزهم في البلدات المخططه في وقت تتسع فيه العروض والمخططات لاقامة بلدات يهودية.
في هذا السياق تجاهل المخطط الهيكلي اللوائي (تمام 4/14), الذي وضعه المخطط ناحوم دونسكي, وجود 46 قرية غير معترف بها يعيش في اصغرها 500 واكبرها اكثر من 4500 نسمة. ذات يوم سألتُ دونسكي كيف سمح لنفسه الا يتطرق في هذا المخطط كليا الى القرى غير المعترف بها؟ بصورة غير مفاجئة اجاب: اسمع كانت هناك سياسة وجهت تخطيط "تمام 4/14" في النقب وانا لم أكن طرفا فيها. معنى هذا الموجه في امر التخطيط ليس المنطق المدني ,التخطيطي والانساني, بل سياسة ما قررت مسبقا ماهية التخطيط.
بكلمات أخرى، التخطيط الإسرائيلي تخطيط ايديولوجي مجنَّد وفقا لأهداف "انقاض الارض" من الغرباء.
هكذا تجذر في لبّ تخصيص الارض ووظائف التخطيط الاسرائيلي مفهوم ديني , عرقي وقبلي يمتد شرعيته من يهودية المواطنة نفسها. الأمر الذي عبر عن نفسه في سن قانون الاراضي حيث تبنى القول الديني: "لا تباع الارض الى الابد"، وهي القاعدة التي وجهت "الكيرن كييمت" لتطبيق سياسة "انقاض الاراضي". وفقا لهذا القول الديني تمت صياغة البند 1 في قانون اساس اراضي اسرائيل الذي يمنع نقل الملكية لغير الدوله والقوميه اليهوديه:
" اراضي اسرائيل، وهي الاملاك في اسرائيل التابعة للدولة، لسلطة التطوير، او لـ" الكيرن كييمت ليسرائيل"، لا تنقل الملكية عليها ان كان من خلال البيع او باي طريقة اخرى"، حيث الدولة هي دولة القومية اليهودية وكذلك هو شأن الاراضي. العربي هنا خارج تعريف الانتماء القانوني والتاريخي للسيادة على الارض. بكلمات أخرى، لا حق له على الحيز المنطقي والتخطيطي، وليس له دولة لانه ليس يهوديا ولا مواطنة لأن المواطنة يهودية. واذا لم يكن له كل هذا فهو من الرعايا الأجنبية ومن دون مواطنة سيادية. وضعية الرعيه مسوقه هنا كانتماء لدولة وهميه ذات مواطنة وظيفية تتيح للمؤسسة متسعا للاهتمام بالعرب بفعل ما يحتمه الواقع وليس من الالتزام بالحقوق والواجبات للمواطنة السيادية التي تمنحه انتماء للدولة وحقا في الاراضي بقوة القانون.
لذلك فان تشكل النظام في اسرائيل الراهنة لا يمكن ان يكون دمقراطية اثنية، حسب تعريف سامي سموحة، ولا نظاما اثنوقراطيا، كما يدعي اورن يفتحئيل، لان كلا منهما ينطلق من فرضية تقول ان للعرب مواطنة سيادية تنافسيه تضعهم في حدود التنوع الاثني التابع للدولة. في وقت يتميزالنظام بمبناه على اساس عرقي يهودي يضم في داخله فقط التوزيعة الاثنية اليهودية المتنافسه. وضعية تنشئ مع العرب علاقة سيطرة ابوية مقيدة على المستوى القضائي, السياسي والتخطيطي. ..نعم انه نظام حكم اليهودقراطية الذي يتسم بطبيعة "ديمقراطية الشعب السيد" وتبعا لذلك فان ملكية الارض للأسياد اليهود فقط. في هذا النظام تتوزيع الادوار بما يخص ملكية الأرض ونقلها بين الدولة والمؤسسات اليهودية غير الخاضعة لها كسلطة التطوير و"الكيرن كييمت". هكذا ألقي على "الكيرن كييمت" مهمة حيازة ملكية الاراضي، وعلى الوكالة الصهيونية مهمة تحديد غاياتها وتخصيصها على المستوى التخطيطي لتوطين وتهويد الحيز التخطيطي. دائرة اراضي اسرائيل لا تشكل أكثر من مجرد وكيل لاصحاب الاملاك، ولا عجب في ان "الكيرن كييمت" ممثلة بنصف اعضاء ادارة مجلس دائرة الاراضي وليس ثمة اي ممثل عربي.وفي هذا السياق حددت لقانون التنظيم والبناء (1965) ولمؤسسات التخطيط مهمة مركزية وهي: اضفاء شرعية قانونية على تخطيط الخناق والطوق حول القرى العربية المعترف بها، وترسيخ وضع "الشتات" لأهل القرى غير المعترف بها كفاقدين لحق امتلاك الاراضي ,أنتخاب سلطة محلية والخدمات الاجتماعية.
