logo
لا تظلموا اللون الأسود فإني أعشقه
بقلم : رانية فهد ... 23.01.2021

أجل ، وأخذني قلمي بعد تلك الزيارة إلى اللون الأسود وحكاية عشقي له، ففي خلاياي شعور يؤكد لي مراراً وتكراراً أنّه سيكون لي مع هذا اللون قصّة.... أخذني بعد تلك االزيارة وذلك الفقد إلى أعماق أعماقي ... وذلك الصّوت الذي راودني وحاورني وقال لي : ما سرّ عشقك لهذا اللون؟ هل هو الليل وظلامه ... وهدوئه وكتلة العزلة والصّمت التي تخيم فيه، لأكون في جولة مع كتبي وقلمي الذي لا أخشى البوح له بما يراودني من تيه واختناق وشعور بالقلق ... لتكون كلماتي التي تترجم عشقي لذلك اللون ... هل هو الموت الذي تتبخر فيه فوارقنا الدّنيويّة ونعود جميعاً لنكون واحداً عندما يزورك فجأة ودون سابق إنذار فيقلب حياتك رأساً على عقب ... يجعلك عاشقاً للأسود ... لليل وظلمته وظلامه .... لملابسك السوداء والتي لا ترفّ عينك لغيرها من الألوانٍ ، بالرّغم من أنّ الحداد ليس في ما نرتديه بل في ما نراه ، ويكمن أيضاً في نظرتنا للأشياء ... هل هي طبيعة البشر ومزاجيتهم وأنانيتهم التي لا تأبه إلا بذواتهم وهذا يقودنا لجعل عيون قلبنا في حداد دون أن يدري أحد بذلك ... نعم : يأخذك لحزنك أنت وحدك لأننا ، نحيا في ظلّ وظلال زمن غريب عجيب ... زمن تفرح فيه وحدك ... وتحزن فيه وحدك في مملكة البشر الفانية ... نعم أعشق الأسود ... لأنه كشف لي تلك النفوس الغريبة ...تلك الأنانية ... كم تمنيت أن أعود لذلك العصرالجاهليّ الذي قرأت عنه في كتب الأدب وأثار إعجابي وحفيظتي وخيالي ومخيلتي ... لذلك العصر... لإنسان هذا العصر ... الذي تحزن فيه القبيلة لحزنك ... وتفرح لفرحك ...بعيداً عن تلك الأنانيّة التي تطغى على إنسان هذا العصر الذي جعل شعاره فقط أنا ومن بعدي الطّوفان .... زمن بات فيه الموت رخيصاً لكنّه يكشف ويكشف لك الأمور الدّنيئة ... زمن بات فيه احترام المشاعر من عملات الزّمن النّادرة ... حتّى ممن يدعون صلة القرابة بك . وأردفت قائلة : أعشق الأسود ... لأنه يأخذني إلى تلك الرّموش المستعارة وأقنعة الزيف والرّياء .... يأخذك إلى تلك العزلة الجميلة والتي هي شعور كلّ الكتّاب والقارئين لتتأمل وتتأمل ... إلى قلمك ليبوح ويبوح ويعطر حبر الكلمات لأكتاف أتعبتها الأوجاع ... ورؤوس صدعتها الآلام ... ويواري بأحرفه الدّموع ويطفِئ لهيب الضّلوع ... لذلك لا تظلموا الأسود ، فإني أعشقه وأعشقه عشقاً سرمديّاً ... لا تظلموه فقد قالت لي صديقتي في حوارنا المعهود قبل الشروع بكتابة هذه الكلمات والبحث عن اللحظة التي ابتدأ منها هذا كلّه : ... من أحبّ الأسود في قلبه ضوء يعوضه عن سواد الأفكار السّلبية ... من أحب الأسود يخفي عظمة في داخله ..... أجل ، لست في عزلة ما دمت مع غابة الكتب والكتابة ...ولكنني حزينة من هذا الشعور الذي أحاول الفرار منه لتحرير النّفس من الجروح المحفورة والتّجارب الحزينة ، بل أكثر ما يوجعك وأنت تعيش هذه المشاعر هو سؤال مرّ مفاده : كيف يحدث لي هذا ، وأنا من كنت أظنّ أنني امرأة تفوق في قوتها الكثيرات من النّساء ؟ ...لأنك في زمن لم تعد تدري فيه مع من تقتسم حزنك وفرحك ... لم لا ؟ وهناك عالم كامن زاخربالإبداع في دواخلنا ... عالم ينادينا بصوت صاخب ويقول : لا بدّ من ذلك الاحتفال بالحياة ... لا بدّ أن يتمازج الإبداع مع الوجع وقد يكون التّناقض والتّوتر وما يصعب تحقيقه من تناغم بين ذواتنا المتعارضة هو ما يجعلنا نحن حقّاً ... أن نرتبك كذلك الخفاش الذي فاجأه ضوء الشّمس فأيقظه... لا بدّ أن نثابر على حلمنا ما دمنا على قيد الحياة ... فكلّ ما يمكننا تخيله قابل للتحقيق ويكفي أن نريده حقاً .... فألف شمس مشرقة في الكون لن تنير ظلام نفوسنا ما لم ينبع النّور من داخلنا .... فلا تظلموا الأسود لأنني تلك العاشقة الولهانة له ... وأعشق تلك الأنثى التي تلد الكلمات بقلمٍ أصيلٍ بل بذلك الوجع والذي هو تلك الفرصة الذّهبية التي أعطتها الحياة لنا لنواصل التّقدم في أمور تعني الكثير لقلوبنا ...


www.deyaralnagab.com