logo
معالم الكارثة القادمة دون أي تجميل سياسي!!
بقلم : د. عبير عبد الرحمن ثابت  ... 07.01.2019

لقد دخلت الحالة الفلسطينية عشية 14/حزيران/ 2007 نفق مظلم لم تحسب نتائجه أنذاك: ولكنها اليوم تمر بمنعطف خطير أكثر حلكة وظلام؛ حيث تختفي أى معالم للحد الأدنى من التوافق الوطني أو حتى الانساني المنطقي؛وذلك مع تزايد الهوة بين حركتى فتح وحماس؛ ومع إصرار حركة حماس على منع الاحتفال بانطلاقة الثورة الفلسطينية وما رافقته من حملة اعتقالات وترهيب لكوادر حركة فتح فى قطاع غزة؛ ولولا الحكمة التى تحلت بها حركة فتح بقرارها إلغاء الاحتفالية لربما كنا أمام فصل دموي جديد فى شوارع قطاع غزه تسيل فيه دماء أبناء الوطن الواحد بأيدى فلسطينية فى مشهد عبثي ينم على ضحالة الوعي السياسي لأولئك الذين يعتقدون أن لغة القوة والترهيب تصلح كلغة تخاطب بين أبناء الوطن الواحد؛ ولم ينتبه أولئك إلى صوت طائرات الاحتلال التى كانت تقصف مواقع للمقاومة؛ وكذلك لم ينتبهوا لصوت لغة القوة التى تخاطب بها إسرائيل الجميع؛ ولم يدركوا أن تلك اللغة تستمد قوتها من فرقتنا وتناحرنا على الوهم.
إننا اليوم أمام مرحلة خطيرة وحاسمة تدار بحكمة وتخطيط من قبل أعداء الشعب الفلسطينى وأهم مضامين هذه المرحلة هو كسر التمثيل السياسي الموحد للشعب الفلسطيني؛ وهو ما يتطلب تحويل الانقسام الفلسطينى إلى انفصال سياسي دائم تكون نتيجته ظهور أكثر من ممثل سياسي للشعب الفلسطينى؛ والهدف من ذلك تجزئة الحقوق السياسية للشعب الفلسطينى التى ضمنتها الشرعية الدولية فى قراراتها المتواترة باعتبار الشعب الفلسطينى وحدة سياسية واحدة على
إقليم موحد وذو قيادة موحدة ممثلة فى منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد له أينما وجد . ونجاح أعداء الشعب الفلسطينى فى تحويل الانقسام إلى انفصال سياسي سيوفر لهم الغطاء السياسي لتمرير صفقة القرن بعيدا عن مقررات الشرعية الدولية؛ وهو ما سيمكنهم من مفاوضة كل طرف فلسطينى على ما تحت سيطرته من الشعب؛ وعندها لن يكون بمقدور أى طرف فلسطينى أن يطالب بأى حقوق جمعية شرعية فلسطينية بل سيكون مضطرا للتفاوض على ما بحوزته؛ وهذا ما جرى ويجري عمليا مع قطاع غزه منذ 2007.
فأى مفاوضات أجريت منذ ذاك التاريخ لم تكن إلا مفاوضات مطلبية خاصة بقطاع غزة بعيدا عن أى معاني سياسية تخص القضايا الجمعية السياسية للشعب الفلسطينى؛ وبما فيها اتفاق أو تفاهمات الهدنة الأخيرة برغم ما تمثله من معانى سياسية واضحة المعالم عن بلورة كيان فلسطينى سياسي فى القطاع؛ ولم تخفى التسريبات المعلنة عن صفقة القرن أنه أحد أسسها؛ ولكن فى المقابل فإن حركة حماس لا زالت تفتقد رسميا لأى غطاء سياسي شرعي يمكنها من أن تكون طرف سياسي فى أى ترتيبات سياسية قادمة للتسوية الأمريكية؛ ولا زالت مصنفة ضمن قوائم الإرهاب فى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ وكانت على وشك أن تصنف حركة ارهابية بقرار دولى ولولا تدخل منظمة التحرير وجهودها المضنية فى منع صدور القرار بالأغلبية وإقرار مبدأ الثلثين فى تمرير القرار لكانت حركة حماس اليوم مدانة بالارهاب عبر قرار من الجمعية العامة؛ وهنا على حركة حماس إدراك أن هناك ثمن سياسي سيكون لزاما عليها دفعه فى المستقبل القريب إذا أرادت الاستمرار في تفردها بالسيطرة على القطاع لتمنح شرعية الثمثيل السياسي لقطاع غزة؛ وهو ببساطة قبول تمرير صفقة القرن التى جوهرها قيام كيان فلسطينى سياسى بمعزل عن الضفة الغربية عبر اتفاق لا علاقة له بمبادئ الشرعية الدولية وقراراتها الجمعية الخاصة بالقضية الفلسطينية.
هذا هو الثمن المطلوب أن تدفعه حماس لإصباغ الشرعية على واقع وجودها العملى كحاكم فعلي للقطاع؛ وكل ما يقال من تبريرات وتصريحات لرفض صفقة القرن ليس إلا ذرا للرماد فى العيون؛ وهذا هو الواقع الذى نراه كل يوم يكرس أننا أمام كيان فلسطينى يتبلور شيئا فشيئا فى قطاع غزه لا ينقصه إلا الشرعية التى لا تعدو كونها مسألة وقت.
واليوم من يريد مقاومة صفقة القرن واسقاطها عليه أن يسارع بإنهاء الانقسام الفلسطيني وتوحيد الأرض الفلسطينية المتبقية لنا تحت قيادة منظمة التحرير؛ لأنها العنوان السياسي الشرعي الذى منحه العالم الاعتراف به كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطينى؛ وعلى حركة حماس إدراك أنها شاءت أم أبت ستتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية التاريخية على النتائج الاستراتيجية الكارثية المترتبة على انفصال قطاع غزة وخروجه من الصراع الفلسطينى الاسرائيلي؛ وعلى حركة حماس إدراك المخاطر التى تنطوى عليها المرحلة القادمة.
ولكن ما زال أملنا فى أشقائنا المصريين كبير وثقتنا بها عالية فى تدارك الأمور لمنع وقوع تلك الكارثة التى توشك أن تقع على رؤوسنا جميعا ببذل المزيد من الجهود المصرية لتفعيل اتفاقات المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني باعتبارها الأم وليس الشقيقة الكبرى للفلسطينيين ولكل العرب .
لقد أوشك الوقت على النفاذ يا سادة .. والفرصة الأخيرة قاربت على الضياع .


www.deyaralnagab.com