logo
أسر تطرد أطفالها وتتركهم بلا أوراق ثبوتية !!
بقلم :  فيصل عبدالحسن ... 27.06.2016

الأطفال المطرودون من عائلاتهم يمثلون نسبة عالية من الأطفال المشردين في الوطن العربي، وفي دراسة حديثة أعدتها منظمة “أطباء العالم” للتنمية ورعاية الطفولة، أوضحت أن نسبة 20 بالمئة من مجموع الأطفال المشردين حول العالم، هم من المطرودين. وأشارت الورقة المقدمة إلى هيئة خبراء المجلس العربي للطفولة والتنمية إلى أنَّ هذه النسبة ترتفع إلى 22 بالمئة في مصر والعراق وسوريا واليمن والسودان، وتونس والمغرب وليبيا والجزائر.
فيصل عبدالحسن
تبلغ أعداد الأطفال المشردين في العالم حسب نشرة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العالم والتي تم إعدادها في العام 2015 ما يزيد على 28 مليوناً.
وظاهرة إبعاد الأطفال عن أسرهم -أو من يسمون بالأطفال المطرودين- هي نتيجة لأسباب كثيرة من بينها الحروب والصراعات القبلية والإثنية المسلحة، والاضطرابات والصعوبات الاقتصادية، وانفصال الأزواج عن زوجاتهم.
وتشير الإحصائيات المتعلقة بهذه الظاهرة إلى أنها بدأت تستفحل في الوطن العربي، معلنة هشاشة الوضع الأسري، وتردي الأوضاع الاقتصادية لمجتمعات عربية تعاني منذ سنوات وإلى وقتنا الحالي من حروب أهلية وأوضاع اجتماعية واقتصادية مضطربة.
ومشكلة طرد طفل من أسرته إلى العراء، وهو لا يزال في سن الرابعة أو الخامسة، هي أكثر من ظاهرة اقتصادية وأخلاقيّة تمر بها هذه الأسرة، وتؤشر على شرخ عميق في القيم الأسرية.
وحول هذا الموضوع نشر مكتب اليونسيف بالمغرب (صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة) تقريراً عن أعداد الأطفال المشردين المسجلين في المغرب، محدداً العدد بأربعين ألف طفل، وأعمارهم تنحصر بين 5 سنوات و14 سنة. وخمسهم من “الأطفال المطرودين” ويوجد ربع العدد في مدينة الدار البيضاء، ويتوزع الباقون على مدن مغربية، كمراكش ومكناس وتطوان وأسفي والصويرة وغيرها. وتشير وزارة التضامن والمرأة والأسرة المغربية في الوثائق الصادرة عنها إلى أن نصف العدد المذكور في إحصائية اليونسيف من الأطفال المشردين في المغرب فقط.
وتقول خديجة مفتوح، وهي عضوة فاعلة في جمعية “ماتقيش ولدي” بالدار البيضاء، للدفاع عن حقوق وسلامة الأطفال، لـ “العرب” “من المفاجآت غير السارة أن يطرق بابك طفل في الخامسة أو السادسة من عمره، وهو يرجوك بنظراته البريئة أن تدخله بيتك ليعيش مع أطفالك كواحد منهم. فتقع في حيرة من أمرك؛ ماذا ستفعل لهذا الطفل المسكين؟ طفل طردته أسرته بعد أن وضعت له في حقيبة يحملها وراء ظهره أغراضه، وملابس قليلة، هي كل ما يملكه. وهو بلا أوراق ثبوتية، وبالكاد يعرف نطق اسمه، وتركته أسرته في مكان عام تحت رحمة الشارع، وساكني الشقق القريبة، ومضت لقضاء شؤونها، ماذا تفعل إزاء مثل هذه الكارثة؟”.
وتستطرد مفتوح قائلة “إن موضوع الأطفال المطرودين صار من الظواهر التي ينبغي على مجتمعاتنا معالجتها. فالأسرة التي تتخلى عن ابنها بهذه الطريقة المؤلمة تؤكد من خلال ذلك معاناتها الشديدة مع الفقر أو أنَّها أسرة بلغت من الانحدار الأخلاقيّ والدينيّ ما يوجب سن َّ قوانين تعاقب عليها”.
وتضيف “في الحالتين ينبغي معالجة الموضوع بيداغوجياً واجتماعياً واقتصادياً من خلال التثقيف المجتمعيّ، ونشر قيم التضامن وإعانة الأسر الفقيرة من خلال جمعيات ومنظمات المجتمع المدني”.
وقالت موضحة “وفي هذا السياق من الضروري زيادة عدد دور رعاية الأطفال الذين هم في وضعية هشّة، وهي الدور التي تديرها الدولة وجمعيات المحسنين، للعناية بهذه النماذج، وتوفير السكن والعيش الكريم والتعليم لها. وقد أنشأنا صفحة في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بعنوان”أطفال تائهون وأشخاص مفقودون” على أمل جمع شمل المفقودين بأسرهم”. ويؤكد مبارك فيلالي العضو المفوض في منظمة “مدسان دي موند” للتنمية ورعاية الطفولة، لـ “العرب” على الجانب اللاأخلاقي في تخلي العائلة عن طفلها، مهما كانت الذرائع والمبررات المقدمة في هذا الشأن.
ويشير إلى أنه درس مع مجموعة بحث عينة من 100 طفل من المتخلى عنهم، فوجدوا أنَّ 65 بالمئة من هؤلاء ذكور، وهم في سن تتراوح بين الرابعة والثانية عشرة من العمر. وقد يتم التخلي عن الطفل لأنَّه يمثل لصاحب الأسرة -الذي ربما يكون زوجاً لوالدة الطفل، وليس الأب البيولوجي لهذا الطفل- مصدراً إضافياً للإنفاق لا ضرورة له. فهو يجبر أم الطفل على التخلي عن طفلها عبر تهديدها بهجرها أو خداعها بالكلام المعسول عن المستقبل الأفضل لطفلها، الذي ربما يَحْظَى برعاية أسرة غنية تلتقطه من الشارع وتتبناه وتقدم له رعاية أفضل بكثير مما تقدمه له أمه، وكذلك سترعاه الأسرة الغنية حتى يكمل دراسته، ويصير عضواً مهماً في المجتمع، بدل أن يعيش في الفقر والجهل والمرض، أو يكون طفلاً لما يسمى في المغرب بـ”الشمكاره” ( المشردون ) وقد عجزت الأم عن إعالته أو توفيت وتركته يواجه مصيره بمفرده في الشارع.
وانخفضت نسبة الإِناث في العينة المبحوثة إلى 35 بالمئة، لنفس أعمار الذكور، والسبب في ذلك كما أوضح فيلالي “العامل الربحيّ الذي تتلقاه الأسرة من إرسال الفتيات الصغيرات كخادمات إلى المدن، وقبض ما يُدفع للبنات من مال من خلال زيارات فصليّة أو سنويّة من قبل الأم أو الأب لأسر المخدومين، بينما لا يمكنهم تشغيل الأطفال الذكور لدى الأُسر لتفضيلها الخادمات الإِناث”.
كما بين أن العديد من الأُسَر تستثمر في أطفالها الذكور، فهي ترسلهم إلى العمل في ورش للحدادة أو لإصلاح السيارات أو لتنظيف زجاج البيوت أو للتسوّل!!

المصدر : صحيفة العرب

www.deyaralnagab.com