logo
مجزرة صبرا وشاتيلا.. الجرح الذي لم يندمل!!
بقلم : الديار ... 16.09.2021

وقعت مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا بين 16 و18 سبتمبر/أيلول 1982، بعد أن سمحت قوات الجيش الإسرائيلي ـ التي كانت تحتل بيروت آنذاك تحت القيادة العامة لأرييل شارون بصفته وزير الجيش ـ لأفراد ميليشيا “الكتائب” بدخول المخيمين؛ وأغلب الظن أن الحصيلة الدقيقة للقتلى من المدنيين الذين أزهقت أرواحهم في هذه المجزرة لن تُعرف أبداً؛ فتقديرات المخابرات العسكرية الإسرائيلية تشير إلى أن ما يتراوح بين 700 و800 شخص قد قُتلوا في صبرا وشاتيلا أثناء المجزرة التي استغرقت اثنتين وستين ساعة، بينما قالت مصادر فلسطينية وغيرها إن عدد القتلى بلغ بضعة آلاف. من بينهم الأطفال والنساء (بما في ذلك الحوامل) والشيوخ؛ ومُثِّل ببعضهم أشنع تمثل، ونُزعت أحشاؤهم قبل أو بعد قتلهم. كما ذكر الصحفيون الذي وصلوا إلى الموقع إثر المجزرة أنهم شاهدوا أدلة على عمليات إعدام فوري للشبان. ونسوق هنا جانباً مما رواه أحد الصحفيين المعاصرين الذين شهدوا آثار المجزرة، وهو الصحفي توماس فريدمان من صحيفة “نيويورك تايمز”، حيث قال: “رأيت في الأغلب مجموعات من الشبان في العشرينيات والثلاثينيات من عمرهم، صُفُّوا بمحاذاة الجدران، وقُيِّدوا من أيديهم وأقدامهم، ثم حُصدوا حصداً بوابل من طلقات المدافع الرشاشة بأسلوب عصابات الإجرام المحترفة”.
وتؤكد كل الروايات أن مرتكبي هذه المجزرة الغاشمة هم من أعضاء ميليشيا الكتائب، وهي قوة لبنانية ظلت إسرائيل تسلحها وتتحالف تحالفاً وثيقاً معها منذ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975. ولكن تجدر الإشارة إلى أن أعمال القتل ارتكبت في منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي، الذي أنشأ مركزاً أمامياً للقيادة على سطح مبنى متعدد الطوابق يقع على بعد 200 متر جنوب غربي مخيم شاتيلا.
*نتائج تحقيقات لجنة كاهانا
في فبراير/شباط 1983، أوردت لجنة التحقيق الإسرائيلية المكلفة بالتحقيق في الأحداث التي وقعت في مخيمي صبرا وشاتيلا، وهي لجنة مستقلة تتألف من ثلاثة أعضاء وتعرف باسم “لجنة كاهان” ـ أوردت اسم وزير الجيش الإسرائيلي السابق أرييل شارون في نتائج تحقيقها باعتباره أحد الأفراد الذين “يتحملون مسؤولية شخصية” عن مجزرة صبرا وشاتيلا.
*قرار شارون السماح لميليشيا الكتائب بدخول المخيمين
تناول تقرير لجنة كاهان بالتفصيل الدور المباشر الذي قام به وزير الدفاع السابق أرييل شارون في السماح لأفراد ميليشيا الكتائب بدخول مخيمي صبرا وشاتيلا؛ فقد شهد الجنرال رفائيل إيتان، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك، على سبيل المثال، بأن دخول ميليشيا الكتائب المخيمين تم بناءً على اتفاق بينه وبين وزير الدفاع السابق أرييل شارون. وفي وقت لاحق توجه شارون إلى المقر الرئيسي لميليشيا الكتائب حيث التقى بعدة أشخاص، من بينهم بعض قادة الكتائب. وأصدر مكتب وزير الدفاع السابق أرييل شارون وثيقة تتضمن “تلخيص وزير الدفاع لأحداث الخامس عشر من سبتمبر/أيلول 1982″، جاءت فيها عبارة تقول: “لتنفيذ عملية المخيمين يجب إرسال ميليشيا الكتائب”؛ كما ذكرت هذه الوثيقة أن “قوات الدفاع الإسرائيلي سوف تتولى قيادة القوات في المنطقة”.
*استخفاف شارون بعواقب قراره
وفيما يتعلق بما زعمه وزير الجيش السابق أرييل شارون في شهادته أمام لجنة التحقيق من أن “أحداً لم يكن يتصور أن ميليشيا الكتائب سوف ترتكب مجزرة في المخيمين”، خلصت لجنة كاهان إلى أنه “من المستحيل تبرير الاستخفاف [أي استخفاف شارون] بخطر وقوع مجزرة”، لأن “المرء لم يكن بحاجة إلى قدرة خارقة على التنبؤ لكي يدرك أن ثمة خطراً حقيقياً لوقوع أعمال القتل، عندما دخل أفراد ميليشيا الكتائب المخيمين دون أن تصحبهم قوات الدفاع [الجيش] الإسرائيلي”. بل إن اللجنة ذهبت إلى أبعد من ذلك إذ قالت: “نحن نرى أن أي شخص له صلة بالأحداث في لبنان كان لا بد أن تساوره مخاوف من وقوع مجزرة في المخيمين، إن علم أن قوات الكتائب سوف تدخلهما دون أن تتولى قوات الدفاع الإسرائيلي الإشراف والرقابة عليها بصورة حقيقية وفعالة… وتُضاف إلى هذه الخلفية من العداء الذي تضمره الكتائب للفلسـطينيين [في المخيمين]، الصدمة العمـيقة [لوفاة بشير الجميل مؤخراً]…”.
كما خلصت لجنة كاهان إلى أنه: “إذا كان وزير الجيش لا يظن في واقع الأمر، حين قرر دخول ميليشيا الكتائب إلى المخيمين دون مشاركة قوات الجيش الإسرائيلي في العملية، أن قراره هذا سوف يؤدي إلى مثل هذه الكارثة التي وقعت، فإن التفسير الوحيد لهذا هو أنه قد تجاهل أي بواعث قلق بشأن ما يُتوقَّع حدوثه لأن المزايا المراد تحقيقها من وراء دخول الكتائب إلى المخيمين صرفته عن تدبر الأمر كما ينبغي في هذه الحالة”.
وأوضحت اللجنة أنه “إذا كان القرار قد اتُّخذ عن علم بأنه ثمة خطراً محتملاً لأن يتعرض سكان [المخيمين] للأذى [من جراء ذلك]، فهناك التزام قائم باعتماد التدابير التي تضمن الإشراف الفعال والمستمر من جانب قوات الجيش الإسرائيلي على أفعال ميليشيا الكتائب في الموقع، على نحو يدرأ هذا الخطر، أو على الأقل يحد منه بدرجة كبيرة. ولم يصدر وزير الدفاع أي أمر فيما يتعلق باعتماد هذه التدابير”.
واختتمت اللجنة تقريرها بقولها: “نحن نرى أن وزير الجيش ارتكب خطأً جسيماً حينما تجاهل خطر وقوع أفعال انتقامية وسفك للدماء على أيدي ميليشيات الكتائب ضد سكان المخيمين”.
وكانت التوصية النهائية التي خرجت بها لجنة كاهان هي أن يُعفى شارون من منصب وزير الجيش، وأن ينظر رئيس الوزراء آنذاك في إقالته من وظيفته، إذا اقتضت الضرورة”.
وتتخذ منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” موقفاً مؤداه أن ما حدث في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين يُعدُّ من قبيل جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وأنه ينبغي تقديم المسؤولين عنه إلى ساحة القضاء. وقد أثارت لجنة كاهان ما يكفي من الأسئلة التي تستوجب من إسرائيل إجراء تحقيق جنائي فيما إذا كان وزير الجيش السابق أرييل شارون، وغيره من المسؤولين العسكريين الإسرائيليين ـ وبعضهم كانوا على علم بوقوع المجزرة ولكنهم لم يحركوا ساكناً لإيقافها ـ يتحملون المسؤولية الجنائية. غير أن النتائج التي انتهت إليها لجنة كاهان، مهما اعتُبرت حجة ومحلاً للثقة من حيث تمحيصها وتوثيقها للحقائق التي اكتنفت المجزرة، لا يمكن أن تكوين بديلاً عن اتخاذ إجراءات قضائية في محكمة جنائية، سواء في إسرائيل أم في بلد آخر، لتقديم المسؤولين عن قتل المئات من المدنيين الأبرياء إلى ساحة العدالة. ويجب أن تجري الحكومة اللبنانية تحقيقاً مماثلاً بشأن دور ميليشيا الكتائب في المجزرة.
وكانت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان ” دعت فيه إلى إجراء تحقيق جنائي بشأن دور رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون في مجزرة المدنيين التي وقعت في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت عام 1982.
*الولايات المتحدة
إن للولايات المتحدة مصلحة جوهرية في هذه القضية لأن الاحتلال الإسرائيلي لبيروت الغربية جاء في أعقاب تأكيدات مكتوبة من الولايات المتحدة بأن الفلسطينيين الباقين هناك سوف يكونون في أمان، وذلك في إطار ترتيبات لإجلاء قوات منظمة التحرير الفلسطينية عن لبنان.
وقد ثار الجدل في أوروبا في أعقاب برنامج وثائقي عن مجزرة صبرا وشاتيلا كانت بثته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في بريطانيا يوم 17 يونيو/حزيران؛ وفي اليوم التالي أقام بعض الفلسطينيين الناجين من المجزرة دعوى ضد شارون أمام إحدى المحاكم البلجيكية.
وخلال البرنامج الذي بثته البي بي سي، ذكر موريس دريبر، مبعوث الأمم المتحدة الخاص للشرق الأوسط آنذاك، أن المسؤولين الأمريكيين أصيبوا بالارتياع حين بلغهم أن شارون سمح لميليشيات الكتائب بدخول بيروت الغربية والمخيمين “لأن ذلك معناه وقوع مجزرة”. وأضاف دريبر في البرنامج أنه أرسل برقية إلى وزير الجيش شارون بعد بدء المجزرة، قال له فيها “يجب عليك أن توقف المذبحة… إن الوضع مروّع للغاية؛ إنهم يقتلون الأطفال؛ وأنت لديك سيطرة كاملة على الميدان، ومن ثم فإنك مسؤول عن تلك المنطقة”.

وكانت لجنة كاهانا (المسماة باسم رئيس المحكمة العليا في إسرائيل) التي قامت بالتحقيق في المجزرة عام 1983 قد خلصت إلى أن “وزير الجيش [شارون] يتحمل المسؤولية الشخصية”، ويجب عليه “استخلاص العواقب الشخصية المناسبة المترتبة على ما تكشَّف من مثالب فيما يتعلق بالأسلوب الذي أدى به مهام منصبه”. وأوصت اللجنة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيجين بعزل شارون من منصبه إذا لم يقدم استقالته. وقد استقال شارون بالفعل من منصب وزير الدفاع، لكنه تقلد فيما بعد مناصب وزارية أخرى.
وقالت منظمة “مراقبة حقوق الإنسان” إن النتائج والاستنتاجات التي انتهت إليها لجنة كاهانا ، مهما كانت مرجعيتها من حيث التقصي في التحقيق وتوثيق الوقائع التي اكتتفت المجزرة، لا يمكن أن تكون بديلاً لاتخاذ الإجراءات القضائية في محكمة جنائية، سواء في إسرائيل أم في أي بلد آخر، لتقديم المسؤولين عن قتل المئات من المدنيين الأبرياء إلى ساحة العدالة
*وثائق سرية: واشنطن علمت مسبقاً بمجزرة صبرا وشاتيلا
يستدل من وثائق تاريخية جديدة كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن إسرائيل كانت تعرف مسبقاً بأمر المجزرة في مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982 وهي ترجح تورط جهات أمريكية أيضاً فيها .
ففي مقال تحت عنوان المجزرة التي كان يمكن تفاديها، تمكن سيث إنزيسكا، وهو باحث أمريكي في جامعة كولومبيا، من العثور على مستندات تاريخية إسرائيلية توثق حوارات جرت بين مسؤولين أمريكيين خلال هذه الفترة . ونقلت وثيقة صادرة في 17 سبتمبر/أيلول 1982 وقائع جلسة عقدت بين وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون ومبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط موريس درابر .
وبحسب الوثيقة، فقد طمأن شارون درابر إلى أن إسرائيل لن تورّط الولايات المتحدة في الجريمة قائلاً إذا كنت متخوفاً من أن تتورط معنا، فلا مشكلة، يمكن لأمريكا بكل بساطة أن تنكر الأمر أو علمها به، ونحن بدورنا سننكر ذلك أيضاً . وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الحوار يؤكد أن الإسرائيليين كانوا على علم بأن حلفاءهم اللبنانيين دخلوا المخيم، وأن عمليات تصفية عشوائية قد بدأت .
وتتحدث وثيقة أخرى عن لقاء جرى بين الموفد الأمريكي وشارون بحضور السفير الأمريكي سام لويس، ورئيس الأركان الإسرائيلي رافائيل إيتان، ورئيس الاستخبارات العسكرية يهوشع ساغي، ذكّر خلاله درابر بموقف بلاده المطالب بانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من بيروت . وعلى ذلك رد شارون قائلاً إن الإرهابيين لا يزالون في العاصمة، ولدينا أسماؤهم، وعددهم يتراوح ما بين 2000 و3000، متسائلاً: من سيتولى أمن المخيمات؟، فأجاب درابر أن الجيش وقوى الأمن اللبناني ستقوم بذلك . وبعد مفاوضات توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بانسحاب إسرائيل من لبنان خلال 48 ساعة، بعد تطهير المخيمات .
ولم يترك شارون طاولة الاجتماع إلا بعدما تأكد من أن الاتفاق لا يحمل أي التباس، إذ حدد المخيمات التي سيدخلها لتصفية الإرهابيين، وهي صبرا وشاتيلا، برج البراجنة، الفاكهاني . وعندها قال درابر لكن البعض سيزعم أن الجيش الإسرائيلي باق في بيروت لكي يسمح للبنانيين بقتل الفلسطينيين .
فما كان من شارون إلا أن رد سنقتلهم نحن إذاً، لن نبقي أحداً منهم، لن نسمح لكم ويقصد للولايات المتحدة بإنقاذ هؤلاء الإرهابيين . وبسرعة رد درابر لسنا مهتمين بإنقاذ أحد من هؤلاء . وكرر شارون إن كنتم لا تريدون أن يقتلهم اللبنانيون فسنقتلهم بأنفسنا، وأعاد السفير درابر موقف الإدارة الأمريكية بالقول: نود منكم الرحيل، دعوا اللبنانيين يتصرفون .
وبعد تلك المحادثة بثلاثة أيام بدأ الانسحاب الإسرائيلي في السابع عشر من سبتمبر/أيلول . وقد شهد ذلك النهار أسوأ لحظات المذبحة: قوات منظمة التحرير الفلسطينية كانت بالفعل قد أخلت بيروت، وبعد ليلة ثانية من الذبح والرعب، انسحب مسلحو حزب الكتائب اللبنانية من المخيمات صباح السبت . وبعدما علم بفظاعة المذبحة في المخيمات، وجه درابر برقية إلى شارون كتب فيها هذا رهيب، لدي ممثل في المخيمات، وهو يعد الجثث، يجب عليكم أن تخجلوا . كذلك وبخ الرئيس الأمريكي رونالد ريغان رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن بعبارات قاسية غير معتادة
*كي لا ننسى ذكرى مذبحة “صبرا وشاتيلا”
وارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مذبحة “صبرا وشاتيلا” راح ضحيتها بين 3500 إلى 5000 شهيد من أصل عشرين ألف نسمة كانوا يسكنون المخيم وقت حدوث المجزرة التي استمرت ثلاثة أيام، بعد تطويق المخيم من قبل الجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة أرئيل شارون وزير الدفاع آنذاك، ورافائيل ايتان.
وارتكبت المجزرة بعيدا عن وسائل الإعلام، واستخدمت فيها الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات التصفية لسكان المخيم، وكانت مهمة الجيش الإسرائيلي محاصرة المخيم وإنارته ليلا بالقنابل المضيئة.
وقام الجيش الإسرائيلي بمحاصرة مخيمي صبرا وشاتيلا وتم إنزال مئات المسلحين بذريعة البحث عن 1500 مقاتل فلسطيني، وكان المقاتلون الفلسطينيون خارج المخيم في جبهات القتال ولم يكن في المخيم سوى الأطفال والشيوخ والنساء وقام مسلحون بقتل النساء والأطفال، وكانت معظم الجثث في شوارع المخيم ومن ثم دخلت الجرافات الإسرائيلية لجرف المخيم وهدم المنازل.
وأشارت تقديرات إلى أنه ارتقى في المجزرة بين 4000-4500 شهيد من 12 جنسية، حسب شهادة الكاتب الأمريكي رالف شونمان أمام لجنة أوسلو في أكتوبر 1982، العدد الأكبر للشهداء من اللاجئين الفلسطينيين، يليه شهداء من اللبنانيين والسوريين والمصريين والإيرانيين والباكستانيين والبنغلاديشيين والأردنيين والأتراك والسودانيين ومكتومي القيد، وشهيدة جزائرية هي أمال عبد القادر يحياوي (25 سنة) والشهيد التونسي صالح ولقبه أبو رقيبة (65 سنة)، وشهيد تنزاني هو عثمان ولقبه عثمان السوداني (25 سنة).
وهناك من يدّعي أن فرق الصليب الأحمر جمع نحو 950 جثة, فيما أشارت بعض الشهادات إلى أن العدد قد يصل إلى ثلاثة آلاف, لأن القتلة قاموا بدفن بعض الضحايا في حفر خاصة.
ونفذت المجزرة انتقاما من الفلسطينيين الذين صمدوا في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية خلال ثلاثة أشهر من الصمود والحصار الذي انتهى بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العزل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، لكن الدول الضامنة لم تفِ بالتزاماتها وتركت الأبرياء يواجهون مصيرهم قتلا وذبحا وبقرا للبطون.
وكان الهدف الأساس للمجزرة بث الرعب في نفوس الفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة خارج لبنان، وتأجيج الفتن الداخلية هناك، واستكمال الضربة التي وجهها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 للوجود الفلسطيني في لبنان، وتأليب الفلسطينيين ضد قيادتهم بذريعة أنها غادرت لبنان وتركتهم دون حماية.
*التورط الأمريكي
وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عام 2012 عن وثائق سرية جديدة ترجح تورط جهات أمريكية في مجزرة صبرا وشاتيلا في العام 1982.
ونُشرت الوثائق في مقال تحت عنوان “المجزرة التي كان يمكن تفاديها”، كتبها سيث إنزيسكا، وهو باحث أميركي في جامعة كولومبيا، تمكن من العثور على مستندات تاريخية إسرائيلية توثق حوارات جرت بين مسؤولين أميركيين خلال هذه الفترة.
وتنقل وثيقة صادرة بتاريخ 17 أيلول العام 1982، وقائع جلسة عقدت بين شارون ومبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط موريس درابر.
وبحسب الوثيقة، فقد طمأن شارون درابر إلى أن إسرائيل لن تورّط الولايات المتحدة في الجريمة قائلاً: “إذا كنت متخوفاً من أن تتورط معنا، فلا مشكلة، يمكن لأميركا بكل بساطة أن تنكر الأمر أو علمها به، ونحن بدورنا سننكر ذلك أيضا”.
وتتحدث وثيقة أخرى عن لقاء جرى بين الموفد الأميركي وشارون بحضور السفير الأميركي سام لويس، ورئيس الأركان إيتان، ورئيس الاستخبارات العسكرية إيهودا ساغي، ذكّر خلاله درابر بموقف بلاده المطالب بانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من بيروت، وبعد مفاوضات توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بإنسحاب إسرائيل من لبنان خلال فترة 48 ساعة، بعد “تطهير” المخيمات.
ولم يترك شارون طاولة الاجتماع إلا بعدما تأكد من أن الاتفاق لا يحمل أي إلتباس، إذ حدد المخيمات التي سيدخلها لتصفية “الإرهابيين” على حدّ تعبيره، وهي صبرا وشاتيلا، برج البراجنة، الفاكهاني. وعندها قال درابر: “لكن البعض سيزعم بأن الجيش الإسرائيلي باق في بيروت لكي يسمح للبنانيين بقتل الفلسطينيين”.
وما كان من شارون إلا أن رد: “سنقتلهم نحن إذاً… لن نبقي أحداً منهم، لن نسمح لكم ـ ويقصد للولايات المتحدة ـ بإنقاذ هؤلاء الإرهابيين”. وبسرعة رد داربر: “لسنا مهتمين بإنقاذ أحد من هؤلاء”.
وكرر شارون: “إن كنتم لا تريدون أن يقتلهم اللبنانيون فسنقتلهم بأنفسنا.
وبعد هذه المحادثة بثلاثة أيام بدأ الانسحاب الإسرائيلي في السابع عشر من سبتمبر.
وبعدما علم بفظاعة المذبحة في المخيمات، وجه درابر برقية إلى شارون كتب فيها: “هذا رهيب، لدي ممثل في المخيمات، وهو يعد الجثث…. يجب عليكم أن تخجلوا”. كذلك وبْخ الرئيس الأميركي رونالد ريجان رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن بعبارات قاسية غير معتادة، حسبما ذكرت الصحيفة.
وكذلك يعتقد المفكر والكاتب الأميركي نعوم تشومسكي أن الإدارة الأميركية هي من تتحمل المسؤولية لأنها أعطت الضوء الأخضر للمؤسسة الإسرائيلية باجتياح لبنان في العام 1982، لا بل يعتقد تشومسكي بأن الولايات المتحدة طعنت في ظهر كل من الحكومة اللبنانية والفلسطينيين حين أعطت الطرفين ضمانات بسلامة الفلسطينيين بعد مغادرة الفدائيين بيروت، إلا أن القوات الأمريكية انسحبت قبل أسبوعين من انتهاء فترة تفويضها الأصلية بعد الإشراف على مغادرة مقاتلي منظمة التحرير، قبل أن توفر الحماية للسكان المدنيين.
ورفضت أمريكا قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة استنكار المذبحة. ويعتقد تشومسكي أن: “القتلة من بعض الجهات اللبنانية لم يكونوا مدعومين من إسرائيل، فحسب بل كانوا أيضاً معروفين معرفة تامة من قبل المخابرات الأميركية والإسرائيلية.
*لجنة كهانا
أثار الكشف عن المجزرة ضجة في أنحاء العالم وفي إسرائيل، مما دفع حكومة رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيجن إلى تشكيل لجنة تحقيق خاصة عرفت بـ”لجنة كهان”.
وأمرت الحكومة الإسرائيلية المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وقرر رئيس المحكمة العليا وقتها إسحاق كاهنا، أن يرأس اللجنة بنفسه، وأعلنت اللجنة عام 1983 نتائج البحث.
وقررت اللجنة أن وزير الدفاع في حينه أرئيل شارون يتحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة إذ تجاهل إمكانية وقوعها ولم يسع للحيلولة دونها، كما انتقدت اللجنة رئيس الحكومة في حينه مناحيم بيجن، ووزير الخارجية يتسحاك شامير، ورئيس أركان الجيش رفائيل إيتان وقادة المخابرات، موضحة أنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت.
واضطر شارون للاستقالة من منصب وزير الجيش وقتئذ وتوارى عن المسرح السياسي لسنوات، لكنه عاد مطلع عام 2001 أقوى مما كان عندما فاز حزبه في الانتخابات وأصبح رئيسا للحكومة. غير أن مسئولية شارون الأخلاقية عن المجزرة بقيت تطارده خارج إسرائيل.
*شارون مجرم حرب
وبعد أن بثت هيئة الإذاعة البريطانية في يونيو 2001 برنامجا تناول إحتمال محاكمة شارون كمجرم حرب، قام محامون متضامنون مع ضحايا المجزرة بتحرك في بلجيكا استنادا إلى قانون “الاختصاص العالمي” المقر عام 1993 الذي يسمح بملاحقة مجرمي الحرب.
ورفعت ناجية من المجزرة تدعى يعاد سرور المرعي وأسر 28 من الضحايا دعوى أمام إحدى محاكم بلجيكا لمحاكمة شارون، وبادرت الأخيرة إلى فتح تحقيق في القضية وسط ضغوط إعلامية على المتهمين، مما دفع إيلي حبيقة إلى إبداء الاستعداد للإدلاء بشهادته أمام المحققين البلجيكيين، بعد أن أعلن أن لديه من المعطيات ما سيغير مسار الرواية التي أشاعتها تحقيقات لجنة كهان.
لكن حبيقة ما لبث أن اغتيل مع أربعة من مرافقيه في يناير 2002 في عملية تحمل على الأرجح بصمات الاستخبارات الإسرائيلية.
وتعرضت المحاكمة لاحقا للإجهاض بعد ضغوط إسرائيلية وأميركية على بلجيكا، مما دفع الأخيرة لاحقا لتعديل قانون الاختصاص العالمي.
“*صبرا وشاتيلا”.. ناجون من المجزرة يروون تفاصيلَها
محمد عفيفي، من الياجور، قضاء حيفا، فلسطين، من مواليد العام 1959 في مخيم شاتيلا، كان شاهداً على المجزرة. يقول: “لماذا كان استهداف مخيم شاتيلا؟ هو المخيم الذي انطلق منه منفذو عملية ميونيخ الثمانية عام 1972، ممن كان هدفهم تعريف العالم بالقضية الفلسطينية، وقضية اللاجئين. كان عددهم حينها ثمانية شبان. كذلك، انطلقت من هذا المخيم كلمة فلسطين، إذ انطلق أبو عمار ( ياسر عرفات ) منه إلى الأمم المتحدة ليثبّت اسم فلسطين فيها، ومن صبرا انطلقت دلال المغربي عام 1978 إلى فلسطين المحتلة لتنفذ عمليتها مع رفاقها. لذلك انصب الحقد الصهيوني على هذين المخيمين”.
ويتحدث محمد عن المجزرة: “بدأت عملية الإجرام من محيط جمعية إنعاش المخيم، إلى حي السفارة الكويتية، حتى حدود مستشفى دار العجزة. كانت القوات المتعددة الجنسية (قوات فصل) عند حدود المخيم، وكان معظمهم من الإيطاليين. كان أولئك العناصر يشترون الأسلحة من المخيم، وهم ساهموا في تلك المجزرة”.
ويضيف: “الإسرائيليون بدأوا تقدمهم نحو المخيم من منطقة خلدة، وذلك بعد انسحاب الفدائيين من المخيمات، وخروجهم من لبنان، متوجهين نحو تونس، عبر البحر. وبعد مقتل بشير الجميل (رئيس لبنان المنتخب في ظلّ الاحتلال)، تملّكنا الرعب. الإسرائيليون وصلوا إلى المدينة الرياضية في بيروت، وعند تمركزهم في المكان بدأوا في قصف المخيم بطريقة عشوائية، علماً أنه لم تكن لدينا مقومات لمواجهتهم، فصحيح أنّ المقاومة تركت خلفها الأسلحة، لكنّها لم تترك الرجال الذين يجيدون استخدام الأسلحة. ولهذا، اجتمع كبار المخيم (الختايرة) وشكلوا وفداً من ستة رجال، للذهاب إلى الإسرائيليين، ومفاوضتهم حتى يكفوا عن القصف، لكنّهم بعد ذهابهم لم يعودوا، ولم نعرف عنهم شيئاً حتى اليوم، لذلك لم تصلنا معلومات عن التفاوض، وكيف انتهى”.
ويتابع محمد: “شعرنا بالضياع، فأخرجت أهلي إلى منطقة اسمها صخور التل على مقربة من المخيم، وبقيت في منزلنا مع ستة شبان لنقاتل بما تبقى معنا من سلاح. اشتد القصف، فخاف الناس في منطقتنا، وعندما تأكدنا أننا لن نستطيع المقاومة طلبنا من الأهالي إخلاء بيوتهم، والهرب. وفي الوقت نفسه كانت تأتينا الأخبار من المناطق التي فيها المذابح، إذ بدأت المذبحة من الشارع العام، وصولاً إلى الأحياء. علمنا بأمر مخزن للأسلحة، فذهبت وشابين إليه، لنحضر السلاح من أجل مقاومة العدو، وجدنا داخله قاذف هاون أحضرناه، لكننا لم نجد من يحسن استخدامه، ونحن لم تكن لنا خبرة في ذلك، فصرنا نضرب به، لكن القذائف كانت تسقط في المخيم، وعندما أدركنا أننا لن نستفيد بأيّ نوع من الأسلحة، أشعلنا النار بالمستودع، وظلت النيران تشتعل فيه طوال الليل، والأسلحة التي فيه تنفجر، وهذا الأمر منع القتلة من الوصول إلى المكان الذي نحن فيه”.
ويكمل محمد سرده: “في هذه الأثناء، هرب الناس، وعند فجر يوم الجمعة خرجنا من المخيم إلى منطقة الجامعة العربية، وبينما كنا خارجين، شاهدنا عناصر للجيش اللبناني، وعناصر لقوات لحد (لواء لبناني عمل تحت إمرة إسرائيل حتى عام 2000)، وعناصر من ميليشيا القوات اللبنانية، وصحافيين، كما شاهدنا جثة لرجل وزوجته الحامل التي بقرت بطنها. كانوا يقتلون كلّ شخص يشاهدونه من دون أن يعرفوا هويته، فتراكمت الجثث فوق بعضها البعض في زواريب المخيم. حتى الكلاب والخيول لم تسلم من أسلحتهم، فانتشرت الروائح بشكل رهيب. خلال المجزرة لم يستخدموا الرصاص فقط، بل أكثر العمليات الإجرامية كانت بالسكاكين والبلطات إذ كانوا يلتذون بقتلنا… أيضاً اغتصبوا فتيات قبل قتلهن، وروى لي أحد أصدقائي بعد عودتنا أنّه شاهد فتاة عُلّقت من شعرها في سقف أحد البيوت، بعد اغتصابها، وأخرى أجلسوها على قارورة زجاجية فارغة”.
كفاح عفيفي، أسيرة فلسطينية محررة، جرى تحريرها من معتقل الخيام، في 22 مايو/ أيار 2000، في أيام الانسحاب الإسرائيلي من لبنان. تقول: “كنت صغيرة، لم أتجاوز الحادية عشرة من عمري حين وقعت المجزرة. وصل الإسرائيليون إلى بيروت بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية، والفصائل الفلسطينية. كنا نسكن في منطقة الحي الغربي لشاتيلا، حيث كانت تقيم أختي في بيت كان مركزاً لقوات الـ17 التابعة لحركة فتح، وبعدما تركه المقاتلون، وغادروا بيروت، مكثنا فيه إلى جانب أختي. وصلتنا أخبار تشير إلى مقتل بشير الجميل، وهذه الأخبار كانت كافية لتسبب ذعراً بين الناس الذين راحوا يتوقعون حصول ردة فعل من المحتمل أن تطال المخيم”.
وتضيف كفاح: “لم يطل الوقت، حتى كان الرد جاهزاً. بدأ إطلاق القنابل المضيئة التي حولت ليل المخيم إلى نهار. حينها أخذتنا أمي إلى ملجأ توجه إليه العديد من أهالي المخيم، لكن بعد مضي وقت قصير دخل علينا أخي عثمان، وهو يصرخ: من يستطيع الهرب، فليفعل. كان حينها قد خرج وفد من كبار السن للتفاوض مع الإسرائيليين، ومقاتلي الكتائب، فقتل أعضاء الوفد جميعاً في الغالب. لا يمكن أن أنسى ما حييت مشاهد الذبح. أخذنا نركض، وكذلك فعل آخرون. كنت أحمل بيدي حصيرة (بساطاً من القش) صغيرة. شعرت أمي بأنّ الحصيرة تعيقني، فصرخت بي أن ألقيها جانباً، وكان ذلك على وقع صوت لشاب اسمه منصور، يطلب منا الركض بسرعة”.
وتتابع كفاح: “كانت وجهة الناس المسجد، ولسان حالهم: بيت الله وحده يحمينا. هناك جمعتنا أمي، ومكثنا فيه إلى جانب عدد كبير من أبناء المخيم، لكنّ المهاجمين لم يقيموا اعتباراً للمكان، فاقتحموا المسجد، وكنا قد هربنا منه، وعاودنا الركض مجدداً. كان الناس تحت وطأة الخوف، والرعب، وفي حالة اضطراب، ومنصور يعاود صراخه: اركضوا. ساعدنا في تخطي بعض الجدران. قطعنا مسافة طويلة حتى وصلنا إلى الشارع العام، كنا نمر بين البيوت، إذ كانت الجدران قد صنعت فيها فتحات. في الشارع العام كان المشهد من أفظع ما يمكن تخيله. جثث ملقاة في الشارع، أنين وصراخ، ونحن مع الهائمين على وجوههم، لا نعرف كيف لنا النجاة من سكاكين القتلة. شاهدت أباً يحمي أولاد بجسده من الرصاص، لكنّ الرصاص اخترق جسده وأجساد أولاده، فقُتلوا جميعاً. وشاهدت عدداً من أبناء المخيم تزيوا بزي الأطباء والممرضين للنجاة، لكنّهم مع ذلك قُتلوا. كنا قد احتمينا لبعض الوقت في مستشفى غزة داخل المخيم، وهناك كان الموعد مع المزيد من مشاهد الذبح والقتل، إذ لم يبقَ مكان آمن”. تتابع الأسيرة المحررة: “في تلك المجزرة فقدت عدداً كبيراً من أقاربي. قليلون من نجوا من الموت، لكنّها كانت الصدفة التي أبقتهم أحياء”.
محمد قداح، من مجد الكروم بفلسطين، من مواليد العام 1938، قصته طويلة مع اللجوء، يعمل في كوي الملابس، في محله في مخيم شاتيلا منذ 58 عاماً. يقول عن المجزرة: “دخلت القوات الإسرائيلية ومن معها، بقيادة شارون إلى المخيم، وكنت حينها في منزلي. وصلتنا أخبار بحصول مجزرة، فطلبت من زوجتي وأولادي ترك البيت، والذهاب إلى مكان آمن. كانت القنابل المضيئة تنير المخيم، فدخلت القوات الإسرائيلية، والعميلة، وقتلت الصغير قبل الكبير. ومن هول المصاب خرجت من المخيم، بعد أن هجموا على منطقتنا، وكانت عائلتي تحتمي عند أقارب لنا، يسكنون قرب مستشفى المقاصد، وكنت استخدم عكازين إذ كسرت ركبتي قبل ذلك بفترة. بعد يومين عدت، فكانت الجثث ملقاة في الشارع، وبدا مشهداً رهيباً لمجزرة رهيبة، لم تميز بين لبناني وفلسطيني، أو بين طفل وبالغ، أو بين رجل وامرأة”.


www.deyaralnagab.com