logo
نتنياهو خطوة نحو السجن !!
بقلم :  سهيل كيوان  ... 07.03.2019

يواجه رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو أصعب معركة في تاريخه السياسي وحياته الشخصية، ليس بسبب ضغوط دولية أو عربية في مواجهة سياسته التوسعية الاستيطانية، وإفشاله لأي محاولة تقدّم للوصول إلى حل مع الفلسطينيين، بل يواجهها في ظل عدة تهم موجهة إليه، منها تلقي الرشوة وترويجها وخيانة الأمانة.
المهم في هذه الاتهامات، أنها تأتي بتوصية من المستشار القضائي للحكومة، وهو شخصية ما كانت لتكون في منصبها منذ البداية، لولا دعم نتنياهو الشخصي لها، وقد حاول المستشار القضائي أن يتجنب سقاية هذه الكأس لصديقه نتنياهو، وماطل كثيرًا في تقديم توصياته، ومرّ وراجع ومحّصَ عشرات المرات في تلال من الأوراق وآلاف صفحات الكمبيوتر، محاولا تجنّب الأمر، إلا أنه اضطر أخيرًا لأن يعلن توصياته بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو بالفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة، وفي حال ثبوتها تعني السّجن.
الأنظمة القمعية تنتج الفساد وتنمّيه، حتى أنها تجعل العيش بدون فساد شبه مستحيل
إعلان المستشار قبل الانتخابات يحوي تحذيرا وتوجيها مبطّنا للناخبين، الذين سيتوجهون إلى الصناديق في التاسع من إبريل المقبل لانتخاب أعضاء البرلمان، بأن هذا الرجل المرشح ليكون رئيس حكومة لدورة أخرى هو رجل فاسد، وعليكم تقع مسؤولية استخلاص العبر ومحاسبته في الصندوق قبل قاعة المحكمة. تقديم هذه التوصيات وفي هذا التوقيت يعني، أن المستشار القضائي بات على يقين بأن بحوزة الشرطة قرائن قانونية غير مشكوك فيها وغير قابلة للتأويل، وإلا لما غامر وأوصى بهذا، فنتنياهو ليس مواطنا أو وزيراً عاديا، فهو المصمّم الأول لسياسة إسرائيل في العقدين الأخيرين.
قبل نتنياهو قضى رئيس حكومة ورئيس دولة وعدد من الوزراء وأعضاء الكنيست وما زال بعضهم حتى الآن يقضي محكوميات بتهمة تلقي الرشوة والفساد أو الاعتداء الجنسي، ومن مختلف الأطياف السياسية. ازدياد محاكمة المسؤولين تظهر مدى انتشار الفساد الواسع في المجتمع، خصوصاً وسط الطبقة المستولية على السلطة والنفوذ، إلا أنها تظهر في الوقت ذاته أحد مصادر قوة هذه الأنظمة على حماية وتنظيف نفسها، فقط هكذا تستطيع هذه الدول الصمود في مواجهة المخاطر الخارجية، هكذا يشعر المواطن بأنه متساو أمام القانون مع المسؤول مهما علا شأنه. نتنياهو وفي مؤتمر صحافي عقده قبل يومين أمام ناشطي حزبه راح يصرخ، وتلاعب بنبرة صوته مستعطفا، وتحدّث عن علاقاته مع قادة العالم من الصين إلى الهند وروسيا إلى كازاخستان إلى البرازيل وتشاد وعُمان وغيرها، وعدّد إنجازات اقتصادية كبيرة في فترة رئاسته للحكومة، وزعم أن توصيات المستشار جاءت نتيجة ضغوط الصحافة المنحازة ضده، وضغط الأحزاب التي فشلت في إسقاطه عن طريق الصندوق، وتريد إسقاطه عن طريق هذه الاتهامات، ولكن هذا لن يشفع له.
في المقابل نشعر بالأسى عندما تمر عقود لا نسمع فيها عن محاكمة مسؤول عربي كبير، وإدخاله إلى السجن بشبهة الفساد، رغم أن معظم الدول العربية تحتل مراكز مخجلة في سلّم الفساد العالمي، منها عشر دول تحتل الأماكن الأخيرة، والعكس صحيح، فمن يحاولون محاربة الفساد وفضحه يلاحَقون وتنتزع شرعيتهم وقد يتعرضون للسجن والتنكيل والمطاردة، وفي أفضل الأحوال تجري محاكمات لموظفين من الدرجات الدنيا، كأكباش فداء للتغطية على الفساد الأكبر الذي ينخر هذه الدول ويُفقرها ويؤدي إلى تخلّفها، وما يتبع هذا من كوارث وصلت إلى حرب أهلية. الأنظمة القمعية تنتج الفساد وتنمّيه، حتى أنها تجعل العيش بدون فساد شبه مستحيل، فالموظف والمسؤول الفاسد لا يستطيع أن يرفع صوته ضد النظام، مهما رأى وعرف، ويجد نفسه مضطراً للدفاع عنه باستماتة، لأن فساده الشخصي يرتبط بنظام الفساد كله. أغلب الظن أن نتنياهو لن يستطيع تشكيل الحكومة المقبلة، وبالذات بسبب الكشف عن فساده، وليس بسبب فشله في سياسته الخارجية، فهو يحظى بعلاقات خاصة مع عدد كبير من زعماء العالم، إضافة إلى إنجازات اقتصادية وعلمية في حقبته لا يستهان بها، وارتفاع معدل دخل الفرد إلى مستويات تضاهي مدخولات الدول البترولية، على الرغم من كل هذا سيقف أمام القضاة، وسوف توجّه له تهم الفساد والحصول على الرشوة والخداع وخيانة الأمانة، وسيضطر لأن ينافق القضاة، من خلال نبرة صوته ولغة جسده، ولن يخرج بريئا، وهناك احتمال كبير لسجنه. هذه العدالة الداخلية هي عملية تزييت وتشحيم لجهاز الدولة والمحافظة عليه من الصدأ، فهم يعرفون أن الخطر الأكبر على الدول القوية عسكريا واقتصاديا، يأتي من داخلها وليس من الأعداء الخارجيين.
وكي لا يتهمني أحد بالترويج لديمقراطية الاحتلال، فهذه العدالة تقلب وجهها وتتحول إلى وحش كاسر نتن، عندما يتعلق الأمر بحقوق الفلسطينيين وممارسات الاحتلال والمستوطنين بحقهم، وتلك حكاية أخرى يعرفها الجميع.


www.deyaralnagab.com