logo
مَنْطِق الرُّوح .. . !!
بقلم : د.نيرمين ماجد البورنو ... 27.07.2020

قد تختلف الوجوه كثيراً وتتلون بصور وأشكال وستائر متعددة ولكن الأرواح تتشابه بإيمانها وانسانيتها, فنجد أروحهم تتوحد بالواجهة للحياة ودوما يجمعهم طريق واحد, فلا تتوقع أن يملك الجميع نفس صبغتك وأخلاقك وسلوكك واتجاهك وردود أفعالك وتربيتك, نعم الطين واحد لكن الأرواح تختلف, ولكن السيئ من يتلطف لك ويتودد ويتثعلب عند حاجته فتجده يبخل اذا شح الزمان معك, فتجنب واحذر أن تلوث روحك بزيفه لأنه سيجعلك تشك في بوصلتك المزروعة في قلبك, وستتأسف كثيرا على مصاحبتك لمن لا يستحق, حينها سيسدل الستار عن فصل أسود في حياتك وستدرك أن لغة الأرواح بحاجة الى فراسة الأنفس وما يحاك في الصدور من مشاعر حقيقية صادقة.
داخل كل إنسان صوت يعرف من خلاله ماهية الصواب والخطأ, والقلب بئر تختزنُ فيه كل أسرار النفس والحياة، فأنصت له ما استطعت، واستمع لنبض حديثه، ودقائق ما يخبرك به, فكما أن هناك من يحبك بلا سبب سوى أنك أنت, فهناك أيضا من يكرهك بلا سبب, هؤلاء يبتسمون في وجهك وفي وجه القطط والمارة بنفس الابتسامة ونفس التعابير هم يحبونك كما يحبون الشكولاتة والمعكرونة والكولا يحبوك لكن غيابك عنهم لن يحدث فرقا, لذا يجب أن تميز بين ما يحبك لذاتك ولروحك ومن يحبك لمجرد أنك عابر فلا تراهن على ودهم, وأعلم أنه لا راحة لحسود ولا وفاء لبخيل ولا صديق لملول ولا مروؤه لكذوب ولا رأي لخائن ولا سؤدد لسيء الخلق.
تجاذب الأرواح الطيبة من أسمي وأرقي العلاقات الإنسانية على الإطلاق, فكل إنسان له شبيه روحي يتناسب ويتناغم ويتلاقى معه سواء أكان صديق , حبيب, أخ , قط, لأن الوجوه والأشكال تتكرر أما الأرواح فلا تتكرر, فعالم الأرواح يتعدى الشكليات والماديات حيث التجانس في الطباع الباطنة والأخلاق الخفية يورث تجاذب الأرواح وهذا ما يسمى بالتخاطر العاطفي أو الالتقاء الروحي، أرواح التقت واتفقت واشتاقت وحنت, فالأروح جنود مجندة يجمعها تجانس عجيب وإنسانية وانسجام فكري تساق لبعضها البعض كما تساق إلينا الأرزاق فتلتقي فتقترن فتتعانق فتكتشف فتسعد!!! يقول مصطفى محمود رحمه الله: (الحب ثمرة توفيق إلهي وليس ثمرة اجتهاد شخصي، هو نتيجة انسجام طبائع يكمل بعضها البعض الآخر ونفوس متآلفة متراحمة بالفطرة ), ويقول مصطفى العقاد : (نحن لا نحب حين نختار، ولا نختار حين نحب، إننا مع القضاء والقدر حين نولد، وحين نحب وحين نموت) .
