logo
هبة عازفة الناي في شارع الحمرا صارت جزءاً من مشهد بيروت !!
بقلم : زهرة مرعي  ... 08.02.2019

“هبة ناي” هكذا يحفظ رواد ليل شارع الحمراء اسم عازفة الناي المستندة إلى عمود الإنارة على مسافة ليست بعيدة عن مسرح المدينة.
تقصد هبة المكان بالتزامن مع برمجة عروض المسرح. لم يمض زمن طويل على حضورها لكن قاصدي الشارع يفتقدونها إن غابت. فمذ قررت البحث عن مصدر عيش لتعيل نفسها وعائلتها، قيل لها إن منطقة الحمرا قد تكون مناسبة. حطت – حسب قولها – في شارع الكومودور أولاً دون أن تعرف أن أمتاراً قليلة تبعدها عن شارع الحمرا الرئيسي الذي قصدته وفتح لها أبواباً من الأمل في المستقبل.
تقول: هذا المكان عرّفني على الجامعة الأمريكية فقد مرّ موظفون فيها وأخذوا رقم هاتفي، وصرت أعزف في معارض الجامعة والطلاب. عادة تتوزع المعارض على خيم، وكل منها تعطيني 25 ألف ليرة. كما أعزف في أعياد ميلاد كثيرة. في شارع الحمرا أتيحت لي فرصة اللقاء مع كثيرين باتوا ينتظرون عزفي أو يطلبوني إلى أعياد الميلاد؟
بدأت هبة تخرج من منزلها للعزف ليلاً قبل حوالي سنتين. تقول: اخترت كورنيش عين المريسة، وكنت أعزف الأورغ. تعرضت لملاحقات متعددة من الدرك. في كل مرّة كنت أبدل مكان وجودي إلى آخر قريب. لكن ما من طائل ظلوا يلاحقوني ويقسون بالكلام. وفي المرة الأخيرة كسر أحدهم الأورغ وداسه برجله. ووضعوا الأصفاد بمعصميَ وقادووني إلى المخفر. مواطن لا أعرفه راقب المشهد وصوره، وتبع سيارة الدرك وصعد معي إلى المخفر، حيث الضابط وشهد أنه شاهد العسكري يضربني ويشدني من شعري، وكسر الأورغ، وقدم الصورة للضابط. حينها صفع الضابط العسكري وأعطاني 100 دولار فرفضتها. لكن المواطن الذي شهد معي شجعني فأخذتها.
هذه الحادثة قادتها للبحث عن أماكن أخرى يتواجد فيها الناس بكثرة “كنت أعزف، وإذا بالناس يتكاثرون من حولي ويرحبون بعزفي. ووجدت فيما أقوم به بداية الإحتراف أمام جمهور يتبدل على الدوام”.
لا تنسى هبة واقعة في عين المريسة، هناك خسرت أورغاً كان لجدها ثمنه 450 دولاراً. تتذكر جدها لوالدها وتقول: كان يعزف الأورغ، وهو أول من علمني النفخ على الناي. وها أنا أتابع دراسة الناي منذ سنتين ونصف السنة.
كيف وصلت هبة إلى الحمرا؟ تقول: هو الجمهور الذي اهتم بي وسمع عزفي في الشارع، ومنهم من دلنّي إلى شارع الكومودور، فصرت أقصده. لم يكن الشارع مأهولاً بكثير من الناس، فكنت أخافه، ولا أمكث أكثر من ساعة. شاب يمتهن مسح الأحذية عرض عليَ النزول إلى شارع الحمرا الذي لم أكن أعرفه. بفضل هذا الشاب أنا في الحمرا، حيث لا يعترضني الدرك ويرحب بي رواد المسرح الذين صار بعضهم أصدقائي، ويزودوني ببرنامج الحفلات في كل من مترو ومسرح المدينة المتجاورين. الحمدلله هذا الشهر كان مزدهراً.
تعيش هبة مع والدتها وأشقائها في منطقة الأوزاعي، فوالدها متوفى، ولها شقيق يعاني من “كهرباء في رأسه” ويحتاج لأدوية بدلها مرتفع. لهذا تقسّم ما تجنيه بينها وبين عائلتها وتقول: محصولي من الحفلات وأعياد الميلاد أعطيه بالكامل لوالدتي. وما أحصله من العزف في شارع الحمرا أدخره بدل تعلُم الموسيقى في مدرسة الفنان “جهاد عقل” وهو 300 ألف شهرياً، ومعهد الكمنجاتي في مخيم برج البراجنة وهو 40 ألفا.

تدرس الناي في معهد الكمنجاتي، وتدرس الكمان لدى أحد أشهر عازفيه في الوطن العربي. عمرها 17 سنة، تتابع الدراسة في صف البكالوريا قسم أول. بسؤالها عن طموحها الأبعد في الموسيقى تقول: آخخخ… أبعد مما تتصورين. صحيح أنك تعرفت إليَ في ليل شارع الحمرا وبرده القارس، لكن لن تمر سنوات حتى وترينني في أكبر المسارح، وبرفقة أهم المطربين. والأهم أن أنهي الدراسة في الكمنجاتي، لأنها ستخولني فيما بعد بدخول المعهد الموسيقي الوطني في لبنان. وعندما أنال شهادة البكالوريا سوف أتابع دراسة علم النفس والتخصص بالعلاج من خلال الموسيقى.
تصر هبة أنها تسمع من رواد المسرح كل كلام طيب ومشجع. كذلك صارت لها صداقة مع “أبو جورج الذي يملك بسطة على مدخل موقف سيارات”. وتقول: هو الذي يحميني حين يلاحقني الأطفال الذين يجوبون الشارع للتسول. ينهمرون عليَ بالسباب وكأني أقطع برزقهم. وعندما يسبون والدي أحتمي بزاوية حتى أشبع من البكاء قهراً. “أبو جورج” دائماً يشجعني على المثابرة ففي بعض الأيام يكون المردود عاطل. يصبرني بالقول “يوم عسل يوم بصل”. أحد المتسولين كمش النايات وهرب بها، فتبعته ركضاً وبمساعدة أحدهم استرجعتها.
وهي تسمع فيروز، وتحبها بعشق. وتذكرنا بأنها لاجئة في لبنان ووالديها من منطقة صفد في فلسطين.

المصدر : القدس العربي

www.deyaralnagab.com