من هنا توجب على العرب في النقب، بغية اختراق حواجز علاقة السيطرة والخنق التخطيطي هذه, المبادرة الى تخطيط استراتيجي بديل في كافة المجالات من اجل خلق الرؤيه والادوات لتغيير الواقع. بكلمات اخرى، الشروع في عملية تدعيم جماهيري بهدف اخصاب النضال للدفاع عن الأرض والإنسان. لكن، عدا عن المشاكل المذكورة اعلاه كانت هناك مشكلة شديدة الصعوبة يعاني منها عرب النقب اصابت في وصفها المحامية ايريت ياعر حينما كتبت تحت عنوان "غابه في الجنوب المجنون":
"هؤلاء هم أكثر المواطنين معاناة من الظلم في البلاد. رأيت اتفاقيات بينهم وبين الدولة كتبت بالعبرية واوغلوا في الاجحاف بحقهم. اتفاقيات كما لو انها مع الهنود. كانت هناك ضمانات قريبة الى حد ما للاحتيال... قبل حوالي 40 سنة، حين تم الالتقاء بينهم وبين الدولة. لقد بدأوا بتأخر الف سنة . لديهم قلة تدبير مطلقة في مواجهة الاجهزة السلطوية وهذا هو عمليا الجيل الاول منهم في التعليم الرسمي بعد قيام الدولة . البدو الذين يصرون على حقوقهم تعاقبهم السلطه. يقول لي موظفون مختلفون ان هذا الشخص سنخوزقه لانه توجه الينا وانتقدنا. وانا شخصيا هوجمتُ ومكثتُ مصدومة فترة طويلة بعد ذلك. قالوا لي اني امد يد العون للمحرضين، واني اعمل ضد الدولة."
عام 1996 كان سكان القرى غير المعترف بها في صميم خطر وجودي محدق بهم من مخطط متروبولين بئر السبع الذي تظمن خطة "مديرية البدو" لأقتلاع وتركيز اهل القرى حتى عام 2008. لقد كان واضحا ان لا مجال للدفاع عن القرى بدون استنباط ادوات نضالية جديدة من خلال تنظيم داخلي يواجه الرهبة من السلطه مدعوماً بتخطيط بديل وبنية تحتية للمعلومات البديلة. وعليه اجابت " خطة عرب النقب 2020" , التي أعدها الكاتب عام 1996, عن سؤالين مركزيين طالما سألتهما السلطه. السؤال الاول: مع من نتحدث؟ بادعاء انه لا توجد قيادة جماعية لأهل القرى. والثاني حول ماذا نتحدث؟ بادعاء ان البدو لا يعرفون ما الذي يريدونه ومطالبهم غير محددة.
بناء على "خطة عرب النقب 2020", والتي تعتبر حلقة مكملة في نضال الأهل، تم الأجابة عن السؤال الأول: مع من نتحدث؟ باقامة المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب المؤلف من رؤساء اللجان المحلية التي اقمناها في القرى، كقيادة شعبية تمثيلية, وذلك بواسطة "لجنة التوجيه والتخطيط الإستراتيجي للقرى والمدن العربية" التي اقيمت عام 1996 خصيصاً من أجل تنفيذ توصيات الخطة التي حددت 17.5.1997 زمن الإعلان عن تأسيس المجلس الإقليمي. وهذا التاريخ لا يخلو من الرمزية التاريخية وأن كانت ضبابية بفارق أيام لظروف الموقع والمرحلة التاريخية.
رداً على السؤال الثاني: حول ماذا نتحدث؟ شملت الخطة ، ولأول مرة منذ قيام الدولة، خارطة للقرى غير المعترف بها باسمائها التاريخية ليس فقط بهدف الصراع السياسي على الاعتراف, الملكية والوجود وانما يتعدى هذا ليطول الصراع على ملكية الروح وترابطها التاريخي مع الحيز الجغراقي كرافد اساسي للهوية القومية التي استهدفها التخطيط الإسرائيلي بعملية تهويد مبرمجة لأكثر من 670 من أسماء المناطق, الجبال والوديان مباشرة بعد قيام الدولة. حتى عندما اقاموا مدن التركيز السبع اطلقوا على أكثرها(راهط,تل شيبع,سيقب شالوم,عروعير) اسماء عبرية وفقاً لتخريط السلخ التاريخي الذي يوازي في بشاعته الروحية ابشع المجازر الجسدية. في احدى جلسات اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء سألتُ: لماذا تمنحون قرانا اسماء عبرية ولها اسماء عربية؟ حينها رد شالوم دنينو متصرف لواء الجنوب: "اتعرف لدينا مشكلة مع ام بطين. اننا لا نجد لها اسما عبريا. ربما تستطيع مساعدتنا في هذا الامر. سيدي ان الحديث يدور هنا عن دولة اسرائيل اليهودية. أتفهم ما اقول؟". ولأننا نفهم ما يقول بعثت "خطت عرب النقب 2020" عام 1997 لكل مؤسسات الدولة كأعلان تحدي ورسالة صمود مبدئها الأساسي الاعتراف بالقرى على ارضها التاريخية دون اشتراط او ربط بتسوية الأرض. في مرحلة لاحقة طور المجلس,بمساعدة المركز اليهودي العربي, خطته هذه "لمخطط اقامة سلطة محلية للقرى العربية البدوية في النقب" شملت تفاصيل تخطيطية للمجلس الأقليمي تم تقديمها عام 1999 لكل مؤسسات الدولة.



في البداية رفضت اللجنة اللوائية التعامل مع المخطط وحولته الى الى اللجنة القطرية بادعاء ان ذلك ليس من صلاحياتها. اللجنة القطرية اعادة بدورها المخطط للجنة اللوائية للتخطيط. في النقاش الاول الذي جرى في تاريخ 27.3.2000 قال شالوم دنينو,مدير لواء الجنوب انذاك, في رده لبيني بداش رئيس مجلس عومر الذي ضغط من اجل عدم البحث في المخطط بتاتا:
"في نهاية النقاش نتخذ القرار في" فوروم" مغلق، لان ... المستشار القضائي طلب ان نناقش هذا الامر نقاسا مبدئيا، وهنا على النقاش ان يحول المخطط الى المجلس القطري والسؤال هو من سيحول, اللجنة اللوائية ام المبادرون."
بيني بداش:
"انني اعترض اصلا على ان وصل النقاش الى اللجنة، انني اعتقد انه لا يجب النقاش به ابدا. ان هذا يعتبر سابقة شديدة الخطورة، وهي سابقة ينوون ان يشركوا بها الاعلام كثيرا، وهذا الاعلام سيضطرني... الى اضافة 200 بلدة اخرى. لذلك فانني ارجو ان يتم ازالة هذا الموضوع عن جدول الاعمال بتاتا وعدم البحث فيه. انني ببساطة لا افهم كيف لا تستوعبون اطلاقا معنى هذا الامر وخطورته، حتى تدركوا معنى خطورة ان يصل هذا الموضوع الى جدول الاعمال اصلا."
في جلسة اللجنة اللوائية التي عقدت في 12.2.2001 اعلنت اللجنة قرارها من تاريخ 27.3.2000 والقاضي برفض المخطط وذلك لكونه لا يراعي تعليمات الخارطة الهيكلية اللوائية "تمام" 14/4 وكذلك تعليمات الخارطة القطرية "تاما" 31. واعتقدت اللجنة ان البحث في "اقامة" قرى جديدة يجب ان يكون في اطار نقاش حول تغيير المخطط الهيكلي الاقليمي والقطري ووفقا لقرار الحكومة. والصياغة الاخيرة مثيرة للانتباه لأستنادها لقرار اللجنة الوزارية بتاريخ 21.8.2000 بخصوص مخطط طويل الأمد لحل مشاكل البدو مع ابداء النية للأعتراف ب 16-18 قرية كحل نهائي يركز فيهم, مع باقي مدن التركيز الأخرى, كل باقي القرى. مطلب عرضته حكومة براك ومن بعدها حكومة شارون على المجلس الإقليمي برئاسة جبر ابو كف ورفضته القيادة السياسة مع تأكيدها على انها خطوة بالاتجاه الصحيح يجب أن يتلوها خطوات اخرى حتى الأعتراف بأخر القرى ال 46.
على الرغم من هذا الرفض كانت هنالك انجازات لأسلوب النضال العلمي والمبرمج التي بدأت تتبعه الحركة الجماهيرية منذ تأسيس المجلس الأقليمي. في الجلسة ذاتها تقرر تقديم مخطط 1/24/4 "قرى ثابتة للشتات البدوي" الذي اعترف ببعض القرى ولكن منحتها اسماء عبريه "شورير" لقرية قصر السر و"مولدا" لقرية وادي غوين بالاضافه الى اقتراح قرية ام بطين التي لم يجدوا لها اسم عبري غير هذا الاسم. كما كسرت,ولأول مرة, الوضعية التركيزية للبلدات السبع والتي وجدت تعبيرا لها ايضا في المخطط تمام 24/14/4 بما في ذلك اقتراح مدينتا التركيز "بيت فيلط ومرعيت" الذي عارضه المجلس الاقليمي بصورة قاطعة. للمرة الاولى ايضا يتحدثون عن قرى تقطنها فقط العائلات المقيمة فيها دون الحديث عن نقل اخرين. كما لبت اللجنة اللوائية طلب المجلس الإقليمي باقامة لجان توجيه للتخطيط تترأسها وزارة الداخلية بحيث تشمل تمثيلا للجان المحلية في القرى, وبذلك فقد صادرالمجلس من مديرية البدو تفردها في صلاحية التخطيط. جاء في الرسالة التي ارسلت الى يعقوب كاتس رئيس مديرية البدو في تاريخ 2.4.2001 ما يلي:
"استمرارا لما ذكر اعلاه تقرر اللجنة اقامة لجان توجيه لاعداد مخططات محلية في القرى برئاسة مكتب التخطيط وبمشاركة دائرة تطوير البدو في النقب وممثلي السكان البدو، من خلال التنسيق مع السلطات المحلية المجاورة." في هذا المخطط تم ولأول مرة الاعتراف الرسمي بفشل واستنفاذ نهج التركيز في البلدات السبع.
يعلل المخطط هذا الفشل للاسباب التالية:
1. وصلت عملية الاسكان في البلدات السبع الى حالة من الجمود.
2. عدم ايجاد السكان المستعدين للانتقال الى بلدات التركيز.
3. الصراع على الارض وملكيتها هو السبب الرئيسي لعدم الانتقال الى بلدات التركيز. . 4. يسعي العرب لأقامة قرى مثل تلك التي تمت اقامتها للسكان اليهود في المنطقة , على اساس القرى القائمة.
الاهم من كل ذلك هو الاعتراف بهذه القرى دون اشتراط او ربط بتسوية الأرض في هذه المرحلة. موقف سبقته موافقة حكومة براك على مبدأ مركزي في التخطيط البديل، تزويد الخدمات دون اشتراط ذلك بتسوية الأراضي.
كان واضحاً لقيادة المجلس ان الهوة بين الإعلان والتطبيق ستكون كبيرة والخوف اعظم من مخططات مبيته للسيطرة على الأرض. لهذا استكمل المجلس الإقليمي خطواته النضالية من زاوية المطالبة بتغيير المادة 6 في تسجيل العناوين لوزارة الداخلية. وذلك اعتمادا على حقيقة انه حتى عام 1974 سجل في بطاقة هوية أهل القرى الاسم التاريخي للقرى في مكان الولادة. في عام 1974 تنبهت الدولة للمعنى القانوني لهذا واستبدلت الاسماء التاريخية باسماء عشائر. السبب هو أن العشيرة,وفقاً للقانون الاسرائيلي, لا تعني اي علاقة قانونية او جغرافية مع حيز حياتها, وذلك تأكيداً على نظريتهم ان البدو عاشوا حياة رحل ولا علاقة قانونية لهم بالأرض. الهدف من مطلب المجلس هو اقرار الأعتراف بأسم القرية التاريخي كمدخل قانوني للاعتراف بها.
في تاريخ 18.6.2001 قبلت اللجنة المشتركة الداخلية – العمل للكنيست طلب المجلس الاقليمي بتغيير المادة 6 بموافقة ممثلي وزارة الداخلية الذين شاركوا في الجلسة. وقد جاء في القرار:
"توافق اللجنة بالاجماع على الموضوع المطروح؛ تتوجه اللجنة الى وزير الداخلية لتفعيل صلاحياته طبقا للاضافة 4 على المادة 6 في سجل السكان، بحيث بدلا من ان يظهر اسم القبيلة كعنوان يظهر مكان الولادة. اننا ننتظر الحصول على رد من الوزارة ، يقر بشأن الموقع الجغرافي بغية نقله للمصادقة عليه في لجنة القانون والدستور التابعة للكنيست.ان وزارة الداخلية مدعوة لتلقي المساعدة والعون من المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها في كل ما يتعلق بالموقع الجغرافي للقرى غير المعترف بها في النقب، وذلك لتسهيل تعيين وتحديد عناوين المواطنين في القرى غير المعترف بها." غير ان وزارة الداخلية فهمت انها وقعت في الفخ. لذا تراجعت
في الجلسة التالية عن موافقتها معللة ذلك بالقول ان معنى هذا القرار هو الاعتراف بحقوق سكان القرى، وخاصة في الانتخاب والتصويت لسلطة محلية.
على جبهة اخرى واجه المجلس الإقليمي المخطط القطري للدولة "تاما" 35 الذي تجاهل في بداية طرحه وجود القرى. في اعتراض المجلس كتب:
" من خلال وضع خارطة القرى على خارطة "تاما" 35 يتضح ما يلي:
1. وجود نسيج مديني متكتل يقع على جزء من القرى.
2. وجود نسيج مديني متقطع يضم جزءا اخر.
3. وجود نسيج محمي يقع على الجزء الاخر.
وبما اننا طلبنا في المخطط الذي قدمناه اليكم ان تشكل القرى نسيج قروي زراعي ضمن متروبولين بئر السبع وتاما 35 فاننا نطلب:
1. ان يتم في تاما 35 وضع كل القرى ضمن تواصل جغرافي او بشكل منفرد كنسيج قروي.
2. ارساء مطلب اقامة سلطة محلية للقرى.
3. اعداد وثيقة سياسية تخطيطية للقرى غير المعترف بها في النقب, تؤكد ضرورة الاعتراف."
بعد نضال عنيد على مستوى متخذي القرارات في حكومة براك وبعد الكثير من الجلسات مع طاقم تخطيط تاما 35 برئاسة شماي اسيف وشريكه في التخطيط د. راسم خمايسي تقرر من خلال توجيه من مكتب رئيس الحكومة في الجلسة التي عقدت بتاريخ 20.1.00 الرد على مطالب المجلس الإقليمي بما يلي:
1. يتيح المخطط تاما 35 اقامة قرى بدوية في لواء بئر السبع. وفيما يتعلق بعدد القرى التي ستقام، موقعها او مساحتها سيتم تحديدها في المخطط الهيكلي اللوائي.
2. تحدد المناطق التابعة لسهل بئر السبع وسهل عراد شرقي مدينة بئر السبع كنسيج قروي بدلا من نسيج محمي مدمج.
3. يغير تعريف نسيج مديني متقطع الى نسيج مديني قروي. وفي اطاره يتم دمج تجمعات مدينية وتجمعات قروية وحيز زراعي.
في وثيقة سياسة المخطط التي تم نشرها من قبل المجلس القطري كانت الاستجابة لمطالب المجلس الجوهرية مثيرة للانطباع. فقد كتب في الجزء الذي تطرق الى السكان العرب في النقب:
"يجب اقامة مراكز خدمات لسكان الشتات تكون نواة مهمة لتجمعات ثابتة اضافية. كذلك يجب خلق اطار تنظيمي اقليمي بحيث يكون في المرحلة الاولى سلطة حكومية تشرك عناصر من المنطقة، ويصبح في مرحلة اخرى مجلس اقليمي ذو قدرة على تزويد الخدمات للمواطنين." وهذا استجابة لمطلب اقامة مجلس اقليمي كسلطه محليه للقرى.
لتسريع اعداد المخطط الهيكلي الجزئي للنقب , وبعد رفض الدولة لمخطط المجلس الاعتراف بالقرى , توجه المجلس الإقليمي الى محكمة العدل العليا,بواسط جمعية حقوق المواطن, بطلب اصدار امر احترازي لتعليل سبب عدم تعديل المخطط الهيكلي اللوائي "تمام" 4/14 بشكل يلزم الدولة باجراء تخطيط للتجمعات القروية للسكان العرب البدو في اللواء الجنوبي.
جاء في صميم الالتماس، ضمن اشياء اخرى، ما يلي: حسب مخطط مقدموا الالتماس ومنهم المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها "ثمة اليوم ما مجموعه 46 تجمعا سكنيا غير معترف به في النقب، ويزيد عدد السكان في كل منها على 500 مواطن. (من بينهم: 28 تجمعا يزيد عدد السكان فيها على 1000 مواطن). تشبه هذه المعطيات نتائج الاستطلاع الذي اجرته وزارة الداخلية والتي تم عرضها في التقرير الذي قدمته دولة اسرائيل للجنة الامم المتحدة للحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، والتي يوجد وفقها في النقب 40 "نقطة استيطان كبيرة" للبدو، وفيها اكثر من 50 وحدة سكنية".
بعد النقاشات وتحت ضغط كبير جدا من قبل المحكمة توصل الملتمسون في تاريخ 9.7.01 الى اتفاق حل وسط مع المجلس القطري للتنظيم والبناء وظل الالتماس معلقا وساري المفعول. يقول اتفاق حل الوسط:
"1. يجب اعداد مخطط هيكلي لوائي جزئي لمنطقة بئر السبع (التي تضم المنطقة الممتدة من الشرق حتى عراد ديمونا، من الجنوب حتى منطقة سديه بوكر ورفيفيم، ومن الغرب حتى نتيفوت). وطلب من المخططين الاهتمام بموضوع مركزي وهو بلورة اقتراحات لحل مشكلة التواجد العربي البدوي في المنطقة، الى جانب تخطيط المتروبولين.
2. سيطلب من المخططين من قبل دائرة التخطيط في وزارة الداخلية فحص طابع السكن القروي كأحد الحلول لتوطين العرب البدو. كذلك سيطلب من المخططين الالتقاء بممثلي المواطنين الذين سيفحصون معهم الاقتراحات العملية للبلدات الجديدة ومن ضمنها التجمعات القروية، بما في ذلك مخطط الخارطه الهيكليه للقرى والذي تم تقديمه من قبل مقدمة الالتماس – المجلس الاقليمي للقرى غير المعترف بها، الى اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء في اللواء الجنوبي."
هكذا اجبرت الدولة على البدء في اعداد خارطة هيكلية لوائية جديده "تمام"4/14/23. ولأن تكتيك المؤسسة التخطيطية كان كسب الوقت لتنفيذ مخططات تهويد او تركيز, شرع المجلس الإقليمي بأعداد خرائط هيكلية مفصلة عينية لبعض القرى التي تم الاعتراف بها واخرى تعتبر في دائرة خطط الاقتلاع والتركيز. كما اعد المجلس خرائط حدودية للقرى في حالة توسيع نفوذ بعض المدن والقرى اليهودية عليها مثل توسيع مدينة بئر السبع على حساب قرية عوجان , وكذلك للقرى التي تم الاعلان عنها مناطق عسكرية مغلقة مثل قطامات/المطهر, سعوة وغيرها. هذا في وقت استطاع المجلس ومعه كل التنظيمات الجماهيرية,بواسطة التوجه لمحكمة العدل العليا, فرض تزويد جزء من الخدمات وبناء بعض المدارس, العيادات والمياه, مما ساهم في صمود الأهل بتخفيف وطأة ظروف الحياة الصعبه داخل القرى التي هدفت الدولة جعلها جحيم لا يطاق لأجبار الناس على الرحيل عن قراهم. كما اجبر المجلس الاقليمي الدولة على تغيير اسماء القرى المقترحه للاعتراف من الاسماء العبرية الى العربية وفقاً لخارطة وخطة المجلس. ما كان كل هذا ممكناً بدون توفير قسم التخطيط الإستراتيجي في المجلس قاعدة وشبكة التخطيط والمعلومات البديلة التي شكلت مرجعاً للدولة نفسها ولباحثين ومراكز ابحاث كثيرة.
النظال الجماهيري المبرمج والموجه استراتيجياً ادى حتى منتصف عام 2004 الى الإعتراف الرسمي او التخطيط للاعتراف ب 14 قرية مع تحديد مناطق للإعتراف بقرى اخرى في مخطط الخارطة الهيكلية اللوائية "تمام" 4/14/23 . كما تم اقامة مجلس اقليمي ابو بسمة لكل القرى التي تم الاعتراف بها. مع هذا تبقى مخططات الاقتلاع والعزل والتطويق ألإسرائيلية سيف على رقاب أهل القرى كما تبين الخارطة ادناه, خاصة ان الحكومة الاسرائيلية لا توجد لها نوايا جدية للاعتراف بكل القرى كمطلب أهلها.

كما تبين الخارطة فأن هنالك اكثر من 12 مخطط يستهدف وجود القرى. مخططات تشمل توسيع نفوذ مدن يهودية على اراضي القرى, اقامة مستوطنات باسلوب العزل والتطويق المتبع في الضفة الغربية والأعلان عن مناطق عسكرية مغلقة, مطارات ومناطق صناعية هذا بالأظافة الى مخططات التحريش التي تقوم بها "الكرنكيمت" وزرع النقب بأكثر من 61 مزارع فردية على عشرات الالاف من الدونمات وهنالك مخطط لأقامة 39 مزرعة فردية اخرى.
ومع ان اقامة سلطة محلية نموذج مجلس اقليمي كان وما زال مطلب جماهيري, غير أن اقامة الدولة لمجلس اقليمي ابو بسمة جاء بخلاف مطالب المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها. وعليه كان الموقف من ابو بسمة مشروط ان يكون في خدمة الناس وليس اداة مطواعة في يد الدولة لتنفيذ مخططات الاقتلاع والتركيز. خصوصأ انه عين رئيس يهودي لهذا المجلس. وكما يقول عربان النقب "المقروص بيخاف من جرت الحبل" لأن تجربة النقب مرة مع رؤساء المجالس اليهود الذين اداروا السلطات المحلية في مدن التركيز السبع بمعدل اكثر من 20 عام. فترة زمنية اشرفوا فيها مباشرة على تنفيذ مخططات التهويد, الحصار والخنق. في وقتهم حاصر توسيع نفوذ المجلس الأقليمي بني شمعون مدينة راهط ومعها حيز القرى حولها. كذلك توسعت بئر السبع وعومر على محيط القرى عوجان المكيمن ام بطين وحاصرت بشكل مباشر مدن التركيز سيقب شالوم, تل السبع واللقية. بلدة ميتار وسعت نفوذها على حساب محيط حوره الى ان وصلت الى مفرق الساقطي لتشكل مع المنطقة العسكرية حصار مغلق على حورة. وهكذ الحال مع كسيفة وعرعره. والأخطر من كل هذا هو ضلوع هؤلا الرؤساء اليهود في اقتلاع وتدمير القرى, حيث اقتلع ورحل الى مدن التركيز حتى عام 1995 ما يقارب ال 50% من السكن العرب, هذا اذا ما انطلقنا من حقيقة انه حتى اواخر الستينات من القرن الماضي عاش كل أهل النقب في قرى غير معترف بها.
في النهاية نقول الأمور ستقاس بنتائجها "والطولة كشافة" كما يقول أهل النقب, للدور الذي سيلعبه مجلس ابو بسمة. الشئ المؤكد ان رؤساء اللجان المحلية في بعض القرى التي تم الأعتراف بها تنطلق من الشك الى اليقين في تعاملها مع مجلس ابو بسمة. ولأن تغيير العناوين للناس في القرى قد يعتبر اداة ترحيل وتركيز, اشترط بعض رؤساء لجان قرى ابو بسمة اي تغير عنوان لأي شخص لقراهم.يستوجب موافقتهم على ذلك أولاً. موقف يجب تعميمه على باقي القرى حتى لا يكون مجلس اوبسمة بتسميته الحكومية قناعاً لمجلس ابو كشرة الذي يتخوف من انيابه اهل القرى والعرب في البلاد وبحق.


www.deyaralnagab.com