قد تلتقي الأرواح في مكان ما في محاضرة أو ملتقي أو سوق أو تجمع أو فرح أو فجأة تجد شخصا مال قلبك اليه ليس عاطفيا بل راحة نفسية داخلية كما لو أنك تعرفه أو تعرفها منذ أمد بعيد, ولو تحدثت اليه بما حدث معك ستجده يسرد لك ما حصل معه كما لو يكن مطابق لما حدث معك فالأمر مثير وباعث على التأمل والتفكير, وقد تتساءل أترانا التقينا في زمان أو مكان سابق من قبل ! وقد يحدث أن تقابل إنسانًا ولأول مرة ايضًا، ولكن قبل أن ينطق بكلمة واحدة تجد النفور وعدم القبول لديك، بل تتمنى ألا يحدث تلاقٍ حتى لا تضطر الى استخدام كل عبارات المجاملة ومفردات الدبلوماسية المنمقة التي تحفظها للتخلص منه, فالأرواح أذن لها القدرة على التخاطر وإدراك خبايا الأنفس وأثرها عميق بعمق تجاذب تلك الأرواح , القلوب مرايا تشع فالقلوب الطيبة من الناس تحن الي شاكلتها والقلوب الشريرة نظير ذلك يميل الى نظيرة ومن يشاكله, اذن كل إنسان له شبيه روحي يتناسب معه.
في علم النفس، سبب عدم قدرتك على إخراج شخص ‏من تفكيرك هو أن الشخص ذاته يفكر بك، إنه ‏تجانس الأرواح، والتشابه الأخلاقي يولد تجاذبا في الأرواح، فروحه ببساطه تحمل نفس المشاعر ‏ونفس الأفكار ونفس العمق والإحساس, إنها كيمياء القلوب, يقول جبران خليل جبران: "ما أجهل الناس الذين يتوهمون أن المحبة تأتي بالمعاشرة الطويلة، ‏إن المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي", تتصل الأرواح مع بعضها عن طريق التخاطر بالقلوب للإحساس ببعضهم، فلا تحتاج إلى وسائل الالكترونية حتى تتواصل وتتلاحم مع بعضها البعض حتى لو كانوا بينهم مئات الكيلو مترات، فقط بحاجة الى احساس وشعور بالروح الأخرى لا غير, ولعل أحد أسباب التقاء روحك مع روح هذا الإنسان هو التقاء الصفات الموجودة لديك وتشابهها مع الصفات الموجودة فيه, فالأرواح اذن تتصافح قبل أن تتصافح الأيدي والعيون, فلنبحث بدواخل أرواحنا ولنكتشف ذواتنا ولنتعرف على سمو أرواحنا حتى نسمو ونسعد, أبحثوا عن الأرواح الطيبة وأكتفوا بإخبارهم بأنهم كالزهور الجميلة في الحدائق، وبأنكم تشعرون بطيب أرواحهم، وأن هذا العالم جميل بوجودهم.
محظوظون من تحيط بهم أرواح جميلة طيبة مخلصة نقية وفية تسندك في محنك وكربك وفرحك, تحزن لحزنك وتفرح لسعادتك ونجاحك وتخلق ابتسامة من عبس, تتحمل مزاجيتك وتقلبات فكرك لأنها حقا تعرف من أنت وماذا تكون, تفهمك بصمتك بتقاسيم وجهك تحكي وتلتمس لك ألف عذر وعذر لا ترهقها ولا تجحدها المسافات والبعد ولا قله اللقاءات, يصنعون من نور الصباح فرحا واشراقا ونورا ومن بسمة الأصحاب عيداً فتجدهم يتغافلون عن الحزن الطفيف, يفعلون المعروف دون انتظار الشكر, فلو كنت تملك صديقا يحبك لروحك فأنت انسان محظوظ تملك كنوز الدنيا وما فيها, فالأرواح الجميلة تجبرك على أن تقترب منها لأن حديثها عذب وقربها راحة وملازمتها سعادة, فهي لا تمل ولا تثقل على الروح فكل الأشياء تنسي الا التي لمست قلبك وسكنت روحك وباتت موطنك, فهنيئا لكلّ من رزقه الله هذه الكنوز وجعله يحضن روح صادقة نقية عذبة تشبهه في العمق الجميل, وأعلم انه ليس بالضرورة أن تكون بارع الجمال كي تكون جذابا للآخرين, بل ابحث عن جمالك الداخلي والروحي والذي بالتأكيد سيضفي عليك الصدق والجمال والثقة بالنفس لان صدق المشاعر أشياء لا تشتري هيا عفوية ووفية بين الأصدقاء, لذلك كن قريبا ممن يشعرك بالفرح ورفيقا للذي يري في قربك السعادة.


www.deyaralnagab.com