logo
سعدات.. عدوى الثورة والرفض والتمرد!!
بقلم : خالد بركات ... 19.01.2019

لا يصرُخ القائد الأسير أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لا يصرخ في سجنه ولا يشكو حاله أو يطلب أيّ شئ لنفسه، إلا الكتب وصور العائلة، لكن نحن أصدقائه ورفاقه ومريديه في وسعنا دائمًا أن نصرخ بالنيابة عنه على الأقل، وفي لحظة فارقة يمكن وصفها "بالزمن الفلسطيني الصعب" حيث تتعرض فلسطين القضية / الشعب ونواتها الثورية الصلبة ( الحركة الوطنية الأسيرة ) إلى هجمة صهيونية ـ أمريكية ـ عربية رجعيّة غير مسبوقة، وفي وقت يواجه فيه شعبنا وطلائعه في قطاع غزة على نحو خاص باللحم والجسد الحيّ أعتى قوة في المنطقة بكل أشكال المقاومة، وفي وقت تنشط فيه بعض قوى وحركات التضامن مع الشعب الفلسطيني في العديد من بلدان العالم بتنظيم "أسبوع التضامن الأمميّ مع القائد سعدات" هذا القائد الوطني الذي يشبه شعبه المناضل والاستثنائي، ويشبه أوجاع المخيمات المنسيّة والمقهورة، ذلك لأنه صوت الأكثرية الشعبية الفلسطينية المعزولة والمطحونة تحت عجلة الإحتلال والاستعمار وفي أفران نظام القهر الشامل.
يبرز المعدن الحقيقي للبشر ويطفو على السطح في لحظة الاختبار العابرة. أما في حالة أحمد سعدات فانه اختبار يومي، في غرف التحقيق والتعذيب والزنازين منذ العام 1969 وهو فتى فلسطيني ثائر يحرث شوارع رام الله ومخيماتها. مذّاك كان " أحمد السرّي " الطالب النجيب في مدرسة الحكيم يظهر دائماً في مرحلة التحدّي وينجح بتفوق في الامتحان. يكشف عن معنى وجوهر الفدائي المناضل.
ويظهر المعدن الحقيقي تحت الشمس في زمن الجزر والتعب والتراجع لا في مرحلة المد والتقدم والراحة. يظهر في زمن تنحط فيه الاشياء وتنعدم فيه الاخلاق ويكثر الحديث عن "السلام" و"الصلح" والتكيّف مع شروط الصهيونية والاستعمار، وفي هذه الفترات بالذات يجتهد مثقف السلطة المهزوم ايضا، الذي لا يعتقله العدو ولا يطارده، ويهلك نفسه في تضليل الجمهور، ومحاولاته المتكررة في اقناع الشعب أن ما يراه "حديقة ورد" والشعب الفلسطيني اليقظ يعرف أنها مجرّد: مزبلة !
ويظهر المعدن الحقيقي للمناضل الثوري حين يمتحن أفكاره وإرادته معاً على صخرة الواقع الذي لا يكذب ولا ينحاز إلا لنفسه وللحقيقة . وهي علامات فارقة تمر في تاريخ الشعب والحزب والحركة الوطنية.
يقول لنا أحمد سعدات في رسالة خاصة " ليس من حقي أن أتعب أو أنسى، ليس من حقي أن أشكو “!
أحمد المنسي لا ينسى
إن النسيان في الحالة الفلسطنية يعني أكثر من مجرد خطأ وقلة وفاء، انه تماثل مع الموت وقبول بالهزيمة والعبودية وشروطها، خيانة لأسئلة الوجود الفلسطيني. النسيان آفة العبيد، تواطؤ من طراز خفي. ومشاركة فعلية وعلنية في الجريمة. إنه ترياق العدو وسلاحه الأمضى، يوفر كل أسباب وذرائع التساقط والركوع.
ربما لذلك تجد عبارة محفورة مكررة على جدران الفقراء وفي المخيمات والقرى وفي السجون : نحن لن نغفر ولن ننسى.
إن هذا الإصرار الفولاذي على حفظ وحماية الذاكرة الشعبية الفلسطينية والعناد في الدفاع عن الفكرة والقضية هو زوادة المناضل في الزمن الصعب. وفي قيمة إنسانية وثورية تؤكد معنى الوفاء والسير على درب من سبقوه من الشهداء والرفاق والأسرى، من عايشوه ومن سيولدوا حتمًا ولن يعرفهم أبدا.ً فكيف ينسى رفاقه " محمد الخواجا " حين ودعه في ليلته الأخيرة الباردة وهو يردد " الاعتراف خيانة " ؟ وكيف ينسى ابراهيم الراعي حين ذهب إلى الموت وهو يبتسم ليحمي أسرار الحزب والرفاق ويرحل ؟ وخليل أبو خديجة ومصطفى العكاوي و...و ومئات الرفاق الذين نهش القيد معاصمهم ولم يتكيفوا مع شروطه، قالوا : لا. في الزمن الصعب ، لا واضحة وكبيرة ، فكيف ينسى القائد/ الانسان، أو يتعب؟
ويكشف لنا الرفيق أحمد سعدات كما تجربة القادة الحقيقون في الأسر الصهيوني عن وجود قيادة فلسطينية ثورية وبديلة من طراز آخر. قيادة وطنية ولدت من رحم الشعب ومخاض الثورة والانتفاضة والتجربة النضالية، قيادة تشبه الناس ولا تشبه " اللواء " و" العقيد " و" الرئيس " و" الوزير " و" السفير ". قيادة منتخبة من كأس الألم تستمد شرعيتها من مصادر أخلاقية أعلى وأهم من " صندوق الانتخابات " والمؤسسات المزورة ، لكنهم، يا للعار، بلا سلطة سياسية ، فالسلطة مع السلطوي القابع في قصور رام الله.
إن تجاهل هذه الحقيقة الفلسطينية المُرّة أو التخلي عنها في الزمن الصعب هو العيب والعار كله وهو الذي يعطي كل السلطة للقصر وأصحاب البنوك وهوامير المال ويحرم المخيم ويعاقبه ويقصيه. هناك علاقة وطيدة بين المخيم والسجن. وهناك علاقة وطيدة بين القصر والسلطة الخائنة.
وفي التجربة النضالية نتعرّف الى حقيقة لا تقل أهمية:
إذ بقدر ما يتمتع القائد الوطني الثوري بصلابة وعناد في مواجهة العدو الصهيوني بقدر ما يمارس أعلى حالات الديموقراطية والمرونة والرحمة والحلم في معالجة القضايا الدّاخلية وفي تفهم واستيعاب أحوال وقضايا الناس. ولذلك تجد أن أكثر رواد صالونات التطبيع والتنسيق الأمني مع العدو هم الأكثر عسفًا وتشددًا وديكتاتورية في إطار علاقتهم مع الجماهير وداخل أحزابهم بل وحتى في بيوتهم.
يعني بالفلسطيني الصريح: منبطح ومايص أمام العدو، وأسد عليك!
يُمثّل القائد الوطني أحمد سعدات ومعه العشرات من رفاقه القادة والكوادر الوطنية في قلاع الاسر نموذجًا فريدًا واستثنائيًا في الحالة الفلسطينية. إنهم في السجون لأن العدو يخافهم. هذه حقيقة يجب الا ننساها. المسالة ليست شخصية. ويعرف العدو أن وجود هؤلاء خارج أسوار المعتقلات، على رأس مهامهم النضالية اليومية في الخارج يعني أن يتغير الواقع وتتحول القيم النبيلة إلى القاعدة فلا تظل الاستثناء. إنهم عدوى الثورة والرفض والتمرد، ومن مصلحة العدو دائماً أن يتعامل مع واسطة و" قيادة " عاجزة، مستعدة دائما للقتال من أجل إمتيازاتها الصغيرة وما يلقي لها الرأسمال وطبقات النفط من فتات.
وقد يسأل القارئ العزيز:
لماذا لا نرى مظاهرة شعبية حاشدة تخرج في فلسطين المحتلة والوطن العربي ضد الهجمة الصهيونية المسعورة على الحركة الأسيرة؟ أو في ذكرى اختطاف القائد أحمد سعدات ورفاقه التي مرّت يوم أمس دون صرخة واحدة؟
هذا سؤال حارق، ومنطقي ومشروع ، نعم عزيزي القارئ. ولكنه سؤال جماعيّ أيضاً، والجواب عليه يكون بالعمل لا باختراع الذرائع ولا بالقول فقط. سؤال برسم الحركة الوطنية الفلسطينية وفي القلب منها رفاق أحمد سعدات ..أولاً وعاشرًا.


www.deyaralnagab.com