logo
تسونامي الرملة في المصادر التاريخيّة العربيّة...!!
بقلم : الديار ... 02.03.2023

**عن الأضرار التي ألحقها الزلزال في فلسطين، يقول ابن الجوزي في كتابه "المنتظم": "وكان بالرملة زلازل خرج الناس فيها بأولادهم وحرمهم وعبيدهم إلى ظهر البلد، فأقاموا ثمانية أيام وأهلكت من الناس قومًا".
تسونامي الرملة في المصادر التاريخيّة العربيّة...تسونامي مصطلح ياباني مكون من كلمتين: "تسو" بمعنى ميناء، و"نامي" بمعنى الموج العاتي، أي الأمواج العاتية التي تضرب مدنا ساحلية في أعقاب هزة أرضية في البحر، أو انهيار فيه.
وظاهرة انسحاب البحر بعد الهزة، ثم رجوعه باندفاع هائل نحو اليابسة، شاهدناه في اليابان عام 2004. وهو ما عرف بالتسونامي الذي أدى إلى غرق مدن بكاملها وموت الكثيرين. لن نبحث في الأسباب التي تؤدي إلى حدوث التسونامي، لأن ذلك من اختصاص الجيولوجيين والمهندسين، ولكن سنقلب صفحات التاريخ لنرى هل حدث تسونامي في فلسطين؟ وما الأضرار التي خلفها استشرافًا للمستقبل، لأن التوقعات تشير إلى احتمال وقوع هزة أرضية أو أكثر في السنوات المقبلة.
وردت في المصادر التاريخية العربية معلومات عن تسوناميين اثنين ضربا ساحل فلسطين مع زلزالين. الأول وقع في 15 من المحرم سنة 425 للهجرة/ 11 كانون الأول/ ديسمبر 1033م، أطلقنا عليه اسم الصغير. والثاني في11 جمادي الأولى سنة 460 للهجرة/ 19 آذار/ مارس 1068م، وهو الذي تبعته هزات ارتدادية. ألحق هذا التسونامي أضرارًا بالغة بالرملة عاصمة جند فلسطين، ولذا أطلقنا عليهما تسونامي الرملة الكبير.
التسونامي الصغير
يقول ابن تغري بردي في كتابه "النجوم الزاهرة" إنه في سنة 425 للهجرة/ 1033م، زُلزلت الرملة زلزلة هدمت ثلث مدينة الرملة، ونزل البحر مقدار ثلاثة فراسخ، فنزل الناس يصيدون السمك، فخرج عليهم فغرق من لم يحسن السباحة.1
أما سبط ابن الجوزي في كتابه "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان"، فيذكر هذا التسونامي بالتفصيل: "حدث في الرملة حادث عظيم، جزر البحر مقدار ثلاثة فراسخ، فنزل الناس يصيدون السمك، فرجع وأغرق من لم يحسن السباحة، وزلزلت الرملة زلزلة هدمت ثلث البلد، ورمت الجامع وخرج الناس هاربين بعد أن تلف معظمهم، وامتدت إلى نابلس فهدمتها، وقلبت قرية من قراها يقال لها جيت، وهي على رأس جبل قلبتها الزلزلة فجاست بأهلها وبقرها وغنمها، وسقطت منارة عسقلان وغزة وحائط بيت المقدس والخليل عليه السلام وبعض محراب داود عليه السلام، وخُسف بنصف عكا".2
أما ابن العماد في كتابه "شذرات الذهب"، فيقول: "زلزلت الرملة، فهدم نحو من نصفها، وخُسف بقرى، وسقط حائط بيت المقدس، وسقطت منارة جامع عسقلان، وجزر البحر نحو ثلاث فراسخ، فخرج الناس يتتبعون السمك والصدف، فعاد الماء، فأخذ قومًا منهم".3
عن الأضرار التي ألحقها الزلزال في فلسطين، يقول ابن الجوزي في كتابه "المنتظم": "وكان بالرملة زلازل خرج الناس فيها بأولادهم وحرمهم وعبيدهم إلى ظهر البلد، فأقاموا ثمانية أيام وأهلكت من الناس قومًا، وتعدت إلى نابلس فسقط نصف بنيانها وتلف ثلثمائة نفس من سكانها، وقلبت قرية بإزائها فخاست بأهلها وبقرها وغنمهم، وخسف بقرى أخر، وسقط بعض حائط بيت المقدس، ووقع من محراب داود عليه السلام قطعة كبيرة، ومن مسجد إبراهيم عليه السلام قطعة إلا أن الحجرة سلمت، وسقطت منارة المسجد بعسقلان، ورأس منارة غزة".4
يبدو أن الزلزال المذكور ضرب مصر والشام وسواحل إفريقية. يقول ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ": في سنة 425 هجرية كثرت الزلازل بمصر والشام وكان أكثرها بالرملة، فإن أهلها فارقوا منازلهم عدة أيام، وانهدم منها نحو ثلثها، وهلك تحت الهدم خلق كبير، وفيها كان بالإفريقية مجاعة شديدة وغلاء".5
في الرملة لم تقع خسائر في الأرواح. يقول الرحالة الفارسي ناصر خسرو الذي زار الرملة سنة 1047م، إنه وجد كتابة في مسجد الرملة تقول إنه في 15 من المحرم سنة 425 هجرية/ 11 كانون الأول/ ديسمبر 1033م زلزلت الأرض بشدة هنا، فخربت عمارات كثيرة، ولم يصب أحد من السكان بسوء.6
تسونامي الرملة الكبير:
يقول ابن الأثير "(ت: 630 هجرية، إنه في جمادى الأولى سنة 460 هجرية/ آذار/ مارس 1068م)، كانت بفلسطين ومصر زلزلة شديدة خربت الرملة، وطلع الماء من رؤوس الآبار وهلك من أهلها خمسة وعشرون ألف نسمة، وانشقت الصخرة بالبيت المقدس، وعادت بإذن الله تعالى". ويضيف ابن الأثير أنه بعد هذا الزلزال حدث تسوماني كبير: "وعاد البحر من الساحل مسيرة يوم، فنزل الناس إلى أرضه يلتقطون منه فرجع الماء عليهم فأهلك منهم خلقًا كثيرًا".7
يبدو أن الزلزال ضرب كذلك الحجاز، ولكن الخسائر مبالغ فيها، إذ ذكر ابن الجوزي (ت: 597 هجرية) أنه في جمادى الأولى سنة 460 هجرية/1068م "كانت زلزلة بأرض فلسطين أهلكت بلد الرملة، ورمت شرافتين من مسجد رسول الله، ولحقت وادي الصفراء وخيبر، وانشقت الأرض عن كنوز من المال، وبلغ حسها إلى الرحبة والكوفة، وجاء كتاب بعض التجار في هذه الزلزلة ويقول: إنها خسفت الرملة جميعها حتى لم يسلم منها إلا دربان فقط، وهلك منها خمسة عشر ألف نسمة، وانشقت الصخرة التي ببيت المقدس، ثم عادت فالتأمت بقدرة الله تعالى". وعن التسونامي الذي أعقب الزلزال يقول: "وغار البحر مسيرة يوم وساح في البر، وخربت الدنيا، ودخل الناس إلى أرضه يلتقطون فرجع إليهم فأهلك خلقًا عظيمًا منهم".8
يقول سبط ابن الجوزي (ت:654 هجرية) إنه في "يوم الثلاثاء 11 جمادى الأولى سنة 460 للهجرة على ساعتين ونصف، كانت زلزلة بأرض فلسطين أهلكت بلد الرملة، وبلغ حسها إلى الرحبة، ولم يسلم من الرملة إلا دربان فقط، وهلك خمس عشرة (ألف) نسمة. وكان في مكتب الرملة (مدرسة) نحو مئتي صبي فوقع المكتب عليهم، فما سأل أحدٌ عنهم لموت أهاليهم. وأشار إلى أن الزلزلة كانت في ليلة واحدة في السواحل والقدس والشام والمدينة وتيماء والحجاز كله، والبلاد الفراتية".9
كتاب "المنتظم"
وعن التسونامي يقول المقريزي: "وزال البحر بفلسطين من الزلازل، وبعد عن الساحل مسيرة يوم، ثم رجع فوق عالم كبير خرجوا يلتقطون من أرضه، وخربت الرملة خرابًا لم تعمر بعده".10

ويلخص ابن شداد الخسائر بقوله: "لم تزل الرملة مذ مصرت عامرة الأسواق ودارّة الأرزاق ينتابها السفّار ويحيط بها التجار إلى أن جاءتها زالزلة في العاشر من جمادى الأولى سنة 460 هجرية. هدمت دورها، وشقت سورها، وعفت الآثار، وأطلعت الماء من الآبار، وانشقت منها صخرة بيت المقدس، والتأمت، فانتقل أكثر أهل الرملة إلى إليا فعمروها ومصروها".11
كان لزلزال الرملة ارتدادات، ففي سنة 462 هجرة/ 1070م، ضرب الزلزال الرملة وأعقبه تسونامي، ولكن كانت الخسائر هذه المرة أقل. يقول ابن الجوزي، إنه "كانت في سنة 462 لمدة ثلاث ساعات من يوم الثلاثاء الحادي عشر من جمادى الأولى، وهو الثامن من آذار، زلزلة عظيمة بالرملة وأعمالها، فذهب أكثرها وانهدم سورها، وعم ذلك بيت المقدس وتنيس، وانخسفت أيلة كلها، وانجفا البحر في وقت الزلزلة حتى انكشفت أرضه، ومشى الناس فيه، ثم عاد إلى حاله، وتغيرت أحدى زوايا الجامع بمصر، وتبع هذه الزلزلة في ساعتها زلزلتان".12
**ملاحظات وهوامش:
1. ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، وزارة الثقافة، القاهرة، 1963، ج4، ص 279.
2. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، الرسالة العالمية، بيروت، 2013، ج18، ص 393.
3. ابن العماد، شذرات الذهب فب أخبار من ذهب، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، 1989، ص 121.
4. المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995، ج15، ص 240، وعنه ينقل ابن كثير، البداية والنهاية، ج12، ص 36.
5. ابن الأثير، الكامل في التاريخ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987، ج8، ص 213.
6. ناصر خسرو، سفر نامه، الترجمة العربية، ص 65-66.
7. ابن الأثير، مصدر سبق ذكره، المجلد 8، ص 381 وانظر: الذهبي، تاريخ الإسلام، المجلد 30، دار الكتاب العربي، بيروت، 1994، ص 296 ، القلقشندي، مآثر الإنافة في معالم الخلافة، ج1، ص343.
8. ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، دار الكتب العلمية، بيروت، ج16، 1995، ص 105. ويلخص ابن العماد روايتي ابن الأثير وابن الجوزي، انظر: ابن العماد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ج5، دار ابن كثير، دمشق-بيروت، 1989، 255، وقارن: ابن كثير، البداية والنهاية، مكتبة المعارف، بيروت، 1991، ج12، ص 96، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج5، ص 80.
9. سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، ج19، الرسالة العالمية، دمشق، 2013م، ص 199-200، وقد نقل هذه الحكاية ابن القلانسي، ذيل تاريخ دمشق، تحقيق سهيل زكار، دار حسان، دمشق، 1983م، ص 159، الذهبي، تاريخ الإسلام، المجلد 30، دار الكتاب العربي، بيروت، 1994م، ص 296.
10. المقريزي، اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1996م، ج2، 277.
11. ابن شداد، الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة، ج1، ص 93.(موقع الوراق).
12. ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ج16، ، ص 116، ابن العماد، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ج5، 259، ابن كثير، البداية والنهاية، ج12، ص 99.
***المصدر : عرب 48


www.deyaralnagab